معركة الشمال السوري.. وإنهاء محنة السنوات السبع
يبدو أن الحرب في سوريا ستضع أخيرًا أوزارها؛ فالمشهد الذي ظل مشتعلًا لسبع
سنوات مضت، يشهد هذه الأيام تحركات من قبل الأطراف المعنية، قد تضع قريبًا النهاية.
وفيما يوشك النظام السوري على تهيئة المشهد في الجنوب حيث مناطق (القنيطرة،
والسويداء، ودرعا)، بتسليم الفصائل أسلحتهم الثقيلة والسماح لقوات النظام بالدخول،
تتجه الترجيحات إلى أن الخطوة القادمة ستكون باتجاه مناطق الشمال السوري التي توجد
فيها أغلب الفصائل المسلحة، خاصة وأن النظام توعد في أكثر من مناسبة بتحريرها.
بالتزامن مع هذه الترجيحات، أجرت تركيا
تحركات استباقية تصب جميعها باتجاه الحيلولة دون وصول النظام إلى الشمال، أو إجرائه
أي عمليات عسكرية هناك، إذ نشرت وكالة «سمارت» المحسوبة على الفصائل المسلحة، معلومات
تفيد بدخول شاحنات محملة بجدران إسمنتية، الاثنين الماضي 23 يوليو 2018، من تركيا باتجاه
تلة العيس جنوب حلب.
واسترسلت على لسان مصدر عسكري لم تسمه،
أن عدد الشاحنات وصل لـ360 شاحنة بمقطوراتها، قدمت بجدران عازلة مزمع بناؤها على طول
الخط المحاذي لمناطق سيطرة الجيش السوري في قريتي الصرمان وتل الطوقان بإدلب في الوقت
الحالي.
وتابعت أن الغرض من الجدارن التي دخلت
برفقه عناصر من «هيئة تحرير الشام» - كبرى الفصائل المسلحة في الشمال السوري- هو الاستعداد
لأي تحرك عسكري سوري على الشمال.
وإلى جانب ذلك تناولت تقارير صحفية سورية،
في الأيام القليلة الماضية، وثيقة بعنوان: «الورقة البيضاء للحل في إدلب»، قالت إن
تركيا قدمتها لروسيا لتكون بمثابة تصور تركي لحل سلمي في الشمال.
وأشارت التقارير، وفقًا لما نشرته «شبكة
شام»، المحسوبة على الفصائل، إلى أن الورقة حملت عرض تركي بإعادة التيار الكهربائي
والمياه والمرافق الحياتية لمناطق الشمال، لا سيما استعدادها لاقناع الفصائل بتسليم
السلاح الثقيل والمتوسط، على أن يتم الإعلان عن تأسيس «الجيش الوطني» من جميع الفصائل
المسلحة، وتأسيس هيئة موحدة للكيانات غير العسكرية تنفذ مهام مدنية وخدمية بإشراف وإدارة
تركيا.
ولتنفيذ ذلك، أضافت المعلومات أن تركيا ستعقد، خلال أسبوعين، مؤتمر عام لمناقشة مستقبل إدلب على ضوء التطورات الأخيرة في الجنوب، بحضور جميع الفصائل والهيئات والتجمعات في شمال سوريا وأهمها «هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ والائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة».
أهمية
الشمال السوري لتركيا
من هذه التحركات تبدو تركيا الطرف الأكثر
تضررًا من أي تحرك سوري مرتقب باتجاه الشمال.
وفي مقالة تحت عنوان «نظرة إلى الشمال»،
نشرتها الصحيفة الروسية "إزفيستيا"، فُسر السبب الذي يدفع بتركيا للدفاع عن
الشمالي السوري، إذ قالت إن لأنقرة هناك نفوذ قوى يتمثل في الفصائل المسلحة التي تحركها
تركيا، لاسيما متاخمة مدينة إدلب (شمالي غرب سوريا) للأراضي السورية التي فرضت تركيا
سيطرتها عليها بفعل عملية «غصن الزيتون»، التي بدأت في 20 يناير الماضي، ضد الأكراد.
من هنا تبدو حماية النفوذ التركية في سوريا، وتحديدًا بالشمال، الدافع باتجاه التحركات كافة التي تبذلها أنقرة لإبقاء الوضع بالشمال على ما هو عليه، حتى لو تطلب ذلك منها إلزام الفصائل التابعة لها بوضع السلاح والتخلي عن خيار الحرب الذي تمنحه هذه الفصائل وازعًا دينيًّا نابعًا من فريضة الجهاد.
وللتعارض بين هذا الوازع وما تطمح تركيا إليه من حيث إقناعهم بترك السلاح، يصبح السؤال «هل ستوافق الفصائل على الطلب التركي؟ أم سيحدث صدام؟».
تنظيم «حراس الدين»، ممثل تنظيم «القاعدة»
بسوريا، هاجم - الإثنين 23 يوليو 2018- عبر قناته على «تيليجرام»، قائلًا: إن الجيش
الذي تستعد تركيا لدمج الفصائل فيه تحت رعايتها سيكون علماني، مخالف لفهمهم لفريضة
الجهاد.
وتزامنًا لهذا التطورات على المستوى التركي،
كان قد نشر الناشط السوري المقرب من النظام، عمر رحمون، عبر حسابه على «تويتر» تدوينه،
كشف فيها عن مفاوضات قال إن النظام أجراها مع الفصائل في الشمال، وأسفرت عن موافقة
الفصائل على ترك السلاح، باستثناء فصيلين.
وبخصوصهما قال إن النظام يبحث الآن معالجة
ملفهما، بحيث يدخل إلى محافظات الشمال بصورة أسهل من تلك التي حدثت في الجنوب.
وتعليقًا على ذلك رصد الباحث مصطفى صلاح،
في دراسة حديثة منشورة على موقع «كتابات»، بعنوان «محاولة استنساخ حزب الله جديد:
الصراع الإيراني الإسرائيلي في مرتفعات الجولان»، تطورات المشهد في سوريا، إذ اتفق
مع أن المشهد هناك يقترب كثيرًا من النهاية في ظل التفاهمات الروسية الأمريكية على
تصور مشترك ولوا فيه مصالحهما.
ولفت إلى أن من ضمن هذا التصور ما حدث
في الجنوب السوري، من حيث استبعاد الفصائل الإيرانية التي كانت تزعج إسرائيل، ولفت
إلى أن هذا التحرك جاء برغبة أمريكية باعتبارها المدافع الأول عن مصالح الاحتلال الإسرئيلي.
وتابع أن المشهد في الشمال السوري، يعتبر
جزءًا من هذا التصور، مشيرًا إلى أن ثمة اتفاقًا بين روسيا وأمريكا على إخراج تركيا من
المشهد السوري بلا مناطق نفوذ على الأراضي السورية.
وأوضح أن ذلك يعني أن وصول النظام إلى
الشمال سيكون قريبًا رغم محاولات تركيا لمنع وصوله، معتبرًا أن المكسب الوحيد الذي
خرجت به تركيا من سنوات مشاركتها في الأزمة السورية، هو تحجيم خطر الأكراد، خاصة أن
أمريكا تعهدت لتركيا بالتوقف عن مد الأكراد بالسلاح.
وفيما يخص الفصائل المسلحة، توقع الباحث
أن تُسحق، مشيرًا إلى أن الطرفين الأبرز في المشهد وهما أمريكا وروسيا، لم يعد لديهم
حاجة لوجود فصائل تشعل المشهد مجددًا.





