ad a b
ad ad ad

قراءة في أسباب تمرد «طباخ الرئيس» على بوتين

الأربعاء 05/يوليو/2023 - 08:09 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة

شهدت الأراضي الروسية في الرابع والعشرين من يونيو 2023، أزمة كبيرة كادت تجر البلاد إلى حرب أهلية وتهدد مستقبل نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ بل تهدد مكانة البلد على الصعيد الدولي باعتباره ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قرر يفغيني بريغوجن قائد مجموعة فاغنر العسكرية، الذي يعرف بـ«طباخ الرئيس»، إعلان العصيان والتمرد على القيادة العسكرية والسياسية في موسكو، وذلك قبل أن ينهي مغامرته وهو على بعد مئتي كيلو متر من العاصمة موسكو، عبر وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.


إنقاذ الدب


وانقذت وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الدب الروسي من سيناريو قاتم وحرب أهلية كانت وشيكة، ولا سيما بعد أن وصف بوتين تصرفات المتمردين بأنها مغامرة إجرامية وطعنة في الظهر وخيانة.


ونجح ألكسندر لوكاشينكو، في نزع فتيل الأزمة وتوصل إلى اتفاق مع قائد مجموعة فاغنر العسكرية، يقضي بإنهاء العصيان المسلح مقابل إغلاق القضية الجنائية بحق بريغوجين ونفيه إلى بيلاروسيا، وفتح الباب أمام بعض مقاتلي فاغنر ممّن رفضوا منذ البداية الانخراط في التمرد، أمام انضمامهم لصفوف الجيش الروسي والتعاقد مع وزارة الدفاع، وعدم خضوع عناصر الميليشيات المسلحة للملاحقة القانونية، مع عودتهم إلى معسكراتهم قبل حدوث الأزمة.


موسكو تدفع الثمن


المتابع لتطورات الأحداث في روسيا ولا سيما على سير العمليات العسكرية في أوكرانيا يدرك أن موسكو تدفع ثمن تخبطها العسكري في أوكرانيا، فمنذ بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير 2022 لم تتمكن من تحقيق أهدافها حتى الآن وتكبدت خسائر فادحة، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى، إلى الاعتماد على قوات فاغنر في مساعدة الجيش في المعارك الدائرة على الأراضي الأوكرانية، بسبب سوء إدارة المعارك وضعف الإعداد النفسي للجنود وبالتالي هبوط روحهم المعنوية، بسبب سياسات وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو.


يشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسس مجموعة فاغنر بقيادة طباخه الخاص يفغيني بريغوجن، عام 2014 لتنفيذ مهمات خارجية تمامًا كما يحدث في سوريا وليبيا والعديد من دول القارة الإفريقية، باعتبارها ذراعًا عسكريًّا لروسيا دون أن تتورط بشكل رسمي في شؤون هذه الدول، لكن مع تعثر الجيش الروسي في أوكرانيا، تم استدعاؤهم للمشاركة في دونباس لمساعدة القوات الانفصالية التابعة للجمهوريات الشعبية دونيتسك ولوهانسك المعلن عنها ذاتيًّا، بعد تراجع أداء الجيش هناك، فنجحوا في حسم العديد من المعارك وتحقيق النصر في مدينة باخموت الإستراتيجية، بعد معارك ضارية استمرت لشهور.


وتفجرت الأزمة عندما نسبت المؤسسة العسكرية الروسية النصر لنفسها، وتجاهلت دور فاغنر، الأمر الذي أثار سخط وغضب بريغوجن، إذ كان يرغب في الحصول على إشادة بجهود قواته وتزويدهم بالمزيد من الأسلحة والعتاد، لكن ذلك كله لم يحدث، بل إنه بمجرد الاستيلاء على المدينة وجهت له قيادة الجيش إنذارًا بمغادرتها وتسليمها لقوات الجيش، وعندما انسحبت قواته منها وتمركزت بمعسكراتها خلف خطوط الجبهة، قصفها الجيش بالمدفعية والصواريخ متعللًا بخطأ غير مقصود.


تقليم أظافر بريغوجين


بحسب الخبير الإستراتيجي المصري، اللواء جمال طه فإن قيادة الجيش الروسي سعت لتقليم أظافر بريغوجين، بأن فرضت دخولها كطرف رئيسي في التعاقد مع المتطوعين الراغبين في الالتحاق بقوات فاغنر، بل دعت عناصرها لتوقيع عقودٍ جديدة مع الجيش بدلًا من عقودهم مع قيادة «بريغوجين»، إذ قررت في 10 يونيو 2023 ضرورة توقيع جميع مفارز المتطوعين على عقود مع الحكومة.


وأضاف أن تلك العملية كانت تستهدف عزل قائد التنظيم عن قواته، تمهيدًا للإطاحة به، وضم قواته الى التشكيلات الخاصة في الجيش، مؤكدًا أن هذا الصراع كان في جانب كبير منه لأسباب غير موضوعية، ويعكس فسادًا داخل القيادة العليا للجيش، بعد فشلها في إدارة الحرب، ورغم ذلك فإن بوتين اتخذ موقفًا سلبيًّا إزاء تلك الحرب الدائرة بين قواته، ولم يساند رجله القوي بريغوجين، رغم أنه كان أكثر إخلاصًا من قادة الجيش، ما يفسر اتساع شعبية بريغوجين بين جنود الجيش بل وفى الأوساط المدنية.


ويكمل الخبير الإستراتيجي قائلًا: «إن قائد فاغنر، اتهم وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو بأنه تسبب في مقتل ألفين من رجاله في أوكرانيا، وأنه أمر بعدم إعلان ما حدث وإخفاء الجثث، مضيفًا أن معظم العسكريين يدعمونه هو وقواته لتتحقق العدالة في الجيش»، وتابع قائد فاغنر تصريحاته قائلا :«هذه الليلة سنحل قضية الخونة والمجرمين الذين أهانوا روسيا وهما وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وشويجو سيشنق في الميدان الأحمر وسيدفن في الضريح مع لينين»، وهذه التصريحات شكلت صدمة كبيرة في الداخل الروسي وشجعت بعض الجنود لدعم ومساندة موقف فاغنر بحسب قائدها، الذي كان يسعى لحصد ثمار نجاح قواته.


صمت بوتين


وأكد اللواء جمال طه، أنه على الرغم من أن تحرك عناصر فاغنر تجاه العاصمة الروسية موسكو لم يكن متوقعًا، فإن التوترات القائمة بين فاغنر والمؤسسة العسكرية كانت تشير لصعوبة الإبقاء على هذا التصعيد دون خروجه عن السيطرة، ولاسيما في ظل صمت الرئيس بوتين، حيث اعتاد قائد فاغنر أن يوجه الاتهامات واللوم إلى القيادة العسكرية الروسية، خاصة وزير الدفاع، حتى أنه اتهم هيئة الأركان العامة الروسية في فبراير الماضي2023 بالخيانة، كما هدد في مايو الماضي بالانسحاب من باخموت، وذلك على خلفية الخلاف مع وزارة الدفاع بشأن إمدادها بالذخيرة اللازمة لمواصلة مجهوده الحربي في باخموت، ولم يكن هذا التوتر الأخير بينهما، حيث رفضت فاغنر التوقيع على أي عقود تسمح بإخضاع المجموعة لسيطرة وزارة الدفاع، كما اتهم قائد فاغنر، الجيش الروسي بقصف معسكر يضم عددًا من عناصره، وتعهد بالرد على هذا القصف الذي نفته وزارة الدفاع.


وتوقع الخبير الإستراتيجي أن تشهد الأيام المقبلة تغيرات شاملة في القيادات العسكرية داخل الجيش الروسي، حتى بعد نزع فتيل الأزمة مؤقتًا مع فاغنر، مؤكدًا أن الرئيس بوتين وأن كان ما زال على رأس السلطة الإ أنه فقد هيبته، وبالتالي حصانته، ولا شك أن ما حدث خلال 48 ساعة منذ تحركات فاغنر وحتى الإعلان عن وقف الزحف تجاه موسكو، تسبب في صدمة كبيرة وحالة من الارتباك في الداخل الروسي.

"