ad a b
ad ad ad

إقليم «جوبالاند» الصومالي.. بين الجماعات الإرهابية وأطماع القوى الإقليمية

الإثنين 20/أغسطس/2018 - 10:03 م
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
محمد الدابولي
طباعة
تعد كينيا من الدول الرئيسية في الحرب على الإرهاب، في منطقة القرن الأفريقي، فخلال السنوات العشر الماضية تدخلت نيروبي عسكريًّا وسياسيًّا في الصومال من أجل محاربة حركة شباب المجاهدين، ولإقرار الأمن، خاصة في الولاية الصومالية الجنوبية «جوبالاند».

رغم ذلك، حملت المشاركة الكينية المزيد من الشكوك حول جدواها ودوافعها الحقيقية؛ فخلال ما يربو على عقد من الزمان، لم تنجح نيروبي في وقف هجمات حركة «الشباب» باتجاه الأراضي الكينية.


صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
وانغمست كينيا بشكل لافت للنظر في الصراعات الداخلية بين القبائل الصومالية، وهو ما يتضح في تضارب المعلومات والأنباء التالية؛ حيث صرح نائب رئيس البرلمان الكيني السابق، فارح عمر، عبر حسابه على «تويتر»، يوم 18 أغسطس 2018، بأن نيروبي تقدم شهريًا حوالي 1.5 مليون دولار لولاية جوبالاند الحدودية مع كينيا لمحاربة الإرهاب، موضحا أن جل المعونة يذهب كرواتب لجنود الولاية، البالغ عددهم حوالي سبعة آلاف مقاتل، في حين يبلغ تعداد مقاتلي حركة الشباب نحو 1500 مقاتل في الولاية، وهو ما يدل على فشل ولاية «جوبالاند» التي يرأسها «أحمد مدوبي» المقرب سياسيًّا من نيروبي.(1)

شكلت تصريحات المسؤول الكيني السابق إحراجًا مربكًا لحكام ولاية «جوبالاند»، فمن ناحية حملت التصريحات اتهامًا للولاية بالتقصير في مواجهة حركة «الشباب»، ومن ناحية أخري كشفت عن تلقي حكومة الولاية تمويلًا خارجيًا، وهو ما يعد مخالفًا لكل الأعراف القانونية، الأمر الذي دفع نائب رئيس الولاية، محمود سيد آدم، ووزير المالية في حكومة «جوبالاند»، عبدالرشيد جيري قلنلي، إلى نفي تصريحات المسؤول الكيني السابق، واتهامه بالتدخل في الشؤون الصومالية.(2)

وبعيدًا عن تضارب الأنباء، ألقت التصريحات السابقة الضوء على الأدوار الحقيقية التي تمارسها الدول الإقليمية في المنطقة، ودورها في الحرب على الإرهاب، فالتصريحات أشارت إلى وجود 1500 مقاتل من حركة «الشباب» في الولاية الصومالية، يواجههم أكثر من 20 ألف جندي مهمتهم محاربة مقاتلي الحركة، موزعين كالتالي: 7 آلاف جندي من الولاية و4 آلاف جندي من الجيش الصومالي و5 آلاف وخمسمائة جندي كيني، بالإضافة إلي3 آلاف جندي إثيوبي، وأخيرًا ألف جندي من الجيش البوروندي، وهو الأمر الذي يكشف عن دوافع أخري لتلك القوى غير محاربة الإرهاب في الولاية.(3)

كينيا والصومال
كينيا والصومال
وتعد كينيا أبرز الدول المتداخلة سياسيًّا وعسكريًّا في إقليم «جوبالاند»، لما يمثله من أهمية قصوى لأمنها القومي، لكونه معقلًا رئيسيًّا لمقاتلي حركة «الشباب»، الذين يتخذونه نقطة للانطلاق نحو تنفيذ العمليات الإرهابية في كينيا، كما يحمل الإقليم أهميات أخري جعلت مسألة محاربة الإرهاب أكثر تعقيدًا، ومرتبطة بدوافع وأهداف أخرى، وهو ما سيتضح في النقاط التالية:

◄ بطاقة جيوسياسية للإقليم:
تنقسم الصومال إداريًا إلى العديد من الولايات الفيدرالية، يتمتعون بدرجة متطرفة من الاستقلالية الفيدرالية، فبعض تلك الولايات يقيم علاقات مع الدول الخارجية ويتصرف كدولة ذات سيادة ينقصها الاعتراف القانوني، مثل «صوماليلاند، وبونت لاند» في الشمال، و«جوبالاند» في أقصى الجنوب. 

تقع ولاية «جوبالاند» على مساحة 110 آلاف كم تقريبًا، ويبلغ تعداد سكانها حوالي مليون ونصف المليون نسمة، ويوجد بها إحدى كبريات المدن الصومالية، مدينة كسمايو، التي تعد البوابة البحرية الجنوبية للصومال.

احتل ميناء كسمايو أهمية رمزية، ليس في الولاية فحسب، بل في الصومال عمومًا، لكونه الميناء التجاري المخصص لتجارة رؤوس الماشية مع العالم الخارجي (النشاط الاقتصادي الأول للصومال)، نظرًا لكون الولاية رعوية بامتياز.

وخلال السنوات الماضية، كان الميناء ورقة مهمة في يد الحكومة الفيدرالية للمساومة مع القوى الإقليمية من أجل منح امتيازات تطوير الميناء لبعض الدول التي ترغب في تعزيز وجودها بالقرن الأفريقي، كتركيا على سبيل المثال، التي تسابق الزمن للحصول على حقوق تطوير ميناء كسمايو لتعزيز وجودها في الجنوب الصومالي، بعد افتتاح قاعدتها العسكرية في جنوب مقديشو، في سبتمبر 2017.(4)

تفاقمت مؤخرًا أهمية ولاية «جوبالاند» بالنسبة لكينيا، فبعيدًا عن الحرب على الإرهاب، ساهمت اكتشافات النفط والغاز في المناطق الحدودية البحرية بين كينيا والصومال، خلال السنوات القليلة الماضية، في دفع نيروبي نحو الهيمنة السياسية على الإقليم لفرض تسوية حدودية تراها نيروبي تحافظ على مصالحها المستقبلية في مخزون النفط والغاز بالمنطقة، وهو ما دفع مقديشو إلى تقديم شكوى في محكمة العدل الدولية تتهم فيها نيروبي بالجور على الحدود الصومالية ومنح حق التنقيب للشركات داخل المناطق البحرية الصومالية. (5)

وبالإضافة للأهمية الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية للإقليم بالنسبة لكينيا، فإنه يشكل أيضًا رئة اقتصادية مهمة ومتنفسًا أمنيًّا لتنظيم «حركة شباب المجاهدين»، فوفرة الثروة الحيوانية في الإقليم تساهم بشكل قاطع في توفير بعض الموارد التمويلية للحركة، كما ساعد انتشار المراعي والأودية في الإقليم في توفير ملاذات أمنية وآمنة لمقاتلي الحركة.

◄ تدخلات كينية في جوبالاند:
منذ اندلاع الأزمة الصومالية، عام 1990، وتطوراتها المتلاحقة، في 2006، بظهور «اتحاد المحاكم الإسلامية»، ومن بعده حركة «الشباب»، اتخذت كينيا وضع المراقب الحذر لتطورات الأوضاع وما ستؤول إليه الأمور في جارتها الشمالية الشرقية، التي تشهد عقودًا من الفشل وانهيار الدولة.

ودفعت عمليات اختطاف العاملين الأجانب في معسكرات اللاجئين شمال كينيا على يد متطرفي الصومال إلى اطلاق الجيش الكيني حملة عسكرية، في أكتوبر 2011، ادعت الحكومة الكينية وقتها أن هدفها تحرير الرهائن الأجانب وإبعاد مقاتلي «الشباب» عن الحدود الصومالية، وأنها ستسحب قواتها فور انقضاء المهام المكلفة بها.

ورغم التدخل العسكري الكيني في «جوبالاند»، عام 2011، لكن وتيرة العمليات الإرهابية التي تشنها حركة «الشباب» ازدادت تجاه الأهداف الكينية، والتي تعد أبرزها حادثا مول «ويست جايت»، عام 2013، الذي راح ضحيته 70 شخصًا، وأيضًا استهداف «جامعة جارسيا»، في أبريل 2015، الذي راح ضحيته ما يقارب 147 طالبًا.

بالإضافة إلى التدخل العسكري الكيني بحجة محاربة الإرهاب، تدخلت كينيا، عام 2013، لدعم مطالب بعض عشائر الولاية في تكوين إدارة مستقلة للإقليم بعيدًا عن الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وهو ما حدث، حيث عُين السياسي الصومالي، أحمد مندوبي، رئيسًا للولاية، وهو يعد من أبرز المقربين من نيروبي، وذلك على عكس إرادة الحكومة الفيدرالية، التي كانت ترغب في تعيين، بري هيرالي، رئيسًا للولاية، الأمر الذي دفع مقديشو إلى رفع شكوى في الأمم المتحدة للمطالبة بوقف التدخلات الكينية في الشأن الصومالي. 

◄ دوافع التدخل الكيني:
يمكن إجمال دوافع التدخل الكيني في الصومال إلى رغبتها في إيجاد منطقة عازلة جنوب الصومال، خالية من الجماعات الإرهابية، ودفع مقاتلي حركة «الشباب» شمالًا باتجاه وسط وشمال الصومال، بعيدًا عن الحدود الكينية.

وترغب كينيا، في إطار مشاركتها في الحرب على الإرهاب، في الحصول على الدعم المالي والعسكري من المجتمع الدولي، وذلك لتعزيز قدراتها العسكرية الأمنية، حيث أشار الخبير في الشؤون الأفريقية، John Campbell، الكاتب في «مجلس العلاقات الخارجية» (The Council on Foreign Relations (CFR، إلى أن كينيا حصلت-في أبريل 2016- على صفقة طائرات بدون طيار بقيمة 10 ملايين دولار.

وفي بداية 2017، قبيل مغادرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبيت الأبيض، وافق على بيع طائرات مسلحة لكينيا بقيمة 418 مليون دولار(6)، إلا أنه مؤخرًا تتواتر الأنباء عن نية الأمم المتحدة لتخفيض ميزانية القوات الكينية، التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، خلال العامين المقبلين، وفي المقابل لوحت كينيا بسحب قواتها من الصومال، في يوليو 2019.(7)

هدفت نيروبي من تدخلها العسكري، في 2011، والسياسي، في 2013، إلى الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية المتمثلة في الهيمنة على مناطق آبار النفط والغاز في المناطق البحرية الحدودية، وأيضًا حماية مصالحها في مومباسا؛ فالميناء بالتأكيد استفاد من تردي حالة الموانئ الصومالية، خاصة مقديشو وبربرة، وأخيرا كسمايو، نتيجة انهيار الدولة، إلا أنه مؤخرًا لوحظ رغبة بعض القوى الإقليمية، كتركيا والإمارات، في تطوير الموانئ الصومالية، وهو ما قد يعد خصمًا من الحجم الاقتصادي لميناء مومباسا، الذي اعتمد عليه بشكل رئيسي في القرن الأفريقي، خلال فترة ما يعرف بأحداث القرصنة في خليج عدن، لذا تحرص كينيا على الوجود في «جوبالاند» للحيلولة دون تطوير ميناء كسمايو الذي قد يضر بميناء مومباسا.
إقليم «جوبالاند»
إقليم «جوبالاند»
◄ تداعيات التدخل الكيني على الإرهاب:
التدخل الكيني المشتت الأهداف، ما بين محاربة الإرهاب وانتزاع بعض المكاسب الاقتصادية، ساهم بشكل وبآخر في تعزيز الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، وليس القضاء عليه كما كان يستهدف، حين تدخلت كينيا عسكريًّا، في أكتوبر 2011، ومن أبرز تلك التداعيات:

• تأليب العشائر الصومالية واتجاه البعض منها إلى التحالف مع الجهة المقابلة -حركة الشباب- أملًا في الحصول على بعض المكاسب، وهو الأمر الذي يسمح بتوفير غطاء شعبي لتحركات وعمليات حركة «الشباب»، مستلهمة بذلك تجربة حركة «طالبان» في أفغانستان، التي تلعب على وتر القبائل التي تعاني من بعض التمييز في توزيع الثروات، لذا استطاعت الحركة أن تؤمن وجودها وتهيمن على بعض مديريات الولاية، مثل بطاطي وجمامة، وكذلك في محافظة جوبا الوسطى وأيضًا في وادي وارياف بإقليم جذو.(8)

• ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية، فخلال السنوات اللاحقة على تدخل نيروبي عسكريًّا، شهدت كينيا أبرز العمليات الدموية، مثل حادث المول التجاري، في 2013، وحادث جامعة جارسيا، عام 2015، كما نجح تنظيم «داعش» في إيجاد موطئ قدم له داخل الصومال، مما يزيد الأعباء الأمنية على دول المنطقة.

• ضعضعة القوى المحلية الصومالية في مواجهة الإرهاب؛ حيث أسهمت التدخلات الكينية في ازدياد الفرقة بين القبائل الصومالية، واشتعال الصراعات بينهم، مما يقوض قدرات الصومال على محاربة الإرهاب، فالدعم الكيني لرئيس ولاية جوبالاند، أحمد مدوبي، أسفر عن تشكيل ائتلاف معارض في الولاية، بزعامة وزير الإعلام الأسبق، عبد الله عيل موغي حرسي، يهدف إلى إزاحة «مدوبي» عن الحكم.

وأخيرًا، يمكننا أن نخلص إلي أن التدخلات الكينية في إقليم «جوبالاند» أسهمت بشكل كبير في توطين حركة «شباب المجاهدين» في الإقليم، نظرًا للسياق السياسي والقبلي الذي يمر به الإقليم، الذي أفسح المجال واسعًا لمقاتلي التنظيم، رغم قلة عددهم، في الهيمنة على بعض المديريات، مستغلين انشغال القوى المحلية والإقليمية بالتصارع على موارد الولاية.

وتذهب أيضًا بعض التحليلات المتطرفة إلى أن السلطات الكينية هي من أقدمت على ترسيخ أقدام حركة «الشباب» في الإقليم، لكي تكون ذريعة لها للتدخل في الإقليم لانتزاع بعض المكتسبات الاقتصادية، كما تسعى نيروبي إلى تدعيم التوجهات الانفصالية في «جوبالاند» أملًا في إسقاط الحقوق التاريخية الصومالية في إقليم انفدي -الصومال الكيني- حيث تلجأ حركة «الشباب» إلي رفع بعض الشعارات القومية الصومالية، وتكوين دولة الصومال الكبرى التاريخية، من أجل جذب المزيد من الأنصار والمؤيدين. 

الهوامش:
1. سياسي كيني: الحكومة الكينية تقدم 1.5 مليون دولار شهريًّا إلى ولاية جوبالاند الصومالية، الصومال الجديد، 1882018، متاح على الرابط التالي:
https:alsomal.net%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%83%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85-1-5-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88
2. ولاية جوبالاند الصومالية تنفي حصولها على 1.5 مليون دولار شهريا من كينيا، الصومال الجديد، 2082018، متاح على الرابط: 
http:alsomal.net%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7
3. نفسه.
4. أين افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها.. ولماذا؟، العربية نت،1102017، متاح على الرابط: https:www.alarabiya.netararab-and-world20171001%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%D8%9F.html
5. Zainab Calcuttawala، Tensions Spike As Kenya And Somalia Battle For Oil Rich Offshore Blocks، oilprice، 2192016، at: https:oilprice.comEnergyEnergy-GeneralTensions-Spike-As-Kenya-And-Somalia-Battle-For-Oil-Rich-Offshore-Blocks.html
6. John Campbell، U.S. Arms Sales to Kenya، The Council on Foreign Relations (CFR)، March 7، 2017: At: https:www.cfr.orgblogus-arms-sales-kenya
7. Kenya Signals Somalia Troops Withdrawal With Budget Cut، Shabelle Media Network (SMN)،2082018، At: http:radioshabelle.comkenya-signals-somalia-troops-withdrawal-with-budget-cut
8. عبد الرحمن عبدي، جوبالاند… الأهمية الاستراتيجية وآفاق المستقبل (2-3)، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 792015، متاح على الرابط: 
http:mogadishucenter.com201509%D8%AC%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A2%D9%81%D8%A7%D9%82-2
"