هل تشعل الخلافات بين صربيا وكوسوفو موجة جديدة من التطهير العرقي والإرهاب بأوروبا؟
خلفيات
تتشكل التركيبة السكانية في كوسوفو من أغلبية ألبانية مسلمة، وتقع في الجزء الجنوبي من اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية، ويحدها من الشمال والشرق صربيا، وفي الغرب تقع كل من ألبانيا والجبل الأسود، وفي الجنوب مقدونيا، والإقليم في عمومه يتكون من غالبية مسلمة يشترك معهم الصرب، وهم من الشعوب السلافية التي قطنت جزيرة البلقان، وتعتبر كوسوفا جزءًا من الأراضي الألبانية التي انفصلت عنها بوجب معاهدة 1971 في لندن.
في الفترة ما بين عامي 1991 و2001 شهدت أوروبا حربًا عرقية شرسة أدت إلى انقسام يوغوسلافيا بعد كوارث إنسانية شنيعة انتهت معظمها باتفاق السلام، والاعتراف الكامل بكل دولة من الدول المستقلة عن يوغوسلافيا بعد خسائر فادحة في الأرواح وتدمير كامل للاقتصاد والبنية التحتية.
ومع اتفاق السلام بقيت مشكلتان أسايتان لم تحلا، وهي مشكلة من يرث الجيش اليوغسلافي، والمشكلة الثانية استمرار المؤثرات العرقية، فقد وقع الجيش الشعبي اليوغسلافي "جاي إن إيه" تحت يد حكومة سلوبودان ميلوشيفيش الصربية، وتدريجيًّا بدأ الجيش يفقد عناصره السولفاك والكروات والألبان، ليصبح جيشًا صربيًّا، ودخلت الصراعات العرقية في تلك الفترة في مرحلة خطيرة أدت الي سقوط نحو 22 ألف قتيل في كرواتيا بينهم 7 آلاف من الصرب، وكانت البوسنة والهرسك أكثر من تحمل العبء الأكبر من تلك الكوارث الإنسانية بما يزيد على 100 ألف قتيل، وبحسب الإحصاءات فقد كان 65% من القتلى من البوشناق، و25% من الصرب، 8% من الكروات، وفي كوسوفو سقط نحو 31 ألف قتيل.
وتشكل هذه الخسائر الصورة الأبرز من المخاوف التي تحيط بالأزمة المشتعلة حاليًّا إذ لا يزال الإرث السياسي والعرقي والديني مهيمنًا على الأرض، وقد ظهر فيا حمله المتظاهرون الصرب من لافتات وشعارات خلال الاحتجاجات التي بدأت ذروتها في الأسبوع الأخير من مايو 2023م.
التصعيد
في يوليو الماضي أجرت كوسوفو مجموعة من التعديلات التشريعية منحت بموجبها الأقلية الصربية مجموعة من المزايا، منها السماح لهم باستخراك بطاقات هوية، ورخص قيادة سيارات بشكل رسمي، أثارت تلك التشريعات موجة من الغضب في منطقة "ميتروفيتشا" ذات الأغلبية الصربية، والتي لاقت تأييدًا من صربيا نفسها، وسط أجواء متوترة منذ ديسمبر الماضي، والتي جاءت على خلفية الاحتجاجات التي أطلقها الصرب شمال كوسوفا اعتراضا على توقيف أحد رجال الأمن السابقين من أصول صربية.
صعد المتظاهرون من لهجتهم ضد كوسوفا باعتبار أنهم الأصل في البلاد، كما قدم عدد من المسؤولين الصرب في المنطقة استقالتهم من مناصبهم، الأمر الذي أدى بكوسوفو إلى تأجيل الإجراءات القانونية التي كانت أقرتها في السابق، في ظل المواجهات المستمرة مع المتظاهرين الصرب.
في الوقت نفسه بدأت صربيا في اتخاذ إجراءات وصفتها كوسوفو بالاستفزازية، وأعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش رفع مستوى الجاهزية في الجيش، واقترح مؤخرًا إرسال 1000 شرطي لحماية الصرب في منطقة "ميتروفيتشا" في كوسوفو ذات الأغلبية الصربية، وزعم أن كوسوفو في الأساس لا وجود لها وفقًا للقانون الدولي.
مخاوف من الإرهاب
ويقول الدكتور محمد عبد الرازق، الخبير في الشؤون الآسيوية والجماعات الإسلامية: إن اشتعال بؤرة جديدة من الصراع العرقي في شرق أوروبا القريبة من شمال شرق المتوسط قد يثير لعاب الجماعات المسلحة الموجودة في تلك المناطق، سواء في سوريا أو المؤيدين لهم في أوروبا في الحصول على أرضية جديدة يمكن التمركز فيها من جديد، واعتبارها نقطة انطلاق بديلة للنقاط التي خسروها خلال الأعوام الأخيرة في العديد من المناطق.
وأشار عبدالرزاق في تصريحات خاصة لـ"المرجع" إلى أن المسلمين يشكلون نسبة كبيرة في كل من صريبيا وكوسوفو، وما زالوا يتذكرون عمليات التطهير العرقي التي مورست ضدهم خلال التسعينيات، وقد تسمح الظروف التي لا تزال تحيط بهم حاليًّا في استقبال هذه النوعية من العناصر من الخارج والدخول بها في قلب الصراع الدائر حاليًّا.





