«المقاطعة» واستراتيجيات المقاومة.. حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) نموذجًا
الجمعة 27/يوليو/2018 - 01:28 م
حركة مقاطعة إسرائيل
محمود جمال عبدالعال
تقوم استراتيجية المقاطعة (Boycott) على الامتناع عن التعامل مع نظام معين، وذلك على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والثقافي.
ويعود مفهوم المقاطعة تاريخيًّا إلى الإقطاعي الإنجليزي «تشارليز بويكات» (Charles Boycott)، الذي فرض على الفلاحين والمزارعين زيادة في قيمة إيجارات الأراضي، وهو ما قاموا برفضه، ما اضطرهم إلى مقاطعة المزارع، وهو ما انعكس سلبًا على حالتها، واضطر في الأخير إلى التنازل أمام إصرارهم، وبات هذا الحدث سلاحًا للضعفاء لمواجهة ظالميهم من الأقوياء.
أَبْرزَ نموذج المقاطعة نجاحات واسعة في حالات مختلفة، مثل نظام «الأبارتهايد» بجنوب أفريقيا؛ حيث عاقبت شعوب العالم من خلال مقاطعة المنتجات الجنوب الأفريقية تضامنًا ودعمًا لكفاح الشعب هناك بقيادة «نلسون مانديلا»، رفضًا للسياسات التي انتهجتها حكومة الفصل العنصري ضد السكان ذوي البشرة السوداء من السكان الأصليين، وأدت المقاطعة الدولية والشعبية إلى إضعاف النظام ومن ثم سقوطه عام 1993.
وفي التقرير التالي، يُشير «المرجع» إلى أشكال المقاطعة، ومبرراتها، إضافة إلى التركيز على حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) من حيث مسارها، وفاعليتها، وأوجه نجاحاتها خلال الفترة الحالية، خاصة مع القرارات الأخيرة التي تتخذها المؤسسات الغربية لمقاطعة منتجات المستوطنات، مثل قرار البرلمان الهولندي بحظر استيراد منتجات المستوطنات، وكذلك القرار الذي اتخذته الكنيسة الأسقفية الأمريكية برفض الاستثمار في إسرائيل.
أنماط المقاطعة ومبرراتها:
تتعدد أنماط المقاطعة وفق الهدف المرجو منها، وهي تعتمد دائمًا على محاولة استغلال عناصر ضعف الطرف الآخر؛ إذ تُشير النقاشات في هذا السياق إلى تنوع أشكال المقاطعة، فهناك المقاطعة السياسية، والاقتصادية، والرياضية، وتُعدُّ المقاطعة الاقتصادية والتجارية أكثر الأشكال نجاحًا.
ويتغير تأثير المقاطعة بحسب الجهة المنفذة له؛ فهناك ثلاثة مستويات من المقاطعة:
1- المقاطعة الحكومية:
هي قرار تفرضه حكومة إحدى الدول على مؤسساتها لحظر التعامل مع مؤسسات دولة ما، وغالبًا ما تعود أسباب هذه المقاطعة إلى مشكلات واضطرابات سياسية، ومن أمثلته، ما تفرضه الولايات المتحدة على شركاتها بعدم التعامل مع الجانب الإيراني بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران بسبب نشاطها النووي.
2- المقاطعة الدولية:
هي المقاطعة المرتبطة بالعقوبات التي تفرضها الجهات الدولية لحظر التعامل مع دولة، أو نظام سياسي ما، بحجة تأجيجه للأمن والسلم الدوليين، وهناك أمثلة مختلفة لذلك، مثل العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على سوريا، وليبيا فيما يتعلق بتصدير الأسلحة.
3- المقاطعة الشعبية:
هي أحد أهم الأشكال الأكثر فاعلية على المستوى الاقتصادي، وتدعو لها قيادات شعبية ومؤسسات مجتمع مدني، ومن أمثلة ذلك ما قام به المصريون لمقاومة الاحتلال البريطاني أثناء ثورة 1919.
حركة مقاطعة إسرائيل (BDS):
تأسست حركة مقاطعة إسرائيل عام 2005، ومن أهدافها الأساسية مقاطعة دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات الدولية عليها، وتُطالب الحركة إسرائيل بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والانصياع لمبادئ القانون الدولي، وذلك عبر إنهاء استعمار الأراضي الفلسطينية، والاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة وفق قرار الشرعية الدولية رقم (194)(1).
وتعتمد أنشطة الحركة على جهود المتطوعين، الذين يتجاوز عددهم الحدود المحلية الفلسطينية، ونجحت الحركة خلال الأعوام الماضية في عقد شراكات للترويج الخارجي لحملة المقاطعة. ووفق الموقع الإلكتروني للحركة، فإنها تعمل على مستويين:
-على الصعيد الخارجي:
تعتمد استراتيجية الحركة على التغيير التدريجي في العلاقة مع إسرائيل للوصول إلى مرحلة سحب الاستثمارات منها، والمقاطعة على كل المستويات، وفي جميع المجالات (السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والعسكرية)، وصولًا لعزلها عن محيطها الجغرافي وفرض الحظر الدولي عليها.
وتصطدم الحركة في ذلك بالتحالفات السياسية الداعمة للجانب الإسرائيلي، لذا يحاول النشطاء التحايل على ذلك من خلال الترويج في أوروبا لمقاطعة منتجات المستوطنات، وهو ما أثبت نجاحًا كبيرًا لحملة المقاطعة هناك.
-على الصعيد الداخلي:
تنشط الحركة في الداخل الفلسطيني لمقاطعة المنتجات والمؤسسات الإسرائيلية ونشر الوعي بين الأجيال الجديدة من الفلسطينيين، وتُعدُّ أنشطة الحركة من أهم الأدوات الفاعلة لمقاطعة الاحتلال الصهيوني على المستوى الشعبي.
استراتيجية مقاومة حركة (BDS) وآثارها:
تتنوع استراتيجيات المقاومة التي تتبناها حركة المقاطعة (BDS)، وتهدف الحركة من هذه الاستراتيجيات مجابهة إسرائيل ومحاصرتها دوليًّا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها وصولًا إلى مرحلة عزلها دوليًّا، وهو ما تخشاه إسرائيل؛ لذا تعمل على مكافحة أنشطة حركة المقاطعة، وتدعو إلى حظر أنشطتها في العالم باعتبارها حركة معادية للسامية وتدعو للكره وعدم التسامح، وسنحاول فيما يلي تلخيص هذه الأنماط والأصعدة التي تدور في فلكها أنشطة الحركة:
1- المقاطعة السياسية:
هي الحملات الداعية إلى عزل دولة إسرائيل سياسيًّا، ودعم الدول لعدم تطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، وتتركز نجاحات حركة (BDS) في قدرتها على خلق حالة عامة بين الجماهير لرفض التطبيع شعبيًّا مع الكيان الصهيوني.
في هذا الصدد، أشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الانزعاج الإسرائيلي من ردة فعل الجماهير في العالم تجاه دولة إسرائيل، رغم رغبة كثير من الحكومات في العالم بتطبيع العلاقات.
ومن أمثلة المقاطعات السياسية التي أبرزت فاعليتها، القرار الصادر -في يونيو 2010- عن نقابة عمال الموانئ النرويجية لمقاطعة السفن التي ترسو في موانئ النرويج؛ احتجاجًا على ما قامت به السلطات الإسرائيلية بحق أسطول الحرية، الذي أبحر تجاه غزة لكسر الحصار المفروض عليها من قِبل قوات الاحتلال.
2- المقاطعة الثقافية:
هي الحملات الداعية إلى عزل دولة إسرائيل ثقافيًا، ويهدف هذا النوع من المقاطعة إلى التأثير معنويًا. وفي هذا السياق تقوم حركة (BDS) للترويج للمقاطعة على المستوى الأكاديمي والثقافي وذلك لضلوع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية في دعم آلة الحرب الإسرائيلية. ومن النجاحات التي حققتها الحركة في هذا المجال إعلان الموسيقار البرازيلي الشهير، جيلبرتو جيل، وهو وزير سابق في الحكومة، عن إلغاء حفلٍ موسيقي له في مدينة تل أبيب -في 4 يوليوتموز 2018-، والحملة الشعبية الداعية لمقاطعة أحد المهرجانات الفنية في العاصمة برلين، وذلك لرعاية سفارة إسرائيل في برلين لهذه الأنشطة.
3- المقاطعة على المستوى النقابي:
لا تقل المقاطعة النقابية أهمية عن المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية، وذلك لاعتبارات تتعلق بالظهير الجماهيري؛ إذ تضم النقابات فئات فاعلة في المجتمعات.
وتعد المقاطعة النقابية من أنجح الملفات التي عملت عليها حركة المقاطعة لإسرائيل، وهو ما برز في نتائجها؛ إذ أعلنت نقابة عمال الكهرباء والإذاعة الأمريكية مقاطعتها لإسرائيل، وكذلك أعلنت نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا واتحاد نقابات العمال في جنوب أفريقيا واتّحاد الصحافيين.
4- المقاطعة الاقتصادية:
المقاطعة الاقتصادية من أقوى أسلحة المقاومة السلمية، وهي أحد أهم أشكال الاعتراض أثرًا، وتتعرض إسرائيل لخسائر فادحة في هذا الجانب، لكنها لا تعلن عن ذلك. ويعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تضررًا؛ إذ تتركز حملات المقاطعة الاقتصادية على رفض التعامل التجاري مع منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وذلك كسبيل لإجبار إسرائيل على عدم التوسع في بناء المستوطنات. وكانت قد أصدرت وزارة المالية الإسرائيلية تقريرًا اعتبرت فيه أن المقاطعة هي أكبر الأخطار على الاقتصاد الإسرائيلي.
5- المقاطعة الرياضية:
وهي تعني عدم اللعب مع اللاعبين الإسرائيليين في الألعاب الرياضية، وذلك مثل ما يقوم به كثيرين من اللاعبين العرب والمسلمين. ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى تحايل إسرائيل على هذه المنظومة؛ إذ باتت تشارك حاليًا في المسابقات الرياضية الدولية تحت حجة العقوبات التي يمكن أن تفرضها المنظمات الرياضية الدولية التي تطالب دائمًا بعدم الدمج بين السياسة والرياضة. ومن أمثلة مشاركات اللاعبين الإسرائيليين في البطولات المنعقدة بالدول العربية ما حدث في العديد من البطولات الرياضية كسباق الدراجات والكرة الشاطئية التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، وهو الأمر الذي لاقى هجومًا كبيرًا من أعضاء حملة المقاطعة لإسرائيل في قطر. من ناحيةٍ أخرى، لاقت مشاركة لاعبين من الإمارات والبحرين في سباق جرى في إسرائيل استنكارًا من حركة المقاطعة (BDS).
أبرز النجاحات التي حققتها حركة (BDS) مؤخرًا:
استطاعت الحركة، في 13 عامًا، أن تصل بالقضية الفلسطينية إلى المستوى الجماهيري الذي أكسبها زخمًا سياسيًا ما زال تظهر آثاره لليوم رغم سباق الأنظمة السياسية للتطبيع مع الكيان الصهيوني. وفي هذا السياق، يشير عمر البرغوثي، العضو المؤسس لحملة المقاطعة، إلى أن نقطة قوة الحركة تكمن في كونها ممثلة للاتحادات النقابية والهيئات والجمعيات الأهلية.
وسنحاول فيما يلي الإشارة إلى آخر النجاحات التي تحققت على المستويات العالمية للحركة، والتي من شأنها فضح الرواية الإسرائيلية في تضليل الرأي العام العالمي عمّا يتعلق بالقضية الفلسطينية بكافة أطرافها سواءً الأرض المحتلة، أو غزة، أو ضمان حق العودة للاجئين والمهجرين في الشتات:
1- إعلان الكنيسة الأسقفية الأمريكية، والتي يتبعها ما يقارب مليوني أمريكي، في 17 يوليوتموز 2018، قرارها برفض الاستثمار في إسرائيل(2).
2- قرار مجلس الشيوخ الايرلندي (البرلمان) بالتصديق على قانون لحظر استيراد وبيع السلع أو الخدمات الإسرائيلية التي يتم إنتاجها في المستوطنات(3).
3- قرار البرلمان الدنماركي باستثناء المستوطنات الإسرائيلية من أي اتفاق مباشر أو ثنائي مع إسرائيل. واشتمل القرار على تعزيز التوجهات الحكومية ضد الاستثمار في المستوطنات الإسرائيلية(4).
4- إعلان 60 مدينة ومقاطعة في إسبانيا لحركة مقاطعة منتجات المستوطنات.
5- إعلان مفوضية الاتحاد الأوروبي مقاطعة البضائع التي يتم إنتاجها في المستوطنات الإسرائيلية عام 2015، وكذلك انضمام المجلس التنفيذي لاتحاد الطلاب في بريطانيا إلى حركة المقاطعة.
6- قيام الصندوق الحكومي النرويجي بسحب استثماراته من شركات إسرائيلية.
7- سحب ثاني أكبر صندوق تقاعدي في هولندا استثماراته من البنوك الإسرائيلية.
ختامًا؛ تبرز الإجراءات التي اتخذتها دولة الكيان الصهيوني ضد أعضاء حملة المقاطعة حجم الخطورة التي تمثلها أنشطة (BDS)، وكشف المحامي الإسرائيلي، إيتاي ماك، أن الحكومة الإسرائيلية تعاقدت مع شركات خدمات قانونية لملاحقة أعضاء ونشطاء حركة مقاطعة إسرائيل، وسن الكنيست الإسرائيلي قانونًا يحظر على أعضاء الحركة الدخول إلى أراضي إسرائيل.
الهوامش:
1- الموقع الرسمي للحركة.
2- الهزيمة الثانية «لإسرائيل» خلال أسبوع.. «BDS» تواصل الانتصار (1772018)، الخليج أونلاين.
3- برلمان إيرلندا يحظر استيراد المنتجات المصنعة في المستوطنات الإسرائيلية (1172018)، سبوتنيك عربي.
4- برلمان الدنمارك يصدّق على استثناء المستوطنات من الاتفاقات مع إسرائيل (2712018)، المركز الفلسطيني للإعلام.





