«تحرير الشام» تجمد القحطاني.. صراع داخلي قد يحدد مصير الحركة
في خطوة مفاجئة وغامضة، أعلنت ما تسمي نفسها «هيئة تحرير الشام»، أكبر فصيل ارهابي في شمال غرب سوريا، تجميد مهام وصلاحيات أحد قادتها البارزين، أبو ماريا القحطاني، بسبب اختراق أمني كبير.
وأثار هذا الإجراء جملة من التساؤلات عن مصير القحطاني وعلاقته بزعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، والتأثير المحتمل على مستقبل الهيئة والمشهد السوري بشكل عام.
من هو القحطاني؟
أبو ماريا القحطاني هو مواطن سعودي، ولد في عام 1976، وسافر إلى أفغانستان في عام 1999 للانضمام إلى تنظيم القاعدة.
شارك في قتال قوات التحالف في أفغانستان والعراق، وكان من المقربين من زعيم القاعدة، أسامة بن لادن.
في عام 2012، انتقل إلى سوريا للانضمام إلى جبهة النصرة، التابعة للقاعدة، والتي تغير اسمها لاحقًا إلى هيئة تحرير الشام.
القحطاني كان من مؤسسي الهيئة وصانع قرار فيها، وكان يدير ملف قتالها لتنظيم داعش ويشارك في ملفات توسع الهيئة باتجاه أرياف حلب.
كما كان يحظى بشعبية كبيرة بين العناصر والأهالي في إدلب.
يعتبر القحطاني رجل دين وفقيهًا، وكان يصدر فتاوى وخطبًا يبرز فيها دور الهيئة في حماية المجتمع المدني.
تجميد مهامه
في 17 أغسطس 2023، أصدرت هيئة تحرير الشام بيانًا قصيرًا، نشرته على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت فيه تجميد مهام وصلاحيات أبو ماريا القحطاني.
وجاء في البيان: "إثر اختراق أمني كبير حصل للشيخ أبو ماريا القحطاني، والذي أخطأ في إدارة تواصلاته مع جهات خارجية دون استئذان أو إيضاح المقصود من هذا التواصل، فقد قررت الهيئة تجميد مهامه وصلاحياته حتى إشعار آخر".
ولم يوضح البيان تفاصيل الاختراق الأمني أو هوية الجهات الخارجية التي تواصل معها القحطاني.
ولكن بعض المصادر المطلعة على شؤون الهيئة، قالت إن القحطاني كان يتفاوض سرًا مع جهات تركية وأمريكية للتوصل إلى اتفاق يضمن حماية إدلب من هجوم النظام الشرعي وروسيا.
وأن هذا التفاوض أثار غضب الجولاني وبعض قادة الهيئة، الذين رأوا فيه خيانة للثورة والمبادئ.
تأثيرات محتملة
تجميد مهام القحطاني قد تكون له تأثيرات مختلفة على هيئة تحرير الشام.
من جهة، قد يؤدي إلى ضعف نفوذ وسطوة الجولاني داخل الهيئة وإثارة صراعات داخلية بين المجموعات المختلفة. فالقحطاني كان يمثل جناحًا معتدلًا في الهيئة، يسعى إلى التسامح والانفتاح على باقي الفصائل والمكونات المدنية، كما كان يحظى بدعم شعبي ومالي من قبل المؤسسات والشخصيات التابعة له، مثل مؤسسة "إغاثة" للإغاثة والتنمية.
وبالتالي، قد يشعر أنصاره بالغضب والإحباط من قرار تجميده، وقد ينشقون عن الهيئة أو يقاومونها.
من جهة أخرى، قد يؤدي تجميد مهام القحطاني إلى تخفيف التوتر مع خصوم الهيئة، خاصة التابعين لتنظيم القاعدة، وفتح باب التفاوض والتسوية معهم.
فالقحطاني كان مثار انتقادات من قبل خصوم الهيئة، خاصة التابعين لتنظيم القاعدة، الذين اتهموه بالعمالة للتحالف الدولي والتورط في قتل قادة الهيئة وفرع القاعدة في سوريا (حراس الدين).
كما اتهموه بالسعي لفك ارتباط فروع القاعدة بالقيادة العامة للتنظيم.
ردود الفعل
ردود الفعل على قرار تجميد مهام القحطاني كانت متباينة بين مؤيد ومعارض.
من جانب، أعرب بعض العناصر والنشطاء الموالين للهيئة عن تأييدهم للقرار، واعتبروه خطوة ضرورية لحفظ أمن واستقرار الهيئة والمنطقة.
كما أشادوا بالجولاني على شجاعته وحكمته في اتخاذ هذا القرار.
ومن بين هؤلاء، نشر عبد الرزاق المهدي، أحد الدعاة المؤثرين في إدلب، تغريدة على تويتر قال فيها: "نثق بقائدنا الجولاني ونسانده في كل قرار يصدره لمصلحة الهيئة والأمة، ونعتبر تجميد مهام الشيخ أبو ماريا قرارًا حكيمًا وشجاعًا، فلا يجوز لأحد أن يخون ثقة الهيئة والشعب بالتواصل مع الأعداء دون علم أو إذن".
من جانب آخر، أعرب بعض العناصر والنشطاء المعارضين للهيئة عن انتقادهم للقرار، واعتبروه خطوة استبدادية وظالمة.
كما اتهموا الجولاني بالغيرة والطمع في السلطة والسعي للتخلص من منافسيه.
ومن بين هؤلاء، نشر الشيخ سامي العريدي، أحد قادة حراس الدين، التابع للقاعدة، تغريدة على تويتر قال فيها: "إن تجميد مهام الشيخ أبو ماريا هو جريمة كبرى ضد رجل من أفضل رجال الثورة، فهو من صامدي أفغانستان والعراق، ومن رافضي التطبيع مع التحالف، وإن من يقف خلف هذا القرار هم من الروافض، الذين يخططون لإسقاط إدلب وإخضاعها"، بحسب زعمه وقوله.
مستقبل سوريا ومصير الهيئة
تشير بعض التحليلات البحثية للموقف الحالي لهيئة تحرير الشام، بأنه لا يمكن التنبؤ بالنتيجة النهائية لهذا الحدث المزعزع للاستقرار، لكن يمكن القول إنه يشير إلى وجود تحولات وتحديات داخل هيئة تحرير الشام، وأنه قد يؤثر على مستقبل المشهد السوري بشكل عام.
فإذا استمر تجميد مهام القحطاني، فقد يؤدي إلى انفصال أو اشتباك بعض المجموعات الموالية له عن الهيئة، وبالتالي إلى تفتيت وضعف الهيئة.





