هل تقوى «صوفية العراق» على إصلاح ما أفسده «داعش»؟
الخميس 19/يوليو/2018 - 02:55 م
ضريح الصوفية بالعراق- أرشيفية
سارة رشاد
لا يمكن ترجمة تصريحات رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، نهاية العام الماضي، بخصوص القضاء على وجود تنظيم «داعش» في العراق، كنهاية حقيقية للتنظيم؛ فالمواجهات التي تلت هذا التصريح أثبتت وجود خلايا نائمة مازال التنظيم قادرًا على العمل من خلالها.
وحتى إن أقررنا بانتهاء التنظيم في العراق، فهذا لن ينفي فرص عودته مرة ثانية، ما يُعيد الحديث مجددًا عما يُسمى بـ«المواجهة الفكرية».
وعلى اعتبار أن الصوفية هي أحد الاحتمالات الأقرب كلما فُتح النقاش حول كيفية التصدي للفكر المتطرف، وبما أن صوفية العراق على وجه الخصوص هي مهد التصوف العربي، وتحظى بانتشار حتى قيل عنها: «التصوف في العراق كالشمس والقمر بالنسبة للناس يستضيئون ويتنورون ويستدلون بضوئهما على معرفة طريق الوصول إلى الله»، فهل تكون الصوفية هناك فاعلة في مرحلة ما بعد «داعش»؟ هل هي قادرة أصلًا على إصلاح ما تم إفساده؟
الواقع يقول إن الحالة الصوفية العراقية ظلت حتى قبل 2003 (الغزو الأمريكي للعراق) تتمتع بنوع من الاستقرار، أتاح لها نشر فكرها وممارسة طقوسها الدينية تحت رعاية الدولة العراقية، إلا أن الوضع تبدّل حتى تحول المجتمع العراقي من صوفيته إلى الحالة التكفيرية التي توجها ظهور تنظيم «داعش» وإعلانه عن دولته في يونيو 2014.
ومع زوال التنظيم شكليًّا بحسب التصريحات الرسمية العراقية، يبقى السؤال، هل الطرق الصوفية قادرة على مواجهة الأفكار التي خلّفها التنظيم؟
التصريحات التي تخرج من محسوبين على الطرق الصوفية في العراق جميعها، تفيد باستعدادهم للمشاركة في الاشتباك مع «داعش»، إلا أن الوضع القائم يُشير إلى أن حدوث ذلك أمر غير متوقع في ظلِّ ارتباك تمر به الصوفية العراقية، أدى إلى تراجع تأثيرها مقابل الصعود السلفي الجهادي.
يُضاف إلى ذلك الخطاب الصوفي القديم في مضمونه وشكل تقديمه، وفي ظلِّ التقدم التكنولوجي الذي أحرزه تنظيم «داعش» على المستوى الإعلامي من حيث دقة الرسالة ومن ثم ضمان تأثيرها واتساع انتشارها، تبقى الأفضلية لـ«داعش» على الصوفية التي مازالت تقف عند الحضرات والرقص في الموالد (احتفالات تقيمها الطرق الصوفية بشكل موسمي لإحياء مناسبات دينية).
وبخلاف ذلك، تبقى الحالة الطرقية الصوفية العربية بوجه عام تعاني من هشاشة المنهج، منذ تخلت عن أفكار مؤسسيها والتزمت بأمور شكلية من التصوف، ويمكن الاستشهاد هنا بتجارب بعض الطرق الصوفية التي حاولت تجديد المناهج الأولية للتصوف بتقديم أطروحات منهجية علمية مثل الطريقة النقشبندية في سوريا (تنسب لمحمد بهاء الدين النقشبند من بخاري وتنتشر في مدينة حلب شمالي غرب سوريا)، التي تعرضت على خلفية تجربتها لانتقادات من طرق صوفية أخرى، ما يعكس محاربة تجديد المنهج الصوفي من داخل الصوفية أنفسهم، ويعني ذلك أن التصوف العربي لم يصل بعد لمرحلة إدراك أزماته.
ومن ضِمن مظاهر الارتباك الصوفي في العراق تأثر شريحة من الصوفية العراقية بحالة العنف التي تسيدت المشهد منذ 2003، حتى نجد أن الصوفية التي تدعو إلى السلم اتجهت لحمل السلاح، متجسدة في تجربة «جيش النقشبندية» المكون من أبناء الطريقة النقشبندية (طريقة صوفية تنتشر في سوريا والعراق وتركيا)، وتم تأسيسه في 2003، ويصنف نفسه على أنه فصيل مقاوم سني خرج لمقاومة الاحتلال الأمريكي إلا أنه استمر حتى بعد ظهور «داعش»، وكان من الفصائل المشاركة في المشهد.
ويفهم هذا التحول في الفكر الصوفي إلى حمل السلاح، في ظل انتقادات تلقتها الصوفية خلال الفترة ما بعد 2003، إذ تلقت اتهامات بأنها تحرض الناس على الكسل والاكتفاء بالجلوس في المساجد وترك مقاومة الاحتلال، لتضطر بعض الطرق لغلق الـ«تكايا» (ساحات توفر فيه الطرق الطعام بالمجان للمحتاجين)، والتوقف عن إقامة الاحتفالات الدينية.
وفي 2006، تداولت المواقع العراقية، أنباء عن بيان منسوب للطريقة القادرية (طريقة عراقية تضم عربًا وأكرادًا)، أعلنت فيه تشكيل كتيبة من بين رجالها أطلقت عليها اسم «كتيبة عبدالقادر الجيلاني الجهادية».
وإذ ما أقررنا بأن الصوفية العراقية انسحبت من المشهد تاركة العراقيين للفكر الجهادي التفكيري، فإن الأمر جاء على مراحل، حيث إن البداية كانت من سلك المنهج السلفي طريقه إلى العراق مع ظهور ما عرف بـ«ظاهرة المجاهدين الأفغان»، وهم أفراد عرب تم تسهيل دخولهم إلى أفغانستان لمواجهة روسيا في أفغانستان برعاية أمريكية، وتحت مسمى «الجهاد من أجل الإسلام».
وعزز هذه الحالة تأزم الأوضاع المادية التي تسبب فيها الحصار الاقتصادي المفروض على العراق نهاية التسعينيات من قبل الغرب؛ ما دفع العراقيين للفرار إلى الدين.
ومع الغزو الأمريكي في 2003، تصاعدت الدعوات التي طالبت بـ«الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال» مع تعمق الانشقاق السني الشيعي، كل ذلك صب في النهاية إلى انسحاب الصوفية من المشهد وصعود التيار السلفي الذي وصل في النهاية إلى وحشية تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق.





