«الحُدَيْدَة».. بوابة انحسار «الحوثيين» ومفتاح تحرير صنعاء
الإثنين 28/مايو/2018 - 02:37 م

محمد الدابولي
تتواتر الأنباء حاليًّا عن
تقدم قوات المقاومة اليمنية، بقيادة قائد قوات الحرس الجمهوري «طارق صالح» ابن
شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، و«ألوية العمالقة» و«المقاومة التهامية» في
مدينة «الحُدَيْدَة» الساحلية واقترابها الوشيك من تحرير مطار المدينة، وذلك بفضل دعم
جوي وعسكري من قبل قوات التحالف العربي.
ويُعدُّ التقدم الأخير تطورًا نوعيًّا كبيرًا في الحرب اليمنية
المستمرة منذ انقلاب «الحوثي» في سبتمبر 2014، وبدء عملية «عاصفة الحزم» في مارس
2015؛ ما يفتح الباب أمام تحرير بقية المدن اليمنية، خاصة العاصمة «صنعاء».

المقاومة اليمنية
وتعكس التطورات الجديدة في
اليمن تغييرات محتملة، ليس فقط في موازين القوة في اليمن، بل أيضًا في المنطقة
العربية، فنجاح المقاومة في تحرير «الحديدة» -بات تحريرها على وشك الوقوع-
يعني بداية انحسار جماعة «الحوثي» سياسيًّا وعسكريًّا من ناحية، ومن ناحية أخرى تقليم
لأظافر النظام الإيراني في المنطقة.
تركيز المقاومة اليمنية والتحالف العربي حاليًّا في تحرير
«الحديدة» يعكس أهميتها الاستراتيجية في الصراع اليمني، فضلًا عن التحولات التي
طرأت على الجبهة اليمنية الداخلية، وأخيرًا يحمل تحرير «الحديدة» العديد من
الدلالات، سواء لدى الحوثي أو الحكومة اليمنية، وأيضًا المستوى الإقليمي، وهو ما
سيتم توضيحه في السطور التالية:
أولًا: الأهمية الاستراتيجية لـ«الحديدة»
تحمل «الحديدة» أهمية استراتيجية كبرى في خريطة الصراع اليمني
الدائر، فتحريرها يحمل الكثير من التداعيات، أهمها تحرير الساحل اليمني الغربي، وفتح
الباب أمام تحرير صنعاء من ميليشيات الحوثي.
يدرك تنظيم «الحوثي» أهمية المدينة الساحلية، فبعد 3 أسابيع
من سيطرته على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، تقدمت ميليشياته؛ من أجل بسط السيطرة على
«الحديدة»؛ نظرًا لأهميتها الاستراتيجية المتمثلة في:
الإشراف على جنوب البحر الأحمر وقربها الشديد من مضيق باب
المندب، ومن ثم تستطيع التحكم في حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتهديد السفن
المارة؛ لأجل الضغط على دول التحالف العربي.
نقطة التواصل الأولى والأخيرة لتنظيم الحوثي مع العالم الخارجي، خاصة إيران، وذلك بعد تحرير «عدن» في يوليو 2015، وتحرير «المخا» في يناير 2017، وتحرير «ميدي» في أبريل 2018، وكان يتم استغلال المدينة في تهريب السلاح والصواريخ
الباليستية الإيرانية إلى التنظيم.
تُشرف المدينة على الممر البحري الذي يربط الجزر اليمنية، مثل
«حنيش الكبرى» و«حنيش الصغرى»، بالأراضي اليمنية.
ثانيًا: تحولات المواجهة
حملت رياح 2018، ما لا تشتهيه سفن «عبدالملك الحوثي»، رغم أن
بدايتها كانت توحي بتحقيق انفراده بالحكم والسلطة في صنعاء، بعد اغتيال الرئيس
اليمني السابق «علي عبدالله صالح» في ديسمبر 2017، ومطاردة عناصر «المؤتمر الشعبي
العام - جناح صالح».
إلا أن الأيام والشهور القليلة التي أعقبت اغتيال «صالح» أوضحت
أن عملية اغتياله وإقصائه هو وأتباعه من المشهد السياسي اليمني في صنعاء، كان
مقامرة غير محسوبة المخاطر؛ حيث نتجت عن ذلك تحولات جذرية في توجهات المؤتمر الشعبي
العام بقيادة «طارق صالح» نجل شقيق الرئيس الراحل؛ حيث نجح «طارق» في إعادة تعبئة
القوات الموالية له والقبائل اليمنية، وانخرط بشكل كامل في صفوف التحالف العربي في
مواجهة تنظيم «الحوثي».
تكتيك شد الأطراف
ومنذ تولي «طارق صالح» دفة الأمور في اليمن بعد اغتيال عمّه، عمل
على تبني تكتيك شد الأطراف؛ لإرباك الحوثيين، فلم يتوجه مباشرة لقتال التنظيم في
دروب صنعاء، بل عمل على محاصرة التنظيم في جبال صنعاء وقطع الاتصال عنهم مع العالم
الخارجي، بالسيطرة على الساحل الغربي اليمني خاصة مدن «الحديدة» و«ميدي».
أصاب هذا التكتيك «جماعة الحوثي» بحالة من عدم الاتزان
والانضباط؛ حيث دفع التنظيم المزيد من عناصره إلى جبهة الساحل الغربي؛ ما تسبب في
تعرضه لمزيد من الخسائر المتتالية، لعل أهمها مقتل أبرز قياداته بها، مثل «صالح
الصماد» رئيس المجلس السياسي الأعلى، وأيضًا «أكرم غثاية» أبرز القيادات الحوثية في
«الحديدة»، فضلًا عن تواتر الأنباء عن انسحابات وهروب لميليشيا التنظيم من المدينة، وهو ما أقره زعيم التنظيم «عبدالملك الحوثي».

طارق صالح
ُثالثًا: دلالات وتبعات التقدم في «الحُدَيْدَة»
يحمل تقدم قوات المقاومة اليمنية بقيادة «طارق صالح» العديد من الدلالات والتبعات التي من شأنها التأثير على مستقبل جماعة الحوثي سياسيًّا، وأيضًا التأثير على تطور الأزمة اليمنية، وأخيرًا التأثير على توازن القوى في المنطقة.
أ. تبعات تحرير «الحديدة» المرتقب على مستقبل الحوثي: من المحتمل أن يكون لتحرير «الحُدَيْدَة» المرتقب العديد من الدلالات والتبعات حول مستقبل جماعة الحوثي في اليمن، فتحرير المدينة يُعدُّ ضربة معنوية كبرى للتنظيم سيحمل المزيد من الآثار السلبية، من أهمها بروز الخلافات «الحوثية - الحوثية» إلى السطح، التي بدأت تتنامى بعد مقتل الصَّمَّاد في أبريل 2014.
ونظرًا لما تُمثله المدينة من نقطة التواصل الوحيدة مع العالم الخارجي، خاصة إيران، فإنه لو حُررت المدينة فإن ذلك يعني الانقطاع الكامل بين الحوثي وإيران، خاصةً في ظل وجود حظر جوي عربي في اليمن، وهو ما يعني أمرين؛ أولهما: إنهاء التهديدات الحوثية المتكررة للملاحة في البحر الأحمر، وثانيها: دفع التنظيم إلى التقوقع مرة أخرى في كهوف صعدة شمال اليمن والعودة إلى وضع ما قبل سبتمبر 2014.
ب. تبعات ودلالات تحرير «الحُدَيْدَة» المرتقب على مستقبل الأزمة اليمنية: سيحمل تحرير «الحديدة» المرتقب العديد من التبعات والدلالات الميدانية والسياسية التي ستؤثر على مستقبل الأزمة اليمنية، فميدانيًّا ستستعيد الشرعية اليمنية الساحل الغربي بالكامل؛ لما يُمثله من أهمية قصوى لجميع الأطراف، ومن المؤكد أن تحرير المدينة سيؤدي في النهاية إلى انهيار الجبهة الغربية لميليشيات الحوثي، ومن ثم فك الحصار عن مدينة «تعز»، وتحرير الأجزاء التي يسيطر عليها تنظيم الحوثي، ومن ثم يصبح الطريق خاليًا لتحرير العاصمة صنعاء، وطرد الميليشيات الحوثية منها، أما سياسيًّا فمن المرجح أن ترضخ جماعة الحوثي للحلول الدولية الرامية إلى حل الأزمة اليمنية، أملًا في الاحتفاظ ببعض المكاسب السياسية؛ ما يفسر محاولات رئيس الوفد التفاوضي التابع للحركة «محمد عبدالسلام» في هذه الآونة تقديم بعض الحلول السياسية؛ أملًا في تعطيل تقدم قوات المقاومة اليمنية.
ولعل أهم التبعات إعادة تشكيل خريطة الصراعات اليمنية من جديد، فدحر «الحوثي» يلازمه صعود «سلفي»، فدورة عجلة التاريخ سريعة للغاية، ففي عام 2011 عانى سلفيو دماج من حصار تنظيم الحوثي لهم؛ ما أدى إلى ترحليهم، والآن يتقدم «طارق صالح» مصحوبًا بكتائب «أبي العباس» السلفية نحو طرد تنظيم الحوثي من الساحل الغربي، وفرض حصار على ما تبقى من تمركزات الحوثي.
خريطة الصراعات اليمنية القادمة ستشمل موقف قوى عديدة، أبرزها الإخوان المسلمون، وحزبهم «التجمع اليمني للإصلاح»، بقيادة علي محسن الأحمر، فموقف الجماعة طوال الحرب كان غامضًا ومتواريًا إلى الوراء قليلًا، لكن مستقبلًا بعد الحرب وصعود قوى التيار السلفي اليمني سيدفع «التجمع» إلى البحث عن تموضع جديد في خريطة الصراعات اليمنية؛ أملًا في عدم القضاء عليه، واستمراره في معادلة الحكم والسلطة في اليمن، وهو ما قد يواجَه بمعارضة سلفية قوية.
في الساعات القليلة الماضية بدأ يتكشف عن ملامح صراع سياسي جديد في اليمن، طرفاه «طارق صالح» والرئيس «عبدربه منصور هادي»، فالنجاحات المتلاحقة لـ«طارق» تسببت في حرج شديد للرئيس «هادي»، فخلال 3 شهور نجح «طارق» في الاقتراب من تحرير الساحل الغربي، أما الرئيس هادي فطوال السنوات الثلاث الماضية فشل في تحقيق المزيد من التقدم الميداني؛ الأمر الذي أظهر «طارق صالح» بصورة رجل اليمن القوي والزعيم المرتقب للدولة اليمنية؛ ما دفع الرئيس «هادي» إلى تدارك الوضع، واستبدال بعض القيادات العسكرية المتراخية، مثل قادة العمليات في «نهم» و«صرواح»؛ أملًا في تحقيق بعض المكاسب العسكرية لموازنة نفوذ «طارق صالح» المتنامي في صفوف الجيش اليمني.
ج. تبعات ودلالات تحرير «الحديدة» المرتقب على توازنات القوى في المنطقة: يحمل تحرير الحديدة المرتقب العديد من التداعيات على مستقبل منطقة الشرق الأوسط، من أهمها على الإطلاق تقليم أظافر إيران في المنطقة بعد تحجيم نفوذ ميليشيا الحوثي، وإبعادها عن منطقة البحر الأحمر، فضلًا عن تأمين البُعد الجيوسياسي السعودي الذي طالما هددته إيران، من خلال خلق مَوَاطن للتوتر على الحدود اليمنية السعودية، وإطلاق الصواريخ الباليستية في العمق السعودي، ويمكن اعتبار تحرير المدينة المرتقب علامةً على نجاح التحالف العربي؛ لإعادة الشرعية في اليمن، وهو ما يُعدُّ أول عمل عربي مشترك نجح في تحقيق أغراضه.
وأخيرًا توشك الأزمة اليمنية على انتهاء أحد فصولها المتعرجة، المتمثلة في صعود وانحسار تنظيم الحوثي؛ لتبدأ فصول جديدة من الصراعات اليمنية في المستقبل، من المرجح أن يكون أبطالها تنظيمات الإسلام الحركي؛ حيث كشفت الأحداث اليمنية الأخيرة تصاعد المكون السلفي، وعدم رضاء البعض عن توجهات «التجمع اليمني للإصلاح» المحسوب على الإخوان.