بين مطرقة الدب وسندان الرايخ.. أسباب القلق الغربي من تنامي قوة الجيش الألماني
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية حجرًا كبيرًا في مياه السياسة الدولية، وخريطة التحالفات العالمية، وأثارت الكثير من المخاوف لدى العديد من الدول وعلى رأسها ألمانيا، إذ دفعتها المخاوف من التوسع الروسي في الداخل الأوروبي إلى التفكير الجدي في ضرورة إحياء الجيش الألماني الذي وصل تعداده إبان الحرب العالمية الثانية خلال القرن الماضي إلى نحو 18 مليون جندي، ولكن تقلص عدده ودوره إلى 200 ألف عقب هزيمة النازيين عام 1945.
تحديث الجيش
الحرب الروسية الأوكرانية، وحدت الشعب الألماني على قلب رجل واحد وجعلت البرلمان يقر تعديلًا دستوريًّا في يونيو 2022، يتيح تخصيص استثمارات بنحو مئة مليار يورو، لتحديث الجيش، ما يشكل منعطفًا تاريخيًّا في سياسة ألمانيا الدفاعية، إذ تجاوز إنفاقها العسكري نسبة 2% من الناتج القومي الإجمالي، بالإضافة إلى رغبتها في الخروج عباءة حلف شمال الأطلسي "ناتو" والولايات المتحدة الأمريكية، وتؤكد رغبتها في العودة كدولة عظمى كما كانت أبان الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أثار مخاوف دول القارة العجوز من عودة النازية مرة أخرى.
وأكد المستشار الألماني أولاف شولتس، أن بلاده تسعى إلى تطوير وامتلاك أكبر جيش تقليدي أوروبي في حلف الناتو، مشيرًا إلى أن الوضع الاستراتيجي لألمانيا وتقدمها التكنولوجي والاقتصادي يتطلب ضرورة امتلاك قوة عسكرية مستقلة لا تعتمد سوى على ذاتها في التخطيط والأهداف والتطوير.
وأكد أن بناء جيش ألماني قوي لن يخيف أوروبا، لاسيما بعد تخليه، منذ إعادة تأسيسه عام 1955، عن التقاليد التوسعية النازية، والتزامه قيم الجمهورية البرلمانية الديمقراطية، الكفيلة بتبديد أية هواجس.
جيش خالي الوفاض
وتجدر الإشارة هنا إلى تصريحات الجنرال ألفونس مايس، قائد الجيش الألماني، عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والتي أكد فيها أن جيش بلاده خالي الوفاض، والخيارات التي يمكن أن يقدمها للحكومة لدعم حلف الناتو محدودة جدًّا.
ومنذ أيام قليلة مضت قال الجنرال مايس إن الصندوق الخاص الألماني للجيش الألماني، والذي خصص مئة مليار يورو في ضوء الحرب في أوكرانيا، لا يكفي لتجهيز القوات المسلحة في البلاد بشكل كامل.
من جانبه، أكد محمود الأفندي، الباحث المختص في العلاقات الدولية، أن الدول الغربية تخشى من تنامي قوة الجيش الألماني مرة أخرى خوفًا من تكرار ما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ كان قادرًا على ابتلاع القارة العجوز، وأكبر دليل على ذلك المخاوف التي عبر عنها مسؤول بارز في وزارة الدفاع البولندية، إذ قال: «قلقنا الأكبر هو امتلاك ألمانيا لجيش قوي».
وأضاف الأفندي أن أكبر دليل على مخاول الدول الغربية، ما تم الكشف عنه من فضائح حول التجسس الأمريكي على مكتب الحكومة الألمانية، منذ فترة حكم المستشارة أنجيلا ميركل والمستشار الحالي شولتس، حيث تبين أن الولايات المتحدة زرعت جواسيسها داخل وزارة الدفاع الألمانية وهو ما أغضب برلين، وذلك يؤكد خوف الإدارات الأمريكية من عودة قوة الجيش الألماني لسابق عهده ولكن المرة الحالية في ظل احتمالية حروب نووية وتفوق ألماني في تكنولوجيا الأسلحة غير التقليدية الحديثة بشكل يضعها في صدارة القوى العظمى في الوقت الذي لا تمتلك فيه ألمانيا مقعداً دائمًا في مجلس الأمن.
بين مطرقة الدب وسندان الرايخ
وأكد أن نفس الأمر ينطبق على الدول الغربية إذ إن السماح للقوة العسكرية الألمانية للوصول إلى أوج ذروتها وسيطرتها في ظل تصاعد الدور السياسي للأحزاب اليمينية المتشددة في ألمانيا يعزز من خطورة الجيش الألماني، إذ استعاد قوته القديمة قبيل هزيمته في الحرب العالمية الثانية، ما ينذر بموجات عنف غير مسبوقة في القارة العجوز، ويجعلها بين مطرقة الدب الروسي وسندان الرايخ الألماني، فمعظم قادة الجيش الألماني أصحاب انتماءات يمينية متشددة، ويرون ضرورة استعادة مكانة الجيش الألماني مرة أخرى، خاصة عقب الكشف عن مواقف الإدارات الأمريكية غير المضمونة تجاه قضايا أمنية أوروبية أو خارج القارة الأوروبية.
وأضاف الباحث المختص في العلاقات الدولية أن صحيفة "إندبندنت" البريطانية أكدت في تقرير لها أن الفرنسيين وغيرهم على دراية كاملة بما يقدر الألمان على فعله لجعل أوروبا تعيش كابوسًا، وأن ستة أشهر هي مدة كافية لامتلاك ألمانيا أسلحة نووية وقلب مصانعها المدنية إلى عسكرية، وهذا ما صرح به المستشار الألماني، إذ قال: «سنمتلك أكبر جيش في أوروبا لذا فعلى العالم التأهب والانتظار».
ومن أجل ذلك سارع كل فنلندا والسويد وبولندا إلى التقدم بطلبات للانضمام إلى حلف الناتو لتكون تحت مظلة حماية عسكرية تحميها خلال أي حوادث كبرى؛ لأن تلك الأجواء تذكر باستعدادات النازية بقيادة أدولف هتلر لاجتياح أوروبا، حتى إن روسيا انتقدت بشدة إعادة بناء الجيش الألماني، وأكدت أن ذلك يعيد العالم إلى حقبة النازية من 1939 إلى 1945.





