معركة إدلب السورية.. مسمار في حلق أنقرة
الجمعة 31/أغسطس/2018 - 04:17 م
كاترين جابر
بدأ النظام السوري في شن هجوم عسكريّ لاستعادة محافظة إدلب، آخر معاقل الجماعات الإسلاموية المسلحة الموجودة في سوريا؛ إذ تعتبر إدلب هي المنطقة الوحيدة التي مازالت خارجة عن سيطرة النظام السوري.
وتأتي العملية العسكرية في ظل ظروف مرتبكة، ترجع للصراع الذي مازال قائمًا بين الأطراف الخارجية المتنازعة في القضية السورية، فضلًا عن خشية المجتمع الدولي من وقوع جرائم حرب، وأن يدفع المدنيون هناك الثمن.
فبالرغم من تبدل مواقف الدول المعنية رأسًا على عقب في المسألة السورية، وتراجع الكثير عن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كمبدأ لإنهاء الحرب السورية، فإن المصالح القومية والاستراتيجية لكل من هذه الدول قد تعرقل أهداف النظام السوري وحليفه الروسي.
ترجع خطورة عملية إدلب للأهمية الجغرافية والاستراتيجية للمحافظة؛ حيث تقع في الشمال الغربي من سوريا على الحدود مع تركيا، وقد دعمت الأخيرة بشكل كبير الجماعات الإسلاموية والمتمردة المعارضة لبشار الأسد في هذه المنطقة.
وجمعت أنقرة المجموعات الرئيسية المتمردة في ائتلاف واحد، تم تشكيله في بداية أغسطس تحت راية واحدة يطلق عليها «جبهة التحرير الوطني»، تجمع في صفوفها مجموعتين إسلامويتين مهمتين: «أحرار الشام، ونورالدين الزنكي»، فضلًا عن 4 فصائل أخرى من بينهم جيش الأحرار، فهناك ما يقرب من 70 ألف مقاتل وجهادي ومتمرد في المنطقة، وتم نقل البعض منهم من قبل النظام السوري نفسه أثناء معارك سابقة.
وتسيطر منظمة تحرير الشام على 60% من محافظة إدلب (التي تتشكل من مقاتلين في جبهة النصرة، الذراع السابقة لتنظيم القاعدة في سوريا) تحت قيادة «أبومحمد الجولاني»، فضلًا عن تأصل الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش فيها، والتي تبنت عمليات تفجيرية عديدة خلال شهر أغسطس.
تقع المحافظة على الحدود مع محافظة اللاذقية الساحلية، معقل النظام ومعقل أسرة الرئيس السوري، وفي السنوات الأخيرة، زاد عدد سكان المحافظة بشكل ملحوظ، ويقدر حاليًّا عدد سكانها بنحو 2.5 مليون نسمة، يرجع ذلك لتدفق المتمردين والمدنيين الذين تم إخلاؤهم من الحصون التي سيطر عليها النظام (الغوطة، حلب، درعا)، وفقًا للاتفاقيات المبرمة مع دمشق، والتي ضمنتها تركيا.
مشاورات «فرنسية - روسية»
يتوقف الانتصار السوري على الدعم الروسي الشامل له منذ اندلاع الحرب في مارس 2011، فضلًا عن تغير المواقف الإقليمية والدولية الواضحة وضوح الشمس، التي صبت في صالح النظام، فدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاتحاد الأوروبي للمشاركة في إعادة إعمار سوريا خير دليل على الثقة العمياء من انتصار النظام السوري المدعوم من روسيا.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتهم «الأسد» بارتكاب المجازر في سوريا وقتل شعبه، في كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي أمام سفراء فرنسا يوم 27 أغسطس، رافضًا تحمل أوروبا مسؤولية إعمار سوريا دون جلوس الأطراف السورية كافة على طاولة المفاوضات، واتفاقهم جميعًا لتحديد مستقبل بلادهم، إلا أنه أعلن من قبل أن داعش هو العدو الأول لفرنسا.
الحرب على داعش تمثل نقطة الاتفاق، ربما الوحيدة والأهم، بين ماكرون والأسد، ويبدو أن الملفات المشتركة بين فرنسا وروسيا ستلعب دورًا يؤثر بشكل فاعل على المصير السوري، فقد دعا ماكرون نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لحضور حفل إحياء الذكرى المئوية لانتصار فرنسا على ألمانيا يوم 11 نوفمبر القادم، وستكون سوريا ضمن قائمة المشاورات بين الطرفين في هذه الزيارة.
أمريكا تتدخل
صرحت «ماريا زاخاروفا»، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، عن احتمالية شن الولايات المتحدة الأمريكية لضربة عسكرية ضد النظام السوري في الأيام المقبلة.
تأتي التهديدات الأمريكية متزامنة مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» الذي أشار إلى خطر المد الإيراني في سوريا، ما يمكن أن يؤدي لتصعيد عسكري بين الطرفين في الأراضي السورية.
روسيا لم تستطع إبعاد إيران عن مشهد إدلب، فالنظام السوري يحتاج بشدة لحليفه الميداني الأول المتمثل في «الميليشيات الإيرانية»، ما أثار مخاوف الجانب الإسرائيلي.
تركيا والأكرادوفوبيا
تمثل أنقرة عائقًا للعملية العسكرية في إدلب؛ حيث نشرت تركيا قواتها في أنحاء المحافظة، وقامت بتقوية مواقعها العسكرية؛ إذ تخشى تركيا من تدفق اللاجئين على أراضيها مرة ثانية؛ حيث استقبلت أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري منذ 2011.
فضلًا عن خوفها من إمكانية تشكيل تحالف كردي إقليمي يضم أكراد سوريا والعراق إلى صفوف حزب العمال الكردستاني في تركيا؛ ما يمكن أن يدفع بهم للانفصال في الجنوب الشرقي التركي عن الإدارة المركزية في أنقرة، وتشكيل كيان كردي إقليمي، خاصةً بعد تحالفهم مع النظام السوري في معركة عفرين التي شنّها الجيش التركي، وقتل منهم العديد.
وأصبح الأكراد حلقة الوصل بشكل غير مباشر بين النظام السوري ودول الخليج؛ حيث زار وفد رفيع المستوى تابع لوحدات حماية الشعب، (الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي) أبوظبي والرياض يوم 12 أغسطس الجاري، وعلى رأسهم القائد العام «سيبان هيمو»؛ ليؤكد لحلفائه في الخليج أنه على يقين بأن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي، مازال على قيد الحياة، ومختبئًا في محافظة الأنبار السُّنية وعلى الحدود مع سوريا.
وفي 14 أغسطس، زار وفد من الضباط الخليجيين، منطقة الحكم الذاتي الكردية العراقية، وحصلوا على المعلومات نفسها من قبل المسؤولين في الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق.
فيما قدم مقاتلو تنظيم داعش -الذين تم القبض عليهم على مدار الشهور الماضية من قبل القوات الكردية- معلومات استخبارية مباشرة إلى حكومة إقليم كردستان.
محادثات «روسيا - تركيا»
تجرى محادثات بين روسيا وتركيا بخصوص طبيعة المعركة، ويفضل الكرملين من جانبه أن تقنع أنقرة الجماعات المسلحة بالتراجع؛ ما يسهل العملية لحليفها الدمشقي.
في هذا الإطار، تنعقد قمة ثلاثية يوم 7 سبتمبر المقبل في إيران، تجمع قادة الدول الثلاثة: «روحاني، بوتين، أردوغان»؛ لمناقشة الأوضاع في سوريا، فيما ينشغل الأردن، الداعم السابق للمعارضة السورية، بتزايد الخطر الجهادي على أرضه خصوصًا بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في 10 أغسطس، وراح ضحيته 4 من ضباط الأمن على بعد 30 كيلومترًا من العاصمة عمان؛ ما دفع الملك عبدالله الثاني للتعاون مع النظام السوري لتبادل المعلومات؛ للقضاء على الإرهاب.





