باحث: صوفية الصعيد حارسة الهوية وحامية المجتمع
الخميس 26/يوليو/2018 - 11:57 ص
صوفية الصعيد
سارة رشاد
ثمة حالة يصنعها جنوبيو مصر حول حياتهم، قصص وقناعات ومعتقدات شهية تأتي من الصعيد، جميعها معجونة بمعاني الأصالة والكرم.
التصوف باعتباره تجربة روحية ليس ببعيد عن ذلك، إذ يشعر متصوفة الجنوب بعلو مكانتهم، معتبرين أنهم الأصدق في فهم الفلسفة الصوفية.
«المرجع» التقى الباحث التاريخي ذا الأصول الصعيدية، أحمد الجارد عمار، الذي ربط هذه القناعة بأسباب كثيرة، أهمها قرب حياة الصعيد من حياة المتصوفة الأوائل، «فالرقعة الجغرافية التي تعاني من نقص في الخدمات، وارتفاع في درجات الحرارة، تعيدهم إلى السيرة الأولى لأولياء الصوفية، الذين زهدوا في حياتهم، واكتفوا في بعض الأحيان بكوخ في قلب الصحراء».
ويتابع «عمار»، أن هذه الحياة التي يستشعر منها أهالي الصعيد قربهم من حياة الزهّاد على عكس أهالي الشمال، تظهر بشدة في الموالد الدينية التي تشهدها محافظات الجنوب، إذ يرى الباحث التاريخي أن روح التصوف فيها أكثر حضورًا، عكس ما يحدث في القاهرة أو الإسكندرية على سبيل المثال.
ويلفت إلى أن الموالد في الصعيد تحولت إلى طقس شعبي، اختلط بطبيعة حياة الجنوب، مشيرًا إلى أن ذلك يفسّر الاختلافات بين موالد الصعيد وموالد الشمال.
هذه الاختلافات رصدها في ألعاب القوى التي يُمارسها الرجال، وتحولت بمرور الوقت إلى جزء من مفهوم الجنوبيين عن الموالد الصوفية.
وأشار إلى أن أبرز هذه الألعاب هي سباق الخيل والتحطيب (الرقص بالعصا)، إلى جانب التنافس الأدبي في الانشاد الديني وإلقاء الشعر.
وشبَّه الموالد في الصعيد بالأسواق القديمة التي كانت تشهدها منطقة الجزيرة العربية، مثل سوق عكاظ الذي كانت تقام فيه المنافسات الأدبية.
ويتطرق «عمار» إلى وضع المرأة الصوفية في الصعيد، فيقول: إنها ممنوعة من حضور الموالد، مقارنة بموالد وجه بحري، التي تحضر فيها المرأة بقوة، وفسّر ذلك بالتقاليد الصعيدية التي ترفض خروج النساء إلى الحياة العامة.
ورغم ذلك، فإن الباحث يُشير إلى وجود سيدات، تَمكنَّ من تحقيق حضور قوي على مستوى التصوف، ويقدرهن بعض المُريدين الذين ليست لديهم مشكلة في اتباع امرأة في أمور دينية، ويقر بأن هذه الحالات ليست عديدة لكنها موجودة.
وأشار إلى أهمية النشأة الصوفية التي يشب عليها أطفال الصعيد، حتى هؤلاء القادمون من بيوت ليست صوفية، مشيرًا إلى أن الكتاتيب (مدارس لتعليم القرآن)، تلعب دورًا مهمًّا في تنشئة الطفل على الصوفية، إلى جانب الإنشاد الصوفي الذي يشتهر به الجنوب المصري، ويتعامل معه الجنوبيون كجزء من الثقافة الشعبية.
ويرصد الباحث اختلافًا بين أحوال الصوفية في مصر عمومًا، إذ يقول إنها بهتت في الشمال منذ فقد مشايخ الطرق سيطرتهم على المُريدين، عكس الجنوب الذي يرى أن التصوف فيه مازال بحالة جيدة، مرجعًا ذلك إلى المكانة التي مازال يحتفظ بها مشايخ الطرق هناك، مؤكدًا أن صوفية الصعيد لعبت دورًا كبيرًا في حماية المجتمع وتاريخه وهويته الثقافية منذ سنين طويلة.
وعن السبب في ذلك، يقول «عمار»، إن ثمة دورًا مجتمعيًّا يقوم به مشايخ الطرق، متمثلًا في حل الأزمات المجتمعية كمشكلات الثأر، والنزاعات العائلية.
ولفت إلى أن هذا يضاف إلى الدور الروحي الذي يقومون به كشيوخ طرق لهم مُريدون، ويضرب في ذلك مثلًا بالطريقة الحسناوية الخلواتية، التي تمتلك في محافظة أسوان «ساحة الطيب»، ويتوافد عليها كل صاحب مشكلة أو باحث عن أمر ديني.
ورغم اختصار الروايات القادمة من صعيد مصر إبَّان حقبة الثمانينيات والتسعينيات، على أحاديث العنف والإرهاب والتشدد، فإن الوجه الصوفي لم يتأثر بذلك، لكنه توارى نسبيًّا، بحسب «عمار»، الذي يتابع قائلًا، إن ما كُتب عن فترة العنف التي تزامنت مع صعود الجماعة الإسلامية، بمحافظات قنا وأسيوط والمنيا خلال الثمانينيات والتسعينيات، لم يُرصد فيه منع لمولد أو هدم لمقام، مدللًا على عدم قدرة المتشددين على التعرض للصوفية بمتانة هويتهم وعلو مكانتهم لدى أهالي الصعيد عامة.





