المآلات الاقتصادية لتهديد إيران بإغلاق «باب المندب»
الجمعة 27/يوليو/2018 - 11:05 م

مرﭬت زكريا
هدد الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس (وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني)، بإغلاق مضيق باب المندب (ممر مائي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب)، على خلفية استهداف ميليشيات الحوثي التابعة لإيران ناقلة نفط سعودية؛ حيث تعرضت الناقلة لأضرار بسيطة، كادت أن تتطور، ويتعرض بسببها البحر الأحمر لكارثة بيئية.
وفي ظل إعلان طهران مسؤوليتها عن الحادث، ردًّا على التهديدات الأمريكية الأخيرة، قال «سليماني»: إن «البحر الأحمر لم يعد آمنًا لحضور القوات الأمريكية».

في السياق ذاته، كان
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد لوح بإغلاق مضيق هرمز (أحد أهم الممرات المائية
في العالم وأكثرها حركة للسفن، ويقع في منطقة الخليج العربي)، ردًّا على تصريحات
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمنع تصدير النفط الإيراني، ومن هنا يظهر الخطر الإيراني
الناجم عن التحكم في أهم المضايق العالمية(1).
وتبرز أهمية «باب
المندب» بالنسبة لإيران؛ كونه يُعتبر من أهم الممرات العالمية، وأكثرها عبورًا
للسفن، وتمر من خلاله 25 ألف سفينة سنويًّا، ما يمثل نحو 7% من قيمة الملاحة
العالمية، ومن هنا سيكون للتهديد بإغلاقه نتائج سلبية فيما يتعلق بالتجارة
العالمية، كما سيؤثر على أسعار النفط وتعطيل مصالح دول الإقليم والعالم، ومن بينها
مصر(2).

أهمية استراتيجية
تزداد أهمية «باب
المندب»؛ بسبب ارتباطه بقناة السويس، ومضيق هرمز؛ حيث تمر من خلاله الصادرات
الخليجية والمنتجات الواردة من شرق آسيا، ناهيك عن حاملات النفط، كما لم تنبع
أهميته فقط من خلال التنافس الدولي بين الشرق والغرب، ولكن من خلال ارتباطه بقناة
السويس؛ ما قلص المسافة بين القارتين، فضلًا عن مكانته الإقليمية التي أدت إلى
التنافس الإقليمي فيما بين الدول للسيطرة عليه.
كما يرتبط «باب
المندب» من الجنوب بالمحيط الهندي، ويقع في منتصف الطريق بين السويس ومومباي،
يحده اليمن من الشرق وإريتريا وجيبوتي من الغرب، ويكتسب المضيق أهمية كبرى بسبب
مرور عدد كبير من حاويات النفط، ويبلغ عرض المضيق نحو 30 كيلومترًا، وهو ما يعد
قيمة استراتيجية كبيرة تجعل له خصوصية فريدة تميزه عن مضيق هرمز، كما تتم الملاحة
في الجزء الغربي من المضيق؛ لأنه الأوسع من الجزء الشرقي الذي لا يصلح للملاحة
الدولية؛ بسبب سطحية المياه فيه، ويصل عمق المضيق نحو 310 أمتار(3).

إغلاق باب المندب
تعد المملكة العربية
السعودية، وجمهورية مصر العربية، من أكثر الدول تأثرًا في حال تنفيذ إيران تهديدها
بإغلاق مضيق باب المندب، وأوقفت السعودية مرور ناقلات النفط التابعة لها عبر
مضيق باب المندب، حتى يصبح الوضع أكثر أمنًا، وذلك على خلفية استهداف ميليشيات
الحوثي حاملة نفط سعودية.
وفي وقت سابق، هدد
الحوثيون بإغلاق «باب المندب»؛ لإجبار التحالف الدولي على إيقاف غاراته الجوية على
الحوثيين في اليمن، كما هدد «محمد علي»، نجل زعيم جماعة الحوثي، بأن القوة البحرية
لديهم قادرة على الوصول لأعالي البحار والموانئ السعودية(4).
يُذكر أن استهداف الحوثيين
لناقلات النفط لم يكن وليد اليوم، ففي يناير 2017، تعرضت ناقلة سعودية لهجوم مسلح
من قبل نفس الجماعة قرب ميناء «الحديدة» غرب اليمن؛ ما أسفر عن مقتل اثنين من طاقم
السفينة وإصابة 3 آخرين.
وأعلنت القوات
الإماراتية العاملة ضمن التحالف العربي في مايو 2018، أنها تمكنت من تدمير زورقين
كانا يهددان إحدي ناقلات النفط التجارية في البحر الأحمر(5).
كما يمثل إغلاق «باب
المندب» تهديدًا اقتصاديًّا كبيرًا بالنسبة لمصر؛ حيث تمر سفن البضائع الداخلة إلى قناة
السويس من خلاله، ووجود أي عائق لعملية المرور سيؤدي لإحجام الدول والشركات
العالمية عن استخدام القناة؛ ما سيحرم مصر من عائداتها التي تمثل مصدرًا مهمًّا من
مصادر الدخل القومي(6).

مآلات إغلاق المضيق
ستترتب على إغلاق
مضيق «باب المندب» مجموعة من المخاطر، التي من المؤكد أنها ستنال العالم أجمع، لاسيما الدول الكبرى والقوى الإقليمية، وسنعرض فيما يلي أبرز النقاط المهمة في هذا
الشأن:
الإضرار بالتجارة
العالمية
التهديد بإغلاق مضيق
باب المندب -في حالة حدوثه- سيؤثر على حجم التجارة العالمية؛ حيث يعد من أهم
المضايق العالمية من الناحية الاستراتيجية، كما أن سيطرة إيران على المضيق ستمكنها
من السيطرة على مضيق هرمز وقناة السويس؛ ما يعني سيطرتها على قرابة 10% من الشحن
البحري العالمي، وتحكمها في جميع شاحنات النفط العربي، وهو الأمر الذي سيضر ليس
الدول العربية فقط، ولكن سيطول الدول الكبرى في القارات الأربع.
تأتي هذه التخوفات
بعد تأكيد نائب قائد الحرس الثوري الجنرال، «حسن سلامي»، أن بلاده تمتلك صواريخًا
باليستية مُخصصة يمكنها استهداف القطع البحرية، وصدق على ذلك، فريق متقاعد من
البحرية الأمريكية «جيمس لونز»، من خلال تأكيده أن «الحرس الثوري، وحزب الله»
ساعدا الحوثيين على إرساء موقعي رادار خارج اثنين من الموانئ اليمنية الرئيسية في
البحر الأحمر؛ لاستعمال الصواريخ التي تعد نسخًا متطورة من الصاروخ الصيني طراز
«سي -802» المضاد للسفن، وهو ما يؤكد جدية التهديدات الإيرانية، ومن ثم الأضرار
البالغة التي ستلحق بالتجارة البحرية العالمية(7).

ارتفاع سعر النفط
أكد مسئولون بمنظمة
الدول العربية المصدرة للنفط (أوابك)، أن إغلاق مضيق باب المندب في حالة حدوثه
سيؤدي لارتفاع أسعار النفط بين 5 دولارات و15 دولارًا لكل برميل، وإعاقة وصول
ناقلات النفط من الخليج إلى قناة السويس، ومن هنا، ارتفاع تكاليف الشحن بإضافة 6
آلاف ميل بحري لعملية العبور، فضلًا عن توقعات بوصول التكاليف الإضافية للنقل
لأكثر من 45 دولارًا يوميًّا.
ويزيد من أهمية مضيق
باب المندب عدد ناقلات النفط التي تمر بالمضيق يوميًّا، فوفقًا لإدارة معلومات
الطاقة الأمريكية، مر عبر المضيق نحو 3.8 ملايين برميل يوميًّا عام 2013 أي نحو 6.7% من حجم تجارة النفط العالمية، وتدفق نحو 4.8 ملايين برميل يوميًّا من النفط
الخام والمنتجات النفطية عام 2016 تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا
وآسيا(8).

ختامًا
حاولت إيران
تاريخيًّا لعب دور قوي من خلال السيطرة على المضايق البحرية، فلديها مضيق «هرمز»،
ولكن بسبب مساحته الضيقة فأن باب المندب أهم من الناحية الاستراتجية بالنسبة لها،
لكن من الواضح أنها تصيغ استراتيجيتها تجاه السيطرة على المضيقين دفعة واحدة، بما
يمكنها من أن تصبح قوة إقليمية على الصعيد العالمي، لاسيما فيما يتعلق بالتحكم في
موارد الطاقة والتجارة الخارجية للدول الكبرى في القارات الأربع، ومن هنا قدرتها
على مواجهة القوى المناوئة لها، بأكثر الطرق إضرارًا.
المصادر:
1.ترامب يحاصر
السعودية إيران بين مضيقين، روسيا اليوم، 2672018.
2.سليماني مهددًا
ترامب البحر الأحمر لم يعد آمنًا، الشرق الأوسط، 2672018.
3.إرهاب إيران في
باب المندب يدق ناقوس الخطر، سكاي نيوز عربية، 2672018.
4.سجل القرصنة
الحوثية في البحر الأحمر، الشرق الأوسط، 2572018.
5.لارا عبيات، أهمية
مضيق باب المندب، موضوع، 2482016.
6.صالح حميد، هكذا
تخطط إيران لتهديد الملاحة بباب المندب وقناة السويس، العربية.نت، 622018.
7.باب المندب
بالوقائع والأرقام، الشرق الأوسط، 2672018.
8.Georgina laud، Saudi Arabia V.s Yemen: Is world war 3 boiling up between Saudi، Yemen
and Iran in the Red sea، 2682018، Expresses.