انقلاب النيجر.. تخوفات جزائرية من تصاعد حدة الصراع وتسلل السلاح عبر الحدود
تلعب الجزائر دورًا مهمًّا في التطورات التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء بعد انقلاب النيجر، إذ انتهت الأحد مهلة الأسبوع التى منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" للمجلس العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، وإلا ستتدخل دول المجموعة عسكريًّا.
ومع انتهاء المهلة، أكدت الجزائر رفضها القاطع لأي تدخل عسكري في جارتها الجنوبية، ودعت في الوقت ذاته إلى العودة للشرعية الدستورية، معربة عن استعدادها للمساعدة دون أن تكشف عن أي جهود مستقبلية لإعادة الاستقرار السياسي في النيجر.
وفي 26 يوليو 2023، احتجز عناصر من الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم وعائلته، وبعد فشلهم في إرغامه على إعلان استقالته، علقوا في اليوم التالي العمل بالدستور، وأعلنوا تشكيل ما سُمي "المجلس الانتقالي لحماية الوطن"، بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني القائد السابق للحرس الرئاسي.
رفض جزائري للانقلاب
ومنذ الإطاحة ببازوم، لم تخرج ردود أفعال الجزائر عن الموقف الدبلوماسي والمبدئي الرافض للانقلابات، بينما لا يزال الغموض يلف دورها المحتمل في المراحل المقبلة.
وتربط الجزائر والنيجر حدودًا مشتركة تمتد لنحو ألف كيلومتر، إلى جانب روابط إنسانية وتاريخية، ما يجعلها على رأس الدولة المعنية بأي تحول سياسي أو أمني في الدولة الغنية بالموارد الطبيعية وشديدة الفقر اقتصاديًّا.
وحتى الآن، لم يقدم فريق الانقلابيين، بقيادة تشياني، ورقة طريق سياسة لإدارة البلاد، ما يُفسر تريث الجزائر في الكشف عن دورها المحتمل مستقبلًا.
ويتعرض قادة الانقلاب لضغوط كبيرة من الغرب، لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مجموعة "إيكواس" للإفراج عن الرئيس محمد بازوم والعودة إلى الشرعية الدستورية.
ويعقد قادة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) قمة استثنائية حول النيجر الخميس في أبوجا، على ما أعلنت المنظمة غداة انتهاء المهلة التي حددتها للانقلابيين لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه.
وبعد بيانات رسمية ومحادثات هاتفية، حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقف بلاده برفض أي تدخل عسكري تقدم عليه "إيكواس" لإنهاء الانقلاب في النيجر.
ويتضح من موقفه أن الجزائر لا تدعم الخيار العسكري ولا تنوي المشاركة فيه ولا تعتزم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الانقلابيين.
والسبت، قال "تبون"، في مقابلة مع وسائل إعلامية محلية: "نرفض بشكل قاطع وتام استخدام القوة في النيجر"، معتبرًا أن "المشاكل القائمة تُحل بالتي هي أحسن (سلميًّا)".
وحذر من أن التدخل العسكري "إذا حدث سيكون تهديدًا مباشرًا للجزائر، لما له من تداعيات عليها وعلى المنطقة ككل.. وعلى مَن يملكون عقلا النظر إلى البلدان التي تم التدخل فيها عسكريًّا، فالمشاكل ما زالت موجودة إلى غاية اليوم في ليبيا واليمن وسوريا".
وأردف تبون: "لم يسبق في تاريخنا أن أرقنا دماء إخواننا أو أصدقائنا، ولن نفعل ذلك"، مضيفًا أن بلاده ستتدخل فقط لمساعدة جيرانها اقتصاديًّا وتنمويًّا، مستدلًا بموقف مماثل اتخذته مع مالي قبل عامين.
وأبلغت الجزائر موقفها لدول "إيكواس" عندما استقبل وزير الخارجية أحمد عطاف، الخميس، باباغانا كينجيبي المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة.
وحتى الآن، لم تتواصل الجزائر مع الانقلابيين في النيجر، ولم تتخذ أي إجراءات من قبيل غلق الحدود أو تعليق الرحلات الجوية والمعاملات التجارية.
وإلى جانب تقاسمها أطول الحدود البرية مقارنة بدول غرب إفريقيا الأخرى، تقع النيجر ضمن العمق الإستراتيجي للجزائر، بالنظر إلى الروابط الإنسانية والتاريخية والاقتصادية والأمنية منذ القدم.
ويتقاسم البلدان رابطة القرابة والدم، التي يجسدها السكان من الطوارق الممتدين بينهما وبعض القبائل العربية التي ينحدر منها الرئيس بازوم.
وعلى المستوى الأمني، تجمع البلدين اتفاقات منها اتفاق تسيير دوريات مشتركة لتأمين الحدود منذ 2021، والوجود ضمن دول مجموعة الميدان التي تضم قادة أركان جيوش البلدين إلى جانب مالي وموريتانيا.
مواقف دبلوماسية سليمة
من جانبه، قال ناصر مأمون عيسي، الباحث في الشأن الإفريقي: إن موقف الجزائر المعلن من الانقلاب في النيجر متوافق مع الشرعية الدولية والدستورية، وللجزائر مواقف دبلوماسية سليمة ولا يمكنها أن تدعم أي انقلاب.
وأكد في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن أهمية النيجر للجزائر تدفع الأخيرة إلى مراقبة الأوضاع عن كثب، فأي تطورات سلبية للأوضاع ستنعكس عليها مباشرة.
وأضاف الباحث في الشأن الإفريقي، أن مئات الآلاف من النيجريين يقصدون الجزائر في إطار الهجرة غير النظامية، ومع انزلاق الأوضاع نحو العنف ستكون الأزمة أكبر، فالنيجر تضم 26 مليون نسمة، منهم 13 مليونًا تحت خط الفقر، وأي تدخل عسكري سيؤدي إلى مجاعة وانتشار السلاح بشكل فوضوي وهذا ما تخشاه الجزائر، موضحًا أن موقف الجزائر بشأن النيجر ينسجم تمامًا مع المبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي.





