ad a b
ad ad ad

«الإخوان».. التمسُّح في أعتاب نخبة الفكر والأدب

الأربعاء 26/سبتمبر/2018 - 08:56 م
المرجع
دعاء إمام
طباعة
مع السنوات الأولى لنشأة جماعة الإخوان عام 1928، سعى حسن البنَّا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، لضم نجوم الصف الأول في الفكر والأدب والدعوة إلى الجماعة، لأسباب كثيرة منها: رغبته في اجتذاب محبي الأدباء والشعراء إلى الجماعة، إضافة إلى رغبته في ظهور «الإخوان»، كجماعة تنصهر فيها كل الثقافات والآراء؛ لكن أغلب هؤلاء الذين تمسَّح مرشد الجماعة في أعتابهم، رفضوا عروض الانضمام للجماعة.
«الإخوان».. التمسُّح
وشهد مطلع عام 1946 من القرن الماضي، دعوة علنية من «البنَّا» للمؤرخ المصري أحمد أمين الطبَّاخ (1886-1956)، لأن يقبل عضوية الجماعة، إذ كتب مقالًا بالخط الكبير يحمل  عنوان «خطاب مفتوح إلى الأستاذ أحمد أمين»، أثنى فيه على مؤلفات «أمين»، وطالبه بالانضمام إلى الجماعة؛ لكن الأخير رفض، وانتقد تشتت الجماعة عن العمل الدعوي، واقتحام السياسة.
 
وفي كتابه «أحداث صنعت التاريخ»، أورد محمود عبدالحليم(1)، الوصف الذي أطلقه «البنَّا» على الشاعر والأديب المصري مصطفى صادق الرافعي (1880-1937)؛ فقال: «البنَّا كان يشبهه بـ«حسان بن ثابت»، شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عصر النبوة»، وطالب «عبدالحليم» -مؤسس الجماعة- قيادات الجماعة بالمسارعة في اكتشاف نفرٍ غيره وإعدادهم، كي يخلفوا «الرافعي».

وفى الكتاب -أيضًا- حينما تناول «عبدالحليم»، صحافة الدعوة في عهد المؤسس حسن البنَّا، استهلها بأن البنَّا كان يضع أدب الرافعي في أعلى المراتب في عصره، وينظر إليه باعتباره رائد الأدب الإسلامي، كما كان يراه في مقام حسان بن ثابت، شاعر الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في عصر النبوة، وحفظ له الكثير من الشعر، كما اقتنى له الكتب، وألمح عبدالحليم، قائلًا: «الأستاذ المرشد كان حريصًا على تربية خليفة للرافعي؛ لأن الدعوة الإسلامية لا تستغني عن قلم يدافع عنها في عالم الأدب».
«الإخوان».. التمسُّح
مزاعم الأيدي المتوضئة
ورد في كتاب «وحي القلم» للأديب المصري، مصطفى صادق الرافعي، قصة بعنوان «الأيدي المتوضئة»، يزعم الإخوان أن بعض نصوصها حُذفت؛ نظرًا لتفخيم «الرافعي» دور الجماعة والثناء عليها، ويروي موقفًا شهده خلال تأدية صلاة الجمعة بأحد المساجد، إذ اعترض مجموعة من الشبان على طريقة الخطيب؛ فخطبوا هم في الناس، وتحدثوا عن فلسطين وحالها، وما فعل الاحتلال الصهيوني بها.

فيقول الرافعي: «لما قضيتُ الصلاة ماجَ الناسُ، إذ انبعث فيهم جماعة من الشبان يصيحون بهم يستوقفونهم ليخطبوهم، ثم قام أحدهم فخطب؛ فذكر فلسطين وما نزل بها وتغير أحوال أهلها ونكبتهم وجهادهم واختلال أمرهم، ثم استنجد واستعان، ودعا المُوسِر والمُخِف إلى البذل والتبرع وإقراض الله تعالى؛ وتقدَّم أصحابه بصناديق مختومة؛ فطافوا بها على الناس يجمعون فيها القليل والأقل من دراهم، هي في هذه الحال دراهم أصحابها وضمائرهم، وحين سألهم الشيوخ مَن أنتم؟ أجابوا: نحن من جماعة الإخوان المسلمين».
 
في ثلاثينيات القرن الماضي، برز اسم الشاب «عبدالمنعم خلَّاف»، الذي كان يكتب مقالات دورية، في مجلة «الرسالة الأدبية»(2) الأسبوعية، وأراد البنَّا أن «يصنع» هذا المفكِّر على عين مؤسس الجماعة، ويُطوع فكره بما يخدم الإخوان، خاصة أن «خلَّاف» كان سبق له الخطابة في جمعية الشبان المسلمين (جمعية اجتماعية ذات طابع إسلامي ساهم البنَّا في تأسيسها عام 1927).

ويزعم محمود عبدالحليم، أن الأزمات التي مرَّت بها الجماعة، عطَّلت انضمام «خلَّاف» والاستفادة من فكره، وثَمَّة رواية أخرى يمكن أن تكون أكثر صدقًا، وهي أن «خلَّاف» رفض الانضمام للجماعة؛ وبالبحث في المقالات التي كتبها يتضح أنه كان شخصية منفتحة، ونادى بتجديد الخطاب الديني، وبشَّر بالقومية العربية، كما كتب مقالات عن ضرورة تنحية العنصرية، وعدم محاربة من يعتنقون فكرًا أو مذهبًا مخالفًا، وهي مبادئ لا تتماشى مع العقل الإخواني.

محاولات اجتذاب مريدين جدد 
فَطِنَ «البنَّا» لدور الأدباء والدعاة الذين ينجذب إليهم الشباب، بما يضمن توافد مريدين جدد على جماعته؛ فكان من بين هؤلاء «إسماعيل حمدي» الواعظ بمدينة الإسكندرية (شمال غرب دلتا النيل)، فأوصى بضرورة الاهتمام به وتقديمه على الساحة كوجه جديد، يمكن من خلاله التعامل مع الشباب في المساجد. 

وخلال إحدى رحلات «البنَّا» إلى صعيد مصر، اصطحب معه «حمدي»، وطلب منه أن يؤمهم في صلاة العشاء؛ كتمهيد لظهوره فيما بعد، وقبل الصلاة همس «البنَّا» للشاب أن الرحلة كانت مرهقة له ومن معه؛ فقرر حمدي أن يصلي بقصار السور؛ رحمة بالشيخ المتعب وضيوفه، إلا أن رد فعل «البنَّا» كان مغايرًا لما انتظره الواعظ، إذ قال: «كيف تصلي بنا بقصار السور؟.. فأجابه: فضيلتكم قلت إنكم تعبانين، ولهذا رأيت أن أخفف عنكم.. فردَّ البنَّا: يا أخي الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال أرحنا بها يا بلال، ولم يقل أرحنا منها، في إشارة إلى اعتراضه على موقف الشاب».

كان «البنَّا» يُفسح المجال لـ«حمدي»، بكل ما استطاع من وسائل، لكن مراحل السقوط التي عايشتها الجماعة في حقبة الخمسينيات والستينيات، حالت دون تحقيق حلمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين (1917- 1999م)، وأول مؤرخ لتاريخ الجماعة في كتابه الموسوعي "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ".
(2) مجلة ثقافية ترأس تحريرها الأديب المصري أحمد حسن الزيات (1885-1968) في عام 1933م، وكتب فيها معظم المقالات عن رموز الأدب العربي آنذاك، مثل: العقاد، سيد قطب، أحمد أمين، محمد فريد أبو حديد، أحمد زكي، مصطفى عبد الرازق، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، محمود محمد شاكر والشابِّي.
"