انكشاف حذر.. الموقف الأوروبي من أزمة الليرة التركية
الأربعاء 22/أغسطس/2018 - 08:38 م
آية عبدالعزيز
يواجه الاقتصاد التركي حالة من الانكشاف على غرار وقت سيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الاقتصاد بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في يونيو 2018، فضلًا عن تعيين صهره براءة ألبيرق وزيرًا للخزانة والمالية، ترسيخًا لهيمنته على السياسات المالية والنقدية، والتحكم في البنك المركزي، لتخفيض سعر الفائدة، ظنًا منهما أنه سيكون دافعًا لمواجهة التضخم، وزيادة الاستثمارات الخارجية وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى من 10%، بجانب ارتفاع معدلات البطالة أيضًا فوق 10%؛ وهو ما يعني عدم قدرة الحكومة على زيادة عائدات الضرائب لتغطية العجز في الميزانية، البالغ 50 مليار دولار.
وقد تراجعت قيمة السندات السيادية التركية وفقًا لقيمتها بالدولار، كما واصلت الانخفاض، -فعلى سبيل المثال- انخفض الإصدار المستحق في 2045 بمقدار4.3 سنت إلى 87.2 سنت، كما تراجع إصدار السندات الدولية استحقاق 2038 بواقع 3.9 سنت إلى95.87 سنت(1).
الاقتصاد التركي رهن العقوبات الأمريكية
القس الأمريكي أندرو برونسون
وزادت حالة الانكشاف الاقتصادي لأنقرة على خلفية التوتر الحاد مع واشنطن نتيجة اعتقال القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي تم وضعه في الحبس الاحتياطي على خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب في مدينة أزمير في 2016، ومؤخرًا تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب بالإفراج عنه معتبرًا إنه رجل وطني عظيم، وموضحًا إنه لن يدفع شيئًا لأنقرة، وفي مقابل الرفض التركي أدى ذلك إلى فرض واشنطن عددًا من العقوبات على أنقرة كردع للقيادة السياسية التركية.
وعليه تراجعت الليرة التركية بنسبة تقارب من 7% مقابل الدولار، وسط قلق المستثمرين بشأن تحذيرات واشنطن المستمرة من أن أنقرة يجب أن تتوقع المزيد من العقوبات الاقتصادية، ما لم تسلم القس المحتجز لديها. (2).
وخفضت وكالة «ستاندرد أند بورز» التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى درجة أعمق في الفئة غير الاستثمارية درجة واحدة إلى +B من –BB، متوقعة أن يصل التضخم إلى 22% على مدار الأشهر المقبلة(3).
التعاطي التركي مع الأزمة
روهصار بكجان وزيرة التجارة التركية
سعت تركيا إلى انتهاج مبدأ الندية في التعاطي مع واشنطن تمثلت في ردود الفعل والتصريحات عالية المستوى فقد صرحت «روهصان بكجان» وزيرة التجارة التركية بأن بلادها سترد على واشنطن في حالة فرضت عقوبات جديدة عليهم وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية.
أردوغان
كما توعد «أردوغان» بأن أنقرة سترد على العقوبات الاقتصادية على منتجاتها بالتحول إلى أسواق جديدة، ملمحًا أن العلاقات بين الجانبين أصبحت على المحك، وقال أردوغان «لا يسعنا سوى أن نقول وداعًا لكل من يقرر التضحية بشراكته الاستراتيجية وبنصف قرن من التحالف مع بلد عدد سكانه 81 مليون نسمة، من أجل قس يرتبط بجماعات إرهابية؟»(4) كما حث الشعب على استبدال الدولار واليورو بالليرة؛ للدفاع عن قيمة العملة الوطنية.
وفي هذا السياق؛ حاول «أردوغان» استغلال الأوضاع الاقتصادية والتوتر الحاد مع واشنطن للتقرب إلى القيادة السياسية الأوروبية رافضًا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، مهاتفًا المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» يوم الأربعاء الموافق 15 أغسطس، والخميس نظيره الفرنسي «إيمانويل ماكرون» لبحث أهمية تعزيز العلاقات بين الجانبين.
بجانب المباحثات التي أجراها «ألبيرق» مع نظيره الألماني «أولاف شولتز» لبحث العلاقات والتوافق حول إمكانية عقد اجتماع بينهما خلال الشهر المقبل وبالفعل تم تحديد هذا اللقاء يوم 21 سبتمبر 2018(5)، ونظيره الفرنسي «لومير» للاتفاق على العمل المشترك وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين وتوصل الوزيران إلى اتفاق حول عقد لقاء بينهما في باريس يوم الـ 27 أغسطس 2018.
الترقب الأوروبي لانهيار الليرة
وتحاول البنوك الأوروبية التعاطي مع أزمة الليرة بكفاءة وفعالية تجسدت فيما قام به البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير باختبار داخلي لتحمل هبوط الليرة التركية بنسبة 40 % بالرغم من استمرار انهيارها؛ حيث أظهر الاختبار أن البنك يستطيع تحمل الانهيار والتكيف مع مثل هذا الانخفاض، معربًا عن أن الوضع المالي للبنك لن يتأثر برغم من أن نقرة أهم دولة لدى البنك من حيث العمليات منذ 2014، في المقابل يمتلك البنك عددًا كبيرًا من المشروعات والقروض وحيازات أسهم تقدر بإجمالي 7.3 مليار يورو (8.31 مليار دولار)(6). كما ارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبى 0.1% مع صعود معظم البورصات الرئيسية. (7).
وفي هذا الصدد استطاعت الأسهم الأوروبية التعامل مع الانهيار بشكل حذر وتمكنت من الارتفاع في التعاملات المبكرة يوم الأربعاء 15 أغسطس 2018 متجاهلة الخسائر التي واجهتها الأسواق الناشئة، في سياق استمرار محاولات القيادة التركية انحسار الأزمة وانتهاج سياسات للتعافي.
المخاوف الأوروبية من أزمة الليرة
يعد الاقتصاد التركي من أهم الاقتصادات الناشئة التي استطاعت تحقيق طفرة نوعية في مستويات التنمية المستدامة في كثير من القطاعات الاقتصادية، كما حاول التوسع من خلال الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية.
وكانت الدول الأوروبية في صدارة المستثمرين داخل أنقرة، وهو ما تمثل في قروض بنوك منطقة اليورو في أنقرة التي بلغت قيمتها ما يقرب من 150 مليار دولار وفقًا لما كشفه بنك التسويات الدولية، وتأتي في مقدمة البنوك المقرضة، البنوك: الإسبانية والفرنسية والإيطالية.
وبالفعل كانت هذه الدول من أوائل الاقتصادات التي تأثرت بهذا التراجع في قيمة العملة فقد انعكست على أسهم بعض المصارف الأوروبية الكبرى، فقد انخفض UniCredit إيطاليا بنسبة 5.6% وانخفض BBVA الإسباني بنسبة 5.5%، وانخفض مؤشر BNP Paribas الفرنسي بنسبة 4.3%، وانخفض سهم Deutsche Bank بنسبة 5.3%. (8).
لذا فهناك تخوف من استمرار أزمة الليرة على المديين المتوسط والطويل نتيجة استبدادية «أردوغان» وتحكمه في مسار الاقتصاد التركي وفقًا لمصالحه الخاصة التي تدعم حكمه وتحركاته الخارجية.
وختامًا؛ من المتوقع أن تستمر أزمة الليرة التركية نتيجة الخلاف المستمر مع واشنطن الذي سينعكس على ثقة المستثمرين ويجعلهم يتراجعون عن الاستثمار، وبيع سندات الليرة التركية التي يملكونها في أنقرة فبالرغم من التقدم الذي شهدته لكنها تعتمد على الاستثمارات الأجنبية التي توفر لها العملة الصعبة مما يؤكد مدى هشاشة الاقتصاد التركي.
المراجع:
1. آية عبدالعزيز، "مآلات عكسية.. إلى أين سيتجه الاقتصاد التركي بعد فوز «أردوغان»؟"، المرجع، 1572018. متاح على الرابط التالي: http:www.almarjie-paris.com2491
2. "خطة واشنطن تفقد الليرة التركية 7% من قيمتها"، سكاي نيوز عربي، 17 أغسطس 2018. متاح على الرابطhttp:cutt.usQPVey
3. " في ظل كارثة الليرة.. ضربة جديدة للاقتصاد التركي"، سكاي نيوز عربي، 1882018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.usVN5KL
4. "أنقرة تتخذ تدابير جديدة لمواجهة انهيار الليرة التركية"، فرانس 24، 138 2018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.usoO2Xp
5. " ترمب: لن ندفع شيئًا لتركيا من أجل إطلاق سراح القس برانسون"، الشرق الأوسط، 1882018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.usMJnMX
6. "بنك أوروبي يختبر انهيار الليرة التركية"، الأسواق العربية، 14 أغسطس 2018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.usarRXM
7. "أسهم أوروبا ترتفع صباحا متجاهلة خسائر الأسواق الناشئة"، اليوم السابع، 15 أغسطس 2018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.usKQJht
8. "كيف يهدد انهيار العملة في تركيا أوروبا؟"، CNN عربي، 10 أغسطس 2018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.us85hUZ
9. "تدهور الليرة التركية يؤثر سلبًا على الاقتصادات الأوروبية أيضًا.. ثروات غربية طائلة في أنقرة"، عربي بوست، 118 2018. متاح على الرابط التالي: http:cutt.uso6j7N





