السلفية الجهادية تغزو السودان.. وقلق من انتشار القاعدة
الأحد 08/يوليو/2018 - 12:59 م

دعاء إمام
في عام 1936 من القرن الفائت، التقى الشيخ السوداني أحمد حسون، بالتاجر الجزائري عبدالرحمن بن حجر، في ولاية غرب النيل، ودرّس «حسون» بين يدي «حجر» مبادئ المنهج السلفي، وسرعان ما طردت الحكومة البريطانية «حجر» إلى الحجاز بزعم بث دعوات تحريضية تُهدد النظام العام، إلا أن التاجر الجزائري ذاع صيته حين استقر في بلاد الحجاز، وهاجر إليه العديد من الراغبين في تلقي العلم الشرعي.

وضع التلميذ «أحمد حسون» النواة الأولى للفكر السلفي في السودان، ثم أسس جماعة أنصار السنة المحمدية، وهي أول جماعة سلفيَّة بالسودان أعلنت عن نفسها عام 1939 وسُجلت رسميًّا في 1947، وكان منهجها تجريم العمل السياسي، رغم أن أغلب القائمين على الجماعة في مرحلتها الأولى كانوا يشاركون في العمل السياسي، إذ كان رئيسها عبدالله الغبشاوي ناشطًا في حزب الأمة المعارض، وزعيم أنصار السنة التاريخي محمد هاشم الهدية، ناشطًا في الحزب الاتحادي الديمقراطي.
مع حلول عام 1956، تنبهت جماعة أنصار السنة، إلى ضرورة حضور المشهد السياسي، وعدم حصر نفسها في الحقل الدعوي فقط؛ فنشطت الجماعة لمطالبة الأحزاب بتطبيق الدستور الإسلامي وتحكيم الشريعة، كما شاركت في جبهة الميثاق الإسلامي التي خاضت الانتخابات العامة في السودان عام 1964.
وكان الموقف السلفي من حركة التمرد في جنوب السودان، بمثابة نقطة التحول في الفهم السياسي عند السلفيين، إذ اتخذوا موقفًا واضحًا من حركة التمرد في الجنوب، ونظموا حملة لدعم القوات المسلحة، ثم أنشأوا أمانة خاصة في هيكلهم السياسي باسم أمانة السياسة الشرعية والبحوث، كما تكتلوا في جبهة عريضة ضمت أنصار السنة والإخوان والطريقة التيجانية، سُميت بـــ«جبهة الميثاق الإسلامي»، ليتحول السلفيون من العمل الدعوي الفردي إلى فكرة العمل الجبهوي.
مُنيت «جبهة الميثاق الإسلامي» بصراعات داخلية وانشقاقات انتهت بهم إلى عدة تيارات وأجنحة، ومن بين أبرز المنشقين جماعة «اللا جماعة»، التي انشقت عن أنصار السنة المحمدية عام 1990، وكانت لا تؤمن بقيام الأحزاب السياسية، وترى ببدعية الانتماء إلى جماعات، كما رفضت العمل المنظم بأمير أو قائد، ومن أشهر قيادات هذه الجماعة حسين خالد عشيش، وهو داعية سوري استقر بالسودان منذ العام 1993.
عُرِف التيار الثاني من المنشقين، باسم «جمعية الكتاب والسنة الخيرية»، ونشأت تلك الجمعية عام 1992 بعد خلاف مع قيادات جماعة أنصار السُّنَّّة، وأعلنت الجمعية أهدافها التي تمثلت في محاربة الشرك والخرافة وكل مظاهر الشعوذة والدجل ونشر صحيح الدين.

استقرت الأمور حتى مطلع الألفية الثانية، إلى أن شارك رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية «شيخ الهدية»، في الحكومة السودانية، وهو ما رفضه نائبه «أبو زيد محمد حمزة»، فأصدر «شيخ الهدية» قرارًا بفصل النائب وعدد من القيادات الطلابية الذين رفضوا مشاركة رئيس الجماعة في الحكومة، وكون المفصولون جماعة سميت بأنصار السنة «الإصلاح»، ومثلوا التيار الثالث من المنشقين عن الجماعة الأم.
ورغم دخول الفكر السلفي للسودان في وقت مبكر، فإنه لم يجد قبولًا لدى السودانيين؛ الذين أقروا بغرابة هذا المنهج عنهم، فلم تمثل الجماعات السلفية من الخريطة الدينية سوى 10% فقط، بينما احتفظت الصوفية بالنصيب الأكبر وهو 60%، إذ مثل الفكر الصوفي فطرة الشعب السوداني، أما السلفية فلم يتلاءم منهجها معهم بالقدر الذي رغبه السلفيون.
وفي العِقد الأخير، تنامت نفوذ السلفية الجهادية في السودان، على نحو أقلق المراقبين للحركات الإسلامية، إذ شهد مطلع عام 2013 الإعلان عن ميلاد ذراع طلابية جديدة لتنظيم «القاعدة» بجامعة الخرطوم تحت مسمى «السلف الجهادي في بلاد النيلين»، وظهر التنظيم علنًا في البلاد مع انطلاق التظاهرات الاحتجاجية التي نددت بالإساءة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ حيث انضم بعضهم للتظاهرات وهاجموا سفارتي ألمانيا والولايات المتحدة بالخرطوم وظهر، عناصر الجماعة يتوشحون قماشة سوداء مكتوب عليها «لا إله إلا الله».
تواترت الأحداث وتورط أتباع السلفية الجهادية في عمليات اختطاف واغتيال وتفجير مساجد؛ ما دفع السلطات السودانية لاعتقال عددٍ من القيادات في أغسطس 2015، وبعد مرور ستة أشهر تم الإفراج عن قادة التيار السلفي الجهادي ورموز جماعة «الاعتصام بالكتاب والسنة» مساعد السديرة، عمر عبدالخالق، العبيد إبراهيم، أيمن المصباح، محمد جمال الدين الأثيوبي وصلاح الدين إبراهيم، وهي جماعة جهادية بايعت تنظيم «داعش» الإرهابي.
وبررت السلطات السودانية إطلاق سراح تلك القيادات، بأنه اكتمل بعد تعهدات من جانبهم بعدم العودة للتبشير بأفكار «داعش» أو تحريض الشباب وطلاب الجامعات وتحميسهم للسفر للالتحاق بــ«داعش» في العراق وسوريا وليبيا.
وبالبحث في تاريخ الجماعات السلفية في السودان، تلاحظ شح المصادر التي تتصل بالموضوع وقلة الدراسات التي تناولت الوجود السلفي في السودان ومراحله، وهو ما فسره الباحث السوداني وائل علي نصر الدين، بنفور السلفيين من العمل التنظيمي، إضافة إلى الانقسامات الحادة بين القيادات، فهم _بحسب الباحث السوداني_ أقرب إلى العمل الشعبي الطوعي كمنظمة مجتمع مدني، منهم كتيار سياسي.
وعدّد «نصرالدين» ما ينقص سلفية السودان، فقال إن الجماهير السلفية لا تتمتع بالوعي السياسي وبالتالي من السهل حشدها لصالح خطوط معادية تودي بها للمهالك؛ فمن السهل أن تسوق أي سلفي نحو خطك بمجرد أن تعطيه آية أو حديثًا أو أثرًا، وكذلك الدولة تستغل هذا الأمر فتنشر بين السلفيين من يروجون لأحاديث طاعة الحكام ويربطون بينها وبين طاعة الحكومة وبالتالي تدفع بعض السلفيين ليكونوا خط دفاع أول عن النظام.
كذلك لا يملك السلفيون أي ورقة لبرنامج اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي؛ فهم فقط يعولون على كتب السياسة الشرعية، التي يصفها الباحث السوداني بــ«عديمة الفائدة»؛ لأنها وضعت لدولة بدائية في القرون الوسطى، وتساءل: «كيف سيديرون دولة متعددة فيها تعدد عرقي وديني، كيف سيتعامل السلفيون مع قبب الصوفية إذا ما فازوا في انتخابات الرئاسة، وكيف سيتعاملون مع غير المسلمين والذين هم حاليًا لم يعودوا ذميين ولا يدفعون الجزية لخزينة الدولة؟، وكيف سيتعاملون مع مواطنيهم من غير المتدينين الذين لا يرون ما يراه السلفيون حرامًا مثل الطرب والاختلاط؟».