المؤسسات المالية الموازية في إيران.. الأزمة والمستقبل
تفاقمت خلال السنوات الأخيرة في إيران أزمة جديدة لم تكن مسبوقة، وذلك
فيما يُمكن أن نطلق عليه «أزمة المؤسسات المالية الموازية»، فهذه المؤسسات تعمل في
الجوانب المالية إلى جانب المؤسسات الأخرى المتعارف عليها دوليًّا، وفي داخل إيران ذاتها؛
حيث من المعروف أن هناك مؤسسات مالية تقليدية مثل البنوك، إلا أن هناك مؤسسات مالية
أخرى ظهرت في إيران بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979.
تعمل هذه المؤسسات المالية إلى جانب البنوك، وتحاول تقديم عائدات مادية
أكبر للمواطنين، عبر استثمار هذه الأموال في قطاعات معينة مثل البناء والعقارات.
◄ ظهور المؤسسات المالية الموازية في إيران:
ظهرت هذه المؤسسات المالية في إيران تدريجيًّا، عقب نجاح الثورة وتحديدًا خلال سنوات الحرب «الإيرانية - العراقية»؛ بسبب بدء تطبيق عقوبات دولية على الاقتصاد الإيراني في تلك الفترة؛ نظرًا للخلافات الدولية والتوترات التي نشأت ما بين النظام الإيراني الجديد والمجتمع الدولي، إلا أن هذه المؤسسات في البداية لم تستطع مجاراة العمل البنكي التقليدي؛ حيث لم تستطع جذب اهتمام أو ثقة المواطنين الإيرانيين سريعًا، مما تسبب في تراجع دورها نسبيًّا خلال هذه السنوات الأولى.
وخلال العِقد الماضي، عادت هذه المؤسسات للظهور من جديد، ومن الملاحظ أنها تظهر بشكل أكثر فعالية كلما فُرِضَت عقوبات دولية أكثر وأشد على النظام الإيراني، حيث ظهرت هذه المؤسسات تحديدًا خلال عهد الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، المعروف بخطابه العدائي ضد الغرب.
وبدأت هذه المؤسسات في العمل مرة أخرى، مركزة على استثمار أموالها في القطاع العقاري، وهو ما كان له أثر سلبي على القطاعات الأخرى داخل إيران، مثل الصناعات الغذائية أو المواد الثقيلة أو غيرهما. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه المؤسسات المالية لا تتمتع بالوجه القانوني داخل إيران، فهي تبتعد عن التنظيم القانوني العادي والتقليدي للبنوك والمؤسسات المصرفية، ما جعلها تواجه مشكلات قانونية وسياسية (1) .
وعندما تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل أكبر، خلال الفترة الأخيرة، وبعد الركود الاقتصادي تحديدًا الذي شهده القطاع العقاري في إيران، الذي ركزت عليه هذه المؤسسات الاستثمارية والمالية مشروعاتها، بدأت هذه المؤسسات تتضاءل قدرتها شيئًا فشيئًا على تقديم عائدات لأصحاب الأموال الذين أودعوها مسبقًا، نتيجة التدهور الذي شهده القطاع.
وبناء على ذلك، شهدت، ولا تزال، كثير من المدن الإيرانية عددًا من التظاهرات المختلفة احتجاجًا على عدم تلقي أصحاب الأموال لأموالهم من هذه المؤسسات المالية.
◄ ما أشهر المؤسسات المالية الإيرانية:
تنشط في إيران في مجال المؤسسات المالية
الموازية العديد من الشركات الكبرى التي عملت -خلال السنوات الماضية- على جذب ودائع
وأموال الإيرانيين.
وتقول بعض التقارير (2): إن عدد هذه المؤسسات المالية في إيران، الموازية للنظام المصرفي، يبلغ حوالي 7 آلاف مؤسسة تعمل داخل الأراضي الإيرانية. وتشير هذه التقارير إلى أن نحو 20% من السيولة النقدية في إيران تسيطر عليها مؤسسات مالية من هذا النوع، يبلغ عددها 6 مؤسسات فقط، مع العلم بأنها لم تحصل في الأساس على ترخيص من البنك المركزي الإيراني، ومن ناحية أخرى، تقول تقارير إن عدد هذه المؤسسات يبلغ المئات ومدعومة من الحرس الثوري الإيراني وخامنئي (المرشد الإيراني) نفسه(3).
وبحسب التقارير، ترتبط هذه المؤسسات مباشرة
بالحرس الثوري الإيراني، أو بشكل غير مباشر، ومن أشهر وأهم هذه المؤسسات:
أ- مؤسسة
كاسبين:
تُعد مؤسسة «كاسبين» الإيرانية من أشهر
المؤسسات المالية الموازية في إيران، والتي يميزها أنها حصلت على ترخيص من البنك المركزي
الإيراني؛ وكانت «كاسبين» تُعرف قبل ذلك باسم آخر هو «آرمان إيرانيان»، إلا أن حصولها
على ترخيص البنك المركزي الإيراني، عام 2015، قد غيّر معه اسمها.
تملك «كاسبين»، المستثناة من الضرائب،
حوالي 120 فرعًا في كل أنحاء إيران، تعمل على محاولة استثمار الودائع الشعبية لديها،
وقد أقرت هذه المؤسسة، مثل غيرها من المؤسسات المالية الموازية، بإعطاء فوائد تتراوح
ما بين 20: 35% على ودائع بالتومان الإيراني (4)-العملة المتداولة داخل إيران- للمودعين.
وخلال الفترة الأخيرة، وبعد تدهور الاقتصاد
الإيراني بشكل كبير، خاصة في القطاع العقاري، أعلنت «كاسبين» عن إفلاسها، لتكون المؤسسة
الأولى من نوعها في إيران التي تعلن عن الإفلاس، مما أثار ضدها احتجاجات لا نهاية لها
من المودعين الذين فقدوا أموالهم. حيث انطلقت مجموعة كبيرة من التظاهرات -المستمرة
في إيران حتى يومنا هذا- ضد هذه المؤسسة.
ورغم أن هذه التظاهرات كانت في البداية
ضد مؤسسة «كاسبين»، فإنها تطورت لاحقًا إلى تظاهرات سياسية بالدرجة الأولى، حيث
تحمل شعارات سياسية ليست فقط ضد النظام الإيراني، بل حتى ضد المرشد الإيراني، علي خامنئي.
ب- مؤسسة «ثامن الحجج» :
تأسست «ثامن الحجج»، المملوكة للحرس الثوري،
في بداية العقد الماضي، وبدأت أنشطتها تقريبًا عام 2007 أو قبله بقليل. وتختلف هذه المؤسسة المالية عن «كاسبين» بأنها لم تنل ترخيصًا من البنك المركزي الإيراني،
مما سبب لها العديد من المشكلات المستقبلية مع البنك.
وفي ظل إعلان عدد من المؤسسات المالية
الإيرانية إفلاسها، ظهرت مؤسسة «ثامن الحجج»، التي حاولت أن تملأ هذا الفراغ، وأعلنت
أنها ستوفر عوائد قد تصل إلى 40%، وهو أمر غير عادي لم تعلنه مؤسسات مالية أخرى موازية
في إيران، أو حتى المؤسسات الرسمية.
وواجهت «ثامن الحجج»، خلال الأعوام الماضية، اضطرابات نتيجة عدم حصولها على ترخيص البنك المركزي وعوامل أخرى اقتصادية داخل إيران. ففي عام 2015، وبسبب عدم قدرة هذه المؤسسة على تقديم الودائع إلى مودعي الأموال، بدأت تواجه مشكلات مع الجمهور، ثم أعلنت هي الأخرى عن إفلاسها في النهاية، وثار أصحاب الأموال ضدها، وبدأوا في إطلاق تظاهرات في مناطق مختلفة في البلاد، مثلما حدث مع «كاسبين» (5).
وحول الفساد داخل هذه المؤسسة، قالت مصادر
قضائية إيرانية، الشهر الماضي: إن أحد كبار المسؤولين في «ثامن الحجج» قد فرّ إلى خارج
البلاد مختلسًا أموالًا كبيرة من ذخائر المودعين، وذلك بعد أن أعلنت السلطات القضائية
في إيران عزمها ملاحقته قضائيًّا بتهم الاختلاس والسرقة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك أعدادًا كبيرة
جدًا من هذه المؤسسات المالية الموازية في إيران، مثل «ثامن الأئمة»، التي أعلنت هي
الأخرى إفلاسها منذ نحو عامين، و«عسكرية» و«سينا»، وغيرها.
◄ مستقبل المؤسسات المالية الإيرانية الموازية في ظل الأزمة الحالية:
بعد أن واجهت، ولا تزال، إيران مشكلات
اقتصادية مختلفة في ظل العقوبات الدولية، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية
من الاتفاق النووي، في مايو 2018، بدأت هذه المؤسسات المالية إعلان إفلاسها-كما
ذكرنا سابقًا-، حيث إن هذه المؤسسات لن تستطيع، في ظل ما تواجهه إيران من أزمات اقتصادية،
أن تستمر في أنشطتها.
كما أن هذه المؤسسات لم تلتزم بضوابط البنك
المركزي الإيراني، التي تقضي بأن تحصل أي مؤسسة مالية جديدة ترغب في العمل على ترخيص
من هذا البنك، وأن تكون أموال المؤسسة من المساهمين لا من المودعين، كما يلزم البنك
بأن يكون هذا المال خاليًا من أي شبهة. وفي ظل عدم الالتزام بتلك الضوابط، أعلنت بعض
هذه المؤسسات عن إفلاسها وعدم قدرتها على دفع أموال المودعين.
كما أنه من المتوقع أن يتدخل البنك المركزي
الإيراني والحكومة الإيرانية، في محاولة لضبط عمل هذه المؤسسات، إلا أن تبعيتها للحرس
الثوري ربما تعرقل مثل هذا المسار.
المصادر
والمراجع:
1-"بحران مؤسسه های مالی واعتباری؛ کلافی سردرگم در اقتصاد ایران"، خبرگزاری
جمهوری اسلامی ایرنا، 12 يناير 2018.
http:www.irna.irfaNews82761703
2-محمد صالح صدقيان، "تفشي إفلاس مؤسسات مالية إيرانية"، الحياة،
30 مايو 2017.
http:www.alhayat.comarticle867356%D8%AA%D9%81%D8%B4%D9%8A-%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
3-إيران.. تقرير عن المؤسسات المالية حول أعمال النهب بمساندة الحرس الإيراني"، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، 6 مارس2017 "
https:arabic.mojahedin.orginewsar79964
4 - محمد صالح صدقيان، مرجع سابق.
5-" مدیرعامل مؤسسه مالی «ثامن الحجج» بازداشت شد"، راديو فردا، 16 يوليو
2018.
https:www.radiofarda.comaArrest-of-one-of-the-biggest-credit-institution29368382.html





