«ألغام الإرهاب» تحاصر المزارعين ورعاة الماشية في الجبال التونسية
تعد تونس من
بين الدول التي استخدمت فيها الجماعات الإرهابية المسلحة ألغامًا بدائية مضادة
للأفراد والمدرعات على نطاق واسع، وكان أثرها واضحًا على مدى أكثر من عقد في الفتك
بعشرات العسكريين والمدنيين أثناء عمليات التمشيط في مناطق زرعها بالمرتفعات، أو
أثناء أنشطة الرعي، كما تسببت في نفوق قطعان من الماشية.
ودفعت العائلات
القاطنة بمحاذاة مناطق زراعة الألغام في تونس ثمنًا باهظًا في مكافحة الإرهاب، بسبب
انقطاع أنشطتها الاقتصادية جراء الألغام وخسارتها الأرواح، فضلًا عن العاهات
الجسدية الدائمة التي لحقت بالمتضررين.
ومنذ عام 2012،
تشهد الحدود التونسية المتاخمة للجزائر اشتباكات بين الجيش التونسي وجماعات متطرفة،
إذ يعاني سكان ولاية القصرين التونسية من تبعات تلك المواجهات، إذ بقيت الجبال
المحيطة بالمنطقة عرضة لمخاطر الألغام المصنعة يدويًّا وكثيرًا ما يخاطر السكان بحياتهم في الصعود إلى
تلك الجبال لأن الزراعة تمثل وسيلة عيشهم الوحيدة، كما أن المسلحين يترجلون إلى
المساكن المنعزلة للتزود بالمؤمن مثيرين الرعب في قلوب السكان.
حادث
عدنان العمومي
ولعل أخر حوادث
التي ضربت سكان منطقة جبال المغيلة، حادثة الشاب عدنان العمومي، الطالب في
الثانوية، ونجاته من الموت بعد انفجار لغم في يده وفي وجهه، بينما كان يجمع «نبات
الإكليل» في الغابة الواقعة على الحدود الجزائرية - التونسية؛ بهدف بيعه وتوفير
الأموال التي يحتاج إليها لدراسته، ما أدي إلى فقدانه إحدى عينيه، وإصابة في يده
اليمنى.
واستقطبت قصة هذا
الطالب الرأي العام التونسي وصناع القرار السياسي، إذ أمرت السلطات بنقله من
مستشفى محافظة القصرين، (300 كم جنوب غربي تونس)، إلى المستشفى العسكري المركزي
في العاصمة.
ويشير تقرير
إحصائي صدر في عام 2021 عن «مرصد
الألغام الأرضية» بدعم من الأمم المتحدة، إلى أن المدنيين لا يزالون يمثلون
الضحايا الرئيسيين للأسلحة، حيث يمثلون ثمانية من كل 10 ضحايا، ويشكل الأطفال ما
لا يقل عن نصف القتلى أو المشوهين.
ويقول «مرصد
الألغام الأرضية»: إن هناك ما لا يقل عن 60 دولة، بما في ذلك تونس، ملوثة بألغام
الإرهابيين المضادة للأفراد.
ولعل أبرز حوادث فتك الألغام بالمدنيين، حادث خديجة الرحيمي التي فقدت ساقها بفعل لغم في جبل السلوم بضواحي القصرين عام 2018 أثناء جمعها للحطب، ومن حسن الحظ أن ابنتها الصغرى التي كانت رفقتها لم تصب بأذى في التفجير لكن ابنة عمها أصيبت في الحادث بأضرار في عينها.
التعايش مع الألغام
ومثل عائلة السيدة
خديجة الرحيمي، اضطر السكان العزل في القرى المتاخمة للجبال، إلى التعايش على مدى
سنوات مع خطر المسلحين المتربصين بهم في المرتفعات والتي تحولت إلى مصيدة قاتلة
للمدنيين أو الجنود.
وكانت أكثر الاعتداءات دموية ما تعرض له الأخوان مبروك (16 عامًا) وخليفة السلطاني (21 عامًا) عندما ذبح الاثنان وقطعت رأسيهما في نفس المنطقة بجبل المغيلة بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيد، في حادثين منفصلين عامي 2015 و2017 على التوالي.
وعلى الرغم من
تصفية قوات الأمن، لأغلب المسلحين في تلك المناطق وانحسار أنشطتهم وهجماتهم، فإنه
لا يعرف أعداد الألغام التي تركوها من خلفهم لتعطيل عمليات تعقبهم.
وحسب أوساط قضائية وأمنية تونسية فإن أغلب المتورطين في العمليات الإرهابية وزرع الألغام واستخدام الأسلحة النارية لديهم علاقة بتنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة متطرفة قديمة انتشرت منذ عقدين في الجزائر ودول الساحل والصحراء الإفريقية.





