ad a b
ad ad ad

«حراس الدين» وتنافس أجنحة «القاعدة» في سوريا

الأحد 22/يوليو/2018 - 06:54 م
المرجع
د. مبارك أحمد – خبير فى النظم المقارنة
طباعة
أثار تشكيل تنظيم «حراس الدين» وممارساته الإرهابية فى سوريا العديد من التساؤلات، حول الأسباب التى أدت إلى بروزه على خريطة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وما إذا كان التنظيم سيمثل بداية حقبة «قاعدية» جديدة في سوريا بعد أفول تنظيم «داعش» وانهيار بنائه التنظيمي في العراق وسوريا وفرار معظم مقاتليه إلى مناطق متفرقة وانتهاء دولة الخلافة المزعومة التي حاول بناءها على أسس وركائز هشة. 

«حراس الدين» وتنافس
وهو الأمر الذى تجلى في إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في يوليو 2017 عن تطهير «الموصل» العراقية من مقاتلي داعش، وإعلان العراق خاليًا من «الدواعش» برغم اتجاه التنظيم لتشكيل جيوب إرهابية مثل تنظيم «الرايات البيضاء» الذي اتخذ من مناطق عراقية ملاذًا له. 

حقبة إرهابية جديدة
تناولت اتجاهات عديدة مستقبل التنظيمات الإرهابية بعد هزيمة «داعش« في سوريا والعراق، حيث تبلور اتجاهان رئيسيان الأول: يشير إلى أن الانهيار التنظيمى لــ«داعش» لا يعني انتهاءه كمصدر للخطر باعتباره أحد أشرس التنظيمات الإرهابية، ولكن ربما يشكل ذلك بداية لمرحلة جديدة في تطور التنظيم تستند إلى ظاهرة الذئاب المنفردة في تنفيذ عملياته، وهي الأسراب الإرهابية الهائمة التي ستظل ترتبط فكريًّا وأيديولوجيًا بالتنظيم، وربما سيكون لها تداعياتها الممتدة في ظل بروز قضية العائدون من بؤر الصراعات المسلحة، ووفق هذا الاتجاه سيظل «داعش» رقمًا مهمًا في معادلة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق. 

«حراس الدين» وتنافس
أما الاتجاه الثانى: يرى أنه من المرجح أن يتجه مقاتلو «داعش» و«القاعدة» في سوريا والعراق إلى تشكيل تنظيمات تسير على خطى التنظيمات الرئيسية، ولكن بدرجة أقل تنظيمًا وتخطيطًا، على أن تتشكل مثل هذه التنظيمات المسلحة في بؤر الصراعات والجيوب التى مازال مقاتلو «داعش» و«القاعدة» موجودين فيها، وهو الأمر الذى عكسه تشكيل تنظيم «الرايات البيضاء» في العراق والذي أعلن ولاءه لتنظيم «داعش»، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن خريطة انتشار مقاتلي «الرايات البيضاء» يتشكل تمركزها الرئيسي، وتنتشر في المناطق الغربية والشمالية الغربية من العراق، حيث يبلغ عددهم 500 فرد من جنسيات مختلفة.

كما يتنوع تسليحهم ما بين أسلحة خفيفة ومتوسطة، ويسكنون الجبال في المناطق الواقعة بين «طوزخرماتو» و«داقوق» جنوب شرق «كركوك»، وفي المناطق المحاذية لجبال حمرين، ويحملون شعارات يشير أهمها إلى الفدائيين، ويرفعون راية بيضاء تتوسطها صورة أسد دون استخدام رموز دينيه.

فيما تنوعت عمليات التنظيم مابين اغتيالات، واستخدام عبوات ناسفة، وتوقيف المارة، وكان أهم عملياتهم استهداف دورية تابعة لقوات التركمان، انتهت بمقتل ثلاثة من تلك القوات.

أما تنظيم «حراس الدين» في سوريا فقد شدد في بيانه الأول، في مارس2018 على ولائه ومبايعته لتنظيم «القاعدة»، ودعا إلى وقف القتال الدائر في إدلب وريف حلب بين ما تعرف بهيئة تحرير الشام، وائتلاف جبهة تحرير سوريا. 

كما أكد ضرورة العمل على إنقاذ الغوطة الشرقية المحاصرة، وبرغم ذلك تبنى التنظيم لاحقًا خطابًا عدائيًّا ضد هيئة تحرير الشام. 

ووفق تقديرات متعددة، فإن عدد عناصر التنظيم يتراوح من بضع مئات إلى نحو ألفي مقاتل، ومن أبرز عملياته مهاجمة مواقع تابعة للنظام السوري في محافظة اللاذقية، وهو الأمر الذي أدى إلى تعرض مناطق تمركزه لعمليات قصف جوي في منطقة كانت بعيدة عن التنافس بين التنظيمات الإرهابية بفضل التفاهم الروسي التركي، كما أدت سلسلة من الاغتيالات الغامضة إلى تزايد التوترات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام.على خلفية اتهام الخلايا النائمة التابعة لحراس الدين بتنفيذها. 

أسباب متعددة: 

«حراس الدين» وتنافس
تنوعت الأسباب التي أدت إلى تشكيل تنظيم «حراس الدين»، والتي يمكن إجمال أبرزها في العناصر التالية:
مواجهة هيئة تحرير الشام: فقد كان الإعلان عن تشكيل هيئة تحرير الشام نقطة التحول المفصلية التى أدت إلى بروز «حراس الدين» على خريطة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، ففي عام 2016 قامت «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا، بتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، ثم هيئة تحرير الشام بعد دخولها في ائتلاف مع عدد من المجموعات الارهابية، معلنةً تباعدها عن القاعدة.

وقد أثار ذلك نفور المقاتلين الإرهابيين المتشددين داخل الجبهة، ومعظمهم من المقاتلين الأجانب، ما أدى إلى اتجاههم نحو تدشين التنظيم الجديد تحت مسمى «حراس الدين»، والذى أعلن ولاءه لتنظيم «القاعدة» وزعيمه أيمن الظواهرى. 

ملء الفراغ الداعشى: لاشك أن انهيار عاصمة تنظيم «داعش»، مثل بداية الأفول الداعشى في ظل المواجهة المستمرة التي يشنها التنظيم الدولي لمكافحة «داعش»، ودعمه لجهود الحكومات العراقية والسورية لتعقب فلول المقاتلين، وهو الأمر الذي أدى لوجود فراغ في المناطق التي انسحب منها «داعش»، اتاحت للتنظيمات الجديدة مثل «حراس الدين» أن تتمدد فيها في ظل وجود مقاتلين على خبرة ودراية لاسيما وأن عناصر التنظيم تتشكل نواتها الرئيسية من المقاتلين الأجانب، وهو الأمر الذي انعكس على دعاية التنظيم التي تتبنى أيديولوجية القاعدة العابرة للأوطان، بما جعله يتطلع لتوسيع نشاطاته خارج سوريا. 

تعزيز تنافسية القاعدة في سوريا: على الرغم من أن بعض التقديرات تشير إلى أن تنظيم «حراس الدين» يضم مقاتلين من تنظيم «داعش»، وعددًا من العناصر الإرهابية التى شاركت في القتال في العراق وأفغانستان، ويتمتع هؤلاء المجندون بمهارات كبيرة فى القتال، إلا أن إعلان التنظيم ولاءه للقاعدة وتعزيز روابطه مع قيادة القاعدة المركزية، عبر شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية سيسهم في تنامي تغلغل القاعدة داخل سوريا وإعادة تموضعها في العمق السوري بما يجعلها رقمًا في معادلات الصراع داخل مفردات المشهد السوري الذي توظفه القوى الإقليمية والدولية على رقعة الشطرنج السورية. 

استيعاب المنشقين عن التنظيمات الإرهابية: تشير العديد من التقديرات إلى التحاق عدد من الإرهابيين ذوي التاريخ الطويل من القتال إلى جانب تنظيم «القاعدة» من أفغانستان إلى العراق، بصفوف التنظيم الجديد، وأبرزهم زعيم تنظيم «حراس الدين»، السوري سمير حجازي، المعروف بأبي همام الشامي. 

كما يضم التنظيم أيضًا عددًا كبيرًا من الارهابيين من اصول أردنية، بينهم أياد الطوباسي، المعروف بأبي جليبيب طوباس، وسامي العريدي، وخالد العاروري المعروف بأبي القسام. 

والخلاصة: أن بروز تنظيم «حراس الدين» على خريطة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في سوريا سيسهم في تغذية الصراع بين أجنحة تنظيم «القاعدة» لاسيما في الشمال حيث تمركزات عناصر التنظيم الرئيسية.

ومع احتمالية اندلاع الصراع العنيف مع هيئة تحرير الشام، وإمكانية انشقاق عدد من مقاتليها للالتحاق بصفوف «حراس الدين» فإنه من المرجح أن يزداد الوضع تازمًا وتعقيدًا في سوريا على خلفية تشابك صراعات التنظيمات الإرهابية والتى بلا شك لها امتداداتها الإقليمية والدولية.
"