أمن المطارات.. هاجس يؤرق المنظومة الأمنية الأوروبية
الخميس 23/أغسطس/2018 - 02:01 م
صورة أرشيفية
هانى دانيال
تتزايد المخاوف في المطارات الأوروبية، يومًا تلو الآخر نتيجة التهديدات الإرهابية المتزايدة، وذلك بعد انتشار عناصر «داعش» في المدن الأوروبية بعد خروجهم من سوريا والعراق، في ظل اشتداد الضربات الروسية، وغارات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة واشنطن، وأسفر ذلك عن فرار آلاف من المقاتلين إلى العواصم الغربية، وتشكيل خطر دائم قد لا تنجح معه اشتراطات الأمان العادية، وما لم تغير الدول الأوروبية من برامجها في أمن المطارات تحديدًا، ستشهد مزيدًا من المخاطر مستقبلًا.
وعلى الرغم من اعتراف واشنطن بأن غارات التحالف الدولية لمحاربة «داعش» نجحت بشكل كبير في تحقيق أهدافها، إلا أن مهمة التحالف لم تنته بعد، ولا يزال الطريق طويلًا لتحقيق بقية الأهداف، وإنهاء تنظيم داعش تمامًا، خاصة في ضوء اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية بأن التنظيم الإرهابي يعيد ترتيب أوراقه بعد الخسائر التي تعرض لها، وهو ما ظهر في تصريحات شون روبرتسون، المتحدث باسم البنتاجون، الذي أوضح أن «داعش» في وضع جيد لإعادة بناء نفسه، وتسهيل عودة عناصره من جديد.
كما سبق وأشارت الأمم المتحدة إلى أن «داعش» يخطط لتجنيد 30 ألف مقاتل لشن حروب جديدة في مختلف دول العالم، ولإعادة تأسيس التنظيم من جديد، خاصة أن تهديد «داعش» يتنامى، مثله مثل تهديد تنظيم القاعدة، الذي أعيد بناؤه، بعد أعوام من قتل مؤسسه أسامة بن لادن في عام 2011، ويجند «داعش» ما بين 20 ألفًا و30 ألف مقاتل في العراق وسوريا، ويشمل هؤلاء آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب النشطين.
أمن المطارات
جرت العادة في المطارات الأوروبية ورغم التهديدات الإرهابية أنه لا توجد أجهزة للكشف عن المفرقعات من الخارج، والاعتماد فقط على هذه الأجهزة قبل دخول السوق الحرة أو ممرات الطائرات، وهو ما يشكل نقطة ضعف كبيرة كانت سببًا في هجمات مطار بروكسل في مارس 2016، وهذه الثغرة منتشرة في أغلب المطارات الأوروبية، على عكس المطارات المصرية أو العربية التي غالبًا ما توجد بها هذه الأجهزة فور دخول المسافر للمطار.
وهناك دعوات لتعديل الإجراءات الأمنية في هذه المطارات منعًا لتسلل عناصر «داعش» إلى المطارات الأوروبية وتنفيذ هجمات إرهابية واستغلال هذه الثغرات، إلا أنه في الوقت نفسه تخشى الدول الأوروبية من فقدان مناخ الأمان الذي يتمتع به المواطن الأوروبي، الذي يعيش حياته الطبيعية بالرغم من المخاوف الأمنية التي طغت في السنوات الأخيرة، حيث يشكل انتشار العناصر الأمنية وسيارات الشرطة رسالة بعدم استقرار الأوضاع الأمنية ووجود تهديدات، وهى الأمور التى لم تعتد عليها المجتمعات الأوروبية.
وأكد تقرير للوكالة الأوروبية لسلامة الطيران أن حالة أمن الرحلات المدنية في ألمانيا هو الأسوأ في أوروبا، والإشارة إلى وجود 18 مشكلة عالقة في مجال أمن الطيران، والتي يوجد على أراضيها عدد من أكبر المطارات، بما فيها مطار فرانكفورت، إلى جانب عدد المشكلات العالقة بهذا الشأن في ألمانيا أكثر من عددها في كل من سلوفاكيا وألبانيا والبوسنة والهرسك، والكشف عن تلقي عددٍ من الدول، بما فيها ألمانيا وإيطاليا واليونان، تحذيرات من الوكالة الأوروبية بسبب عدم التزام هذه الدول بالإجراءات الخاصة بسلامة الرحلات. وأشار التقرير إلى أن ألمانيا لم تعالج الوضع منذ ذلك الوقت.
مخاوف بعد بروكسل
نتيجة المخاوف التي اندلعت بعد هجمات بروكسل 2016، تم غلق مطار ميونخ الأسبوع الماضي بسبب دخول امرأة منطقة أمنية دون المرور على ضوابط أمنية وجوازات السفر، وهو ما شكل هاجسًا كبيرًا ومخاوف من تنفيذ عملية إرهابية، أدى إلى تجديد الدعوة للمطالبة باتخاذ إجراءات احترازية جديدة تعرقل محاولات العناصر الإرهابية من تنفيذ هجماتهم داخل هذه المطارات، خاصة أن أغلب المطارات الأوروبية تشهد حالة من الرواج بين المسافرين دون المرور على ضباط الجوازات نتيجة منح تسهيلات للمواطنين الأوروبيين، ونتيجة انضمام عدد من العناصر الأجنبية إلى تنظيم «داعش»، فربما يسهل تسلل عدد من هؤلاء في صالات المسافرين والقيام بعمليات ارهابية، واستغلال حقائب السفر الخاصة بهم في حمل متفجرات قبل تسليمها لشركات الطيران أو قبل الصعود للطائرات نفسها.
من جانبها اتخذت بروكسل خطوات جديدة لمواجهة الأخطار التي تعرضت لها من قبل، وأدت إلى هجمات إرهابية عنيفة في المطار الأكبر لديها، حيث عملت على تعزيز عملية تبادل المعلومات الشخصية للركاب، بين شركات الطيران ووزارة الداخلية البلجيكية، وما ترتب على ذلك من اكتشاف 834 شخصًا توجد أسماؤهم في كشوف المطلوبين في وزارة الداخلية.
واضطرت شرطة مطار بروكسل للتحرك واعتقال أكثر من 80 شخصًا منهم لتفادي ارتكاب جرائم أو لاعتقال أشخاص مطلوبين في جرائم مختلفة.
وبموجب هذه الخطوة تصل المعلومات الشخصية إلى قاعدة البيانات «بيل بيو» قبل 48 ساعة من إقلاع الرحلات بحيث يتوفر الوقت للموظفين لتحليل المعلومات الواردة إليهم بالمقارنة مع قوائم البحث والترقب، وبعدها يتم تبادل المعلومات بين جميع الخدمات المعنية قبل قيام الرحلة ويتقرر الإجراء المطلوب لاعتراض الشخص المطلوب سواء لتوقيفه أو استجوابه ومن أجل التأكد من سير الأمور بشكل طبيعي ستقوم شركات السفر بإرسال المعلومات مرة أخرى قبل السفر مباشرة.
وهذه الخطوة جاءت بعد عام كامل من بدء تطبيق إجراءات أوروبية لمراقبة الحدود الخارجية في منطقة «شنجن» في إطار مخاوف من عودة المقاتلين من مناطق الصراعات، خشية تنفيذ ضربات جديدة وبأسلحة متطورة يعمل عليها أفراد تنظيم «داعش»، وهو ما ترصده أجهزة الاستخبارات الأجنبية بكل جدية من أجل اتخاذ الخطوات المناسبة لمواجهة هذه الأخطار.
ماذا بعد؟
من المتوقع أن تعدل الدول الأوروبية عن إجراءات الأمان المتبعة في المطارات الخاصة بها لمواجهة تهديدات «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، وعدم الاكتفاء بوجود أفراد الشرطة غير المعروفين، أو كاميرات المراقبة، خاصة مع تطور الجماعات الإرهابية في رصد المواقع التي تنوى استهدافها، مع زيادة التعاون والتنسيق بين وزارات الداخلية بدول الاتحاد الأوروبي وخارجه، ومحاولة حصار تحركات العناصر المتطرفة داخل القارة الأوروبية.
كما سينعكس ذلك على الموقف الأوروبي من اللاجئين أو طالبي اللجوء، وخاصة في ألمانيا واليونان وإيطاليا، وستتم زيادة التنسيق والتعاون الأمني بين هذه الدول من أجل معرفة تحركات العناصر النشيطة داخل دول «شنجن»، وفى الوقت نفسه تأهيل المجتمعات الأوروبية لأنواع جديدة من الحذر والتعامل مع هذه المواقف غير المعتادة، وكسر حاجز الخوف والقلق من تراجع ثقة المواطنين في الأمن الأوروبي، بل ستكون مكافحة الارهاب وانتشار المتطرفين دافعًا للجماعات والأحزاب اليمينية التي قد تستغل هذه المواقف لتحقيق مكاسب سياسية لها، وهو ما بدا في الظاهر بكل من ألمانيا، المجر، النمسا، وكذلك فرنسا، وهو الأمر المرشح للظهور في دول عديدة خلال المرحلة المقبلة.
ومن المنتظر أيضًا تقليل توافد المواطنين القادمين من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وخاصة من لم يسبق لهم السفر إلى دول «شنجن»، في إطار مخاوف تجنيد الجماعات الإرهابية للشباب والفتيات، وتدريبهم للقيام بعمليات إرهابية، وهو ما بدأ في الظهور من خلال تراجع نسبة الحاصلين على فيزا لدول الاتحاد الأوروبي.
كما تم تصنيف دول المغرب العربي باعتبارها دولًا آمنة، ورفض قبول طلبات اللجوء من المواطنين الذين يحملون جنسية تونسية، أو مغربية أو جزائرية، وهو ما سينعكس سلبًا خلال السنوات المقبلة، من خلال معاناة هذه الدول نتيجة تشديد توافد المواطنين من شمال أفريقيا إلى أوروبا، والاكتفاء بالموجودين حاليًا داخل الاتحاد الأوروبي من جنسيات مختلفة.
كما سيكون للأزمة التركية وانهيار الليرة دافع لخروج مزيد من العناصر المتطرفة إلى أوروبا عبر اليونان، ومحاولة فتح منافذ جديدة للعيش أولا، والتمهيد لعمليات إرهابية ثانية، وهو ما تخشاه ألمانيا تحديدًا، وتسعى بكل ما تملك من أدوات سياسية ودبلوماسية للتخفيف من حدة تراجع الاقتصاد التركي لما سيكون له من نتائج سلبية على الاتفاق الأوروبي ــ التركي بخصوص اللاجئين والمهاجرين أولًا.
وكذلك خشية تسلل عدد من العناصر الإرهابية إلى أوروبا، وهى العناصر التى كانت تحارب في سوريا وانتقلت إلى تركيا سواء عبر تفاهمات روسية إيرانية، أو العناصر التي كانت تحارب ضمن جبهة النصرة والمعارضة السورية المسلحة، وبعد تراجع التمويل التي كانت تحصل عليه عادت إلى تركيا، وتعانى من غياب الدعم المالي الذي يضمن لها العيش، ومن ثم استغلال الأزمة الاقتصادية حاليًا والفرار إلى أوروبا عبر اليونان.
المراجع
1. أمن المطارات الأوروبية مهدد.. فما الحل؟
2. قواعد جديدة لسد الثغرات الأمنية في المطارات الأوروبية
3. بروكسل: توسيع لائحة الدول المستفيدة من سجل بيانات الركاب للكشف عن جرائم الإرهاب
4. هل تحسم ألمانيا ترددها وتساهم في إنقاذ تركيا من أزمتها؟
5. القبض على مهاجرين في مطارات يونانية يحملون جوازات سفر مزورة





