ad a b
ad ad ad

فنزويلا على مفترق الطرق.. ما وراء محاولة اغتيال «مادورو»

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 02:00 م
المرجع
محمود جمال عبد العال
طباعة

شهدت العاصمة الفنزويلية «كراكاس»، في 5 أغسطس الجاري محاولةً فاشلةً لاغتيال الرئيس «نيكولاس مادورو»، باستخدام طائرة بدون طيار «الدرون»، واتهم «مادورو» أطرافًا داخلية وخارجية بالوقوف وراء محاولة اغتياله لإثنائه عن استكمال طريق الثورة الذي بدأه مع زعيم فنزويلا الراحل «هوجو تشافيز».

 

وتجدر الإشارة إلى أن «مادورو»، فاز في مايو 2018 بفترة رئاسية ثانية مدتها 6 سنوات، واتهمه منافسوه الرئيسيون بتزوير الانتخابات، وارتكاب العديد من المخالفات التي أثرت على النتائج النهائية لعملية الاقتراع، وعلى الرغم من التدهور الكبير في الوضع الاقتصادي في عهده، إلا أنه مازال على رأس هرم السلطة، وهو يعتمد في ذلك بشكلٍ أساسي على دعم الجيش والأمن.

 

ويتطرق هذا التقرير إلى عددٍ من العناصر التي قد تتجاوز محاولة الاغتيال إلى تساؤلات تتعلق بالبحث في جذوره، وأسبابه، ومواقف الفاعلين المحليين (المعارضة الفنزويلية)، والخارجيين مثل الولايات المتحدة من السياسة التي يتبعها «مادورو».

فنزويلا على مفترق
«مادورو» والوصول للسلطة
بدأ «مادورو» عمله السياسي من قلب النقابات الفنزويلية؛ حيث كان يعمل سائقًا بالنقل العام قبل التحاقه بالعمل السياسي، وبدأ يبرز نجمه السياسي بعد نشاطه الاحتجاجي الذي كان عاملًا في الإفراج عن أستاذه «تشافيز» الذي واجه اتهامات؛ لمشاركته في انقلاب عسكري ضد حكومة الرئيس «كارلوس أندريه بيريز»، وأُفرِج عنه عام 1992، ووكله «تشافيز» بتسيير أمور الرئاسة طوال فترة غيابه عن البلاد؛ حيث كان يعاني من أمراض جعلته يمكث في الخارج لفترات طويلة.
 
وعلى الرغم من تأثر «مادورو» بأستاذه «تشافيز»، فإنه يبدو مختلفًا عنه، خاصةً في المهارات الكاريزمية، وفشلت المعارضة الفنزويلية في الإطاحة به ،رغم التدهور الكبير الذي شهده الاقتصاد الفنزويلي في الفترة الأخيرة؛ بسبب تهاوي أسعار النفط، الذي يوفر للبلاد أكثر من 90% من عائدات العملة الأجنبية(1).

فنزويلا على مفترق
الأوضاع الاقتصادية في عهد «مادورو»
رغم التدهور الاقتصادي وحالات التضخم المرتفعة والهجرة الجماعية خارج العاصمة الفنزويلية «كاراكاس»، يُصر نظام «مادورو» على اتباع نفس السياسات الاقتصادية التي اتبعها سلفه «تشافيز»، ويتهم «مادورو» من يُطلق عليهم «الإمبرياليين» في الداخل بالتعاون مع أطراف خارجية بالقيام بحملات تخريبية للاقتصاد الفنزويلي، وعلى الجانب الآخر، تتهمه المعارضة بسوء الإدارة، وتسبب سياساته السلطوية فيما آلت إليه البلاد سياسيًّا واقتصاديًّا.
 
ونجح «مادورو» في الحفاظ على الإرث التشافيزي، وهو ما يُعد أحد أهم مصادر القوة التي يرتكز عليها في الداخل الفنزويلي؛ حيث استفادت هذه الفئة من السياسات الاجتماعية التي انتهجتها الثورة البوليفارية، مثل سياسات الحد من الفقر والتمييز التي بدأت في عهد سلفه.
 
وقالت الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة: إن الأسعار في البلاد قفزت بنسبة 450% في الأشهر الثلاث الأولى من هذا العام، إضافة إلى تجاوز معدلات التضخم حاجز 67% شهريًّا، وتجاوزت حاجز الثمانين في المائة خلال يوليو- تموز الماضي(2)، ويتماشى مع هذه النسبة تحليلات خبراء الاقتصاد؛ حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى حالة التضخم الكبيرة في معدلات صرف العملة؛ إذ هبطت قيمة العملة بأكثر من 99% مقابل الدولار الأمريكي، منذ أن تولى «مادورو» السلطة في 2013. ولم يقم البنك المركزي الفنزويلي بنشر بيانات التضخم منذ أكثر من عامين، ويُحمل المعارضون «مادورو» مسؤولية الركود الاقتصادي، وزيادة التضخم التي وصلت لها البلاد خلال الفترة الأخيرة، فيما يُصِر الرئيس الفنزويلي «مادورو» على تحميل الخارج والمعارضين مسؤولية «الحروب الاقتصادية» ضد بلاده (3).

فنزويلا على مفترق
تنامي الصراع: العلاقة بين نظام «مادورو»، والمعارضة
سادت حالة من التنافس والتصارع بين «مادورو»، والمعارضة في الداخل الفنزويلي منذ ولوجه إلى هرم السلطة، ووجهت الحكومة اتهامها للمعارضة اليمينية بالضلوع في عملية الاغتيال، وهو ما قد يثير تخوفات تتعلق بشن نظام «مادورو» حملة قمع جديدة ضد معارضيه، وهناك العديد من المؤشرات والدلالات التي تبرز حالة الشقاق التي بدا عليها كل من «مادورو» والمعارضة منذ ولوج الأول إلى السلطة عام 2013، وسنشير إلى بعضها فيما يلي(4):
 
- اعتقد الرافضون له -سواءً داخل الحزب الحاكم أو تيار المعارضة في البلاد- أنه لن يستمر في الحكم طويلًا، ولكن خابت توقعاتهم، خاصةً بعد تمكنه أخيرًا من الفوز بفترة رئاسية جديدة، معتمدًا في ذلك على دعم الجيش والحزب الحاكم وقوات الأمن، ومؤيدي الثورة البوليفارية اليسارية؛ إذ يعتبره كثير منهم مدافعًا مخلصًا عن إرث «تشافيز».
 
- يحاول «مادورو» حل الجمعية الوطنية التي فازت المعارضة بأغلبيتها، والتف على هذه النتائج باتخاذ إجراءات قاسية ضد الانتخابات، مثل إنشاء مجلس تأسيسي جديد بسلطات وصلاحيات واسعة، وعلى إثر ذلك توترت علاقته بالمعارضة السياسية في البلاد، ورفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الإجراءات التي اتخذها «مادورو» للالتفاف على شرعية الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة.
 
- قيام المجلس التأسيسي الجديد بعزل «لويزا أورتيجا» من منصب النائب العام، وتعد «أورتيجا» من أشد المناهضين لسياسات «مادورو»، ورفضت قرار عزلها، معتبرةً أنه محاولة لمنعها فتح تحقيقات خاصة بالفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان.
 
- يتهمه معارضوه أنه يقوم بتوظيف السلطة القضائية التي يسيطر عليها أعضاء حزبه للتنكيل بالخصوم السياسيين، فيما يبرر مؤيدوه هذه السياسات بالتخوفات من تعرض البلاد لمحاولات انقلابية جديدة.
 
- فرار العديد من قادة المعارضة إلى خارج البلاد هربًا من المضايقات الحكومية، وتشير التقارير الحقوقية إلى وجود أكثر من 200 سجين سياسي في السجون الفنزويلية.
 
- استمرار الاحتجاجات الشعبية منذ أبريل الماضي، وتتهم المعارضة «مادورو» بالتقليل من دورها، والسعي للتشبث بالسلطة.

فنزويلا على مفترق

محاولة الاغتيال؛ من وراءها؟

اتهم «مادورو» خصومه السياسيين بتنفيذ محاولة الاغتيال بالتعاون مع جهات خارجية، من جانبها، نفت واشنطن على لسان «جون بولتون» مستشار الأمن القومي ضلوع واشنطن في محاولة الاغتيال، واتهم «بولتون» نظام الرئيس «مادورو» نفسه بتدبير المحاولة لإتاحة المجال لمزيد من القمع السياسي وتفادي غضب الناس جراء سوء الأحوال الاقتصادية في فنزويلا منذ وصوله للحكم، واعتمد «بولتون» في هذه الرواية على إجراءات الفساد والقمع السياسي التي تنتهجها حكومة «كاراكاس» منذ وصول «مادورو» إلى سُدة الحكم، واعتبر «بولتون» أن اتهامات «مادورو» للولايات المتحدة لا أصل لها(5). 

 

من ناحيةٍ أخرى، اتهم «مادورو» الرئيس الكولومبي «خوان مانويل سانتوس» بالضلوع في محاولة الاغتيال، ووعد بأنه سيقوم بجمع الأدلة التي تؤكد روايته، فيما نفت كولومبيا هذه الاتهامات. وأوردت مصادر حكومية أن كولومبيا لا تتآمر لإسقاط الحكومات الأجنبية.

 

وأعلنت مجموعة تسمى «جنود بقمصان قصيرة الأكمام»، وتتألف من عسكريين ومعارضين في بيانٍ لها على وسائل التواصل الاجتماعي مسؤوليتها عن الهجوم، ولكن دون أن تقدم أي أدلة مادية لتأكيد هذه الرواية، وقالت المجموعة إنها قامت بتلغيم طائرتين دون طيار، ولكن القناصة قاموا بإطلاق النار عليهم قبل تنفيذ المهام الموكلة لهم، وتعهدت المجموعة باستمرار نهج المقاومة حتى إسقاط نظام «مادورو» (6).

 

وأشارت التحقيقات الأولية التي أجرتها الحكومة الفنزويلية إلى ضلوع معارضين من اليمين ببلاد المنفى في كولومبيا وولاية فلوريدا في الولايات المتحدة في تدبير الحادث، وقال وزير الإعلام الفنزويلي «خورخي رودريجيز» أن طائرات دون طيار محملة بالمتفجرات تفجرت بالقرب من الاحتفالات العسكرية في وسط العاصمة «كراكاس»، وأشار «رودريجيز» إلى إصابة 7 من جنود الحرس الوطني، ومن جانبه، أعلن وزير الداخلية «نيستور ريفرول» اعتقال 6 أشخاص؛ لضلوعهم في محاولة الاغتيال، واتهم الوزير الأشخاص الست بالانضمام إلى الجماعة، التي قامت بتحميل الطائرات المسيرة بالمتفجرات؛ بهدف اغتيال رئيس الدولة.

 

ختامًا؛ يبرز من تناول الوضع الاقتصادي، والسياسي لفنزويلا تحت حكم «مادورو» توافر البيئة الخصبة لاستمرار الاضطرابات السياسية، بل وتصاعدها في الفترة المقبلة؛ حيث تعاني الجبهة الداخلية من شروخ كبيرة، وذلك على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، من ناحية أخرى، أبرزت الأداة التي استخدمت في محاولة الاغتيال شبح استخدام الطائرات المسيرة التي يُمكن ان تستخدمها الجماعات المتشددة أو غيرها لشن هجمات على الأهداف الاستراتيجية المحددة، وما يزيد الأمر خطورة سهولة الحصول على هذه المركبات بأسعار ليست مرتفعة.

 

الهوامش:

1.      نيكولاس مادورو.. زعيم فنزويلا المثير للانقسام (582018)، BBC عربي، على الرابط: http:www.bbc.comarabicworld-45073451

2.      Venezuela's annual inflation hits 82،766 percent in July: congress (682018)، Reuters، available at: https:www.reuters.comarticleus-venezuela-economyvenezuelas-annual-inflation-hits-82766-percent-in-july-congress-idUSKBN1KR1PT

3.      التضخم السنوي في فنزويلا يقترب من 9000 % (1342018)، الشرق الأوسط، الرابط: https:aawsat.comhomearticle1235816%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%AE%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86-9000

4.      JOSÉ R. CÁRDENAS، Don’t Let Venezuela’s Government Smear the Opposition’s Brightest Star(2762018)، Foreign Policy، Available at: https:foreignpolicy.com20180627dont-let-venezuelas-government-smear-the-oppositions-brightest-star

5.      No U.S. government involvement in Venezuela drone blast: Bolton، (582018)، Reuters، available at: https:www.reuters.comarticleus-venezuela-politics-usano-u-s-government-involvement-in-venezuela-drone-blast-bolton-idUSKBN1KQ0GI

6.      محاولة اغتيال الرئيس مادورو: السلطات الفنزويلية تعتقل «6 إرهابيين» (582018)، BBC عربي، الرابط: http:www.bbc.comarabicworld-45079467

"