«تحرير الشام» على طريق التفكيك.. والورثة جاهزون
السبت 02/يونيو/2018 - 09:48 م

سارة رشاد
يبدو أن هيئة تحرير الشام (كبرى الفصائل المسلحة بسوريا)، على وشك تحضير
حقائبها للتَّغيُّب عن المشهد السوري، الذي حلت فيه عام 2017، فرغم المحاولات
المستميتة التي تبذلها للحفاظ على وجودها، تبقى هناك مؤشرات تتجه بقوة نحو خيار
التفكيك.

آخر هذه المؤشرات كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس الماضي،
بإدراج «الهيئة» على قوائم الإرهاب، معتبرة أنها امتداد لتنظيم القاعدة، الذي حضر
إلى سوريا عقب اندلاع الأحداث في 2011، باسم «جبهة النصرة»، ثم تحول إلى جبهة فتح
الشام، (يونيو 2016)، فـهيئة تحرير الشام، (28 يناير 2017)، واعتبرت واشنطن أنَّ تَغير المسميات، استراتيجية تنتهجها الجماعات الإرهابية للتهرب من قرار الحل.
تزامنًا مع ذلك
يمتلئ الشمال السوري، المحكوم بمعرفة فصائل إرهابية، على رأسها «تحرير الشام»، بتكهنات تُشير إلى تحضيرات إقليمية ودولية للتخلص من «الهيئة»، وتستند جميعها إلى
تعهدات أطلقتها تركيا بحل «هيئة تحرير الشام»، في مؤتمر الأستانة 9 الذي عقد في 14
مايو الحالي بحضور أطراف سورية ودولية، معنية بالأزمة في سوريا.

هذه التعهدات الخارجة من طرف فاعل في الشمال السوري، مرتبط بعلاقة جيدة
نسبيًّا هذه الفترة مع «تحرير الشام» وهو تركيا، قابلتها حالة ارتباك شديدة مرت بها «الهيئة»، حتى إن مسؤول المكتب السياسي لها ويُدعى، يوسف الهجر (اسمه التنظيمي أبوالبراء الشامي)، وجد أن الموقف يتطلب خروجه لأول مرة، في القنوات الإخبارية في
لقاء اضطراري، مع الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة القطرية لنفي أي نية للحل،
وللتأكيد في الوقت نفسه، على قوة العلاقات مع تركيا.
وتدعيمًا لحالة
الارتباك، حذف موقع «الجزيرة نت» حوار «الهجر»، بعدها بيومين دون تنويه أو اعتذار، وفي اليوم ذاته كشفت شبكة شام الإخبارية، عن لقاء عقده زعيم «تحرير الشام» أبومحمد الجولاني، مع أتباعه ليخبرهم بأن مستقبل هيئتهم، سيكون في الانضمام لما يُعرف
بـ«الجيش الوطني الموحد»، وهو مقترح طرحته تركيا بداية العام الحالي، وتسعى لتوحيد
الفصائل السورية فيه تحت رعايتها؛ للتحكم في المشهد السوري.

وتابعت الشبكة، أن «الهيئة» جهزت معسكرات منذ أسابيع، تستضيف فيها شرعيين
معتدلين للتحدث إلى أفرادها، عن فقة الأولويات، وأهمية الاستجابة لمتطلبات المرحلة،
لتأهيلهم لقبول فكرة ما سمته بـــ«الحل اللين»، والاندماج مع كيانات أخرى.
رغم ذلك تسير
«الهيئة» في اتجاه رفض خيار التفكيك، إذ تعمل وكأنها تستميت على حضورها، فكثّفت
خلال اليومين الأخيرين من موادها الإعلامية، عبر نوافذها على «تليجرام»، متناولة
تطورات المشهد بالتحليل، والتدليل على أن ما يحدث من مساعٍ لحلها، ما هو إلا مخطط
ضد «الثورة السورية»، بحسب زعمها.
وتحت عنوان: «حملة
شائعات إعلامية ممنهجة تستهدف هيئة تحرير الشام، ما الهدف منها؟» نشرت شبكة إباء
التابعة للهيئة مقالة، قالت فيها، إن الحديث عن حل «الهيئة»، الغرض منه توتير
العلاقات بين قياداتها والقواعد من جهة، والهيئة وما تسميه «الحاضنة الشعبية
لها» من جهة أخرى، مؤكدة أن الحل ليس من ضمن خياراتها.

الموقف نفسه اتخذته «الهيئة»، من قرار أمريكا بإدراجها على قوائم الإرهاب،
إذ قالت في بيان مطوّل من ثلاث صفحات، حصل «المرجع» على نسخة منه، إن سياسات أمريكا
تتجه نحو تفريغ الساحة من الفصائل «الثورية المخلصة»، بحسب البيان، زاعمة أنه يصب
في مصلحة النظام السوري.
وشددت «الهيئة» على
أنها ماضية في سيرها، مطالبة السوريين باحتضانها، والوقوف إلى جوارها باعتبارها
«أخلص الفصائل» حسبما تدعي.
عضو اللجنة الشرعية
بـ«تحرير الشام»، مظهر الويس، كتب عبر قناته على تليجرام: «ليس بمستغرب تصنيف
الهيئة بالإرهابية»، معتبرًا هذا «أحد تجليات الصراع بين الإيمان والكفر والحق
والباطل في الساحة الشامية» وفق ادعائه.

هل تقوى على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية؟
من اللغة التي تتبناها
في التعاطي مع احتمالات الحل، تبدو «تحرير الشام» مستقرة على مبدأ الرفض، ويحركها
في هذا، تخوفها من انشقاق أفرادها، إذا وافقت على الاستجابة لضغوط تركيا، إذْ سيرى
أفرادها أن تنظيمهم خاضع لسيطرة أطراف خارجية، ومن ثم سيفقدون الثقة فيه.
وتمثّل تركيا، على
وجه الخصوص أزمة عقائدية لـ«تحرير الشام»، إذ ظلت «الهيئة» ترى في معتقداتها أن
تركيا دولة علمانية كافرة يحرم التعامل معها، ومنذ نهاية العام الماضي بدأت تغير
خطابها الديني ونظرتها لها؛ لتبرر تعاونها مع أنقرة، وهو التغير الذي أصاب
«الهيئة» بالارتباك حتى اليوم، وبناءً على ذلك فاستجابة «تحرير الشام»، لتركيا بحل
كيانها سيزيد من ارتباك أفرادها ويدعم خيار الانشقاق، ليس لكون التنظيم خاضعًا
لأطراف خارجية وحسب، ولكن لأن هذا الطرف دولة كان التنظيم يكفرها.
ولكن هل تقوى «تحرير الشام» على البقاء في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية، خاصة
بعد قرار أمريكا.

بإدارجها على قوائم الإرهاب؟
في ظل توافق تركي-
روسي- أمريكي، على التخلص من «تحرير الشام»، تبدو محاولات «الهيئة» للبقاء ضعيفة،
إذ يقول هشام النجار، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، لـ«المرجع» إن
انسحاب «تحرير الشام»، من المشهد السوري بات وشيكًا.

وبناءً على ذلك يبقى السؤال هو: «مَنْ سيرث تحرير الشام»؟
تطورات المشهد
السوري تشير إلى نية تركيا، لإعداد فرع جماعة الإخوان بسوريا، لتولي إدارة شؤون
مدينة إدلب بدلًا من «تحرير الشام»، وفي 29 من مايو الماضي، أعلن 11 فصيلًا اندماجهم في كيان واحد باسم، «الجبهة الوطنية للتحرير»، تحت رعاية تركيا، وهي
الجبهة التي قال محللون، إنها خطوة نحو حلم تركيا في تنظيم صفوف الفصائل السورية،
في كيان واحد تسيطر عليه أنقرة.
وكان المجلس
الإسلامي السوري، المدعوم من تركيا، ويسيطر عليه الإخوان السوريون، قد أعلن نهاية
العام الماضي، عن مقترح بدفع من تركيا، يهدف لتكوين ما دعته «جيشًا وطنيًّا موحدًا»،
أو ما سمي وقتها بـ«جيش الثورة».
وتسعى تركيا من خلال
هذا «الجيش»، الذي تجسد حتى الآن في «الجبهة الوطنية للتحرير» للتحكم في المعارك
في شمال سوريا بما يتوافق مع مصالحها، مستخدمة في ذلك الإخوان، ما يعني أن الإخوان
قد يكونون البديل لـ«تحرير الشام»، وهو ما دعمه «النجار»، إذْ قال إن تركيا تسعى
لفرض سيطرتها على الشمال السوري، والإخوان لا يمانعون ذلك مقابل إتاحة الفرصة لهم
للقيادة.

إلى جانب الإخوان القادمين بمشروع تركي، يوجد تنظيم القاعدة، ويقول
«النجار»، إنه المستفيد الأول من تفكيك «تحرير الشام»، خاصة أن الهيئة في أساسها
تحمل فكر «القاعدة» وانشقاقها عنها سياسي فقط لا فكري، مؤكدًا أن فك الهيئة سيؤدي
إلى انشقاقات واسعة، ما يرجح أن يعمل تنظيم «القاعدة» في الفترة الراهنة على تجهيز نفسه
لاستقبال الانشقاقات المرتقبة.
ويدعم هذا السيناريو
انشقاق قيادي بـ«تحرير الشام»، نهاية مايو الماضي، ويُدعى أبوعبيدة كصنفرة، وإعلان
بيعته لتنظيم «حراس الدين»، هو و800 عنصر يعملون تحت لوائه.
و«حراس الدين»، كيان
أعلن عن نفسه في فبراير العام الحالي، وصنف على أنه ممثل تنظيم «القاعدة»، في
سوريا بعدما أعلنت «تحرير الشام»، فك ارتباطها بالتنظيم، ويتشكل «حراس الدين» من
المنشقين عن «تحرير الشام»، سواء المعترضين مؤخرًا على سياساتها، أو أولئك الذين
رفضوا إعلان فك الارتباط بـ«القاعدة».
وعقب الإعلان عن
«حراس الدين»، دخل في تحالف مع كيان «قاعدي» آخر هو «أنصار التوحيد» ليعلنا عن
«حلف نصرة الإسلام»، إلا أن الحلف منذ تم تدشينه في 28 من أبريل الماضي، لم يشهد
له أي حضور في الساحة السورية، وبذلك فترجيحات إنعاش فرع «القاعدة» في سوريا واردة
حال حُلت بالفعل «تحرير الشام».