مؤشرات انقلاب داخل «طالبان».. لماذا الآن؟

قبل وصول «طالبان» إلى السلطة مرة أخرى في أفغانستان خلال منتصف أغسطس 2021م، دخلت الحركة في سلسلة من المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي، وهي العدو الأول لطالبان.
ومع عدم وجود معلومات عما يجري في كواليس حركة طالبان، لم يكن هناك حديث عما إذا كانت المفاوضات مع واشنطن تحظى بالإجماع داخل الحركة أم لا، غير أنه خلال الفترة القليلة الماضية والتي بدأت مطلع العام الجاري، شهدت طالبان تحركات من الداخل تلمح إلى وجود مؤشرات على انشقاقات عميقة بين الحمائم والصقور داخلها.
بوادر الانشقاق
بعد إعلان حركة "طالبان" تشكيل الحكومة المؤقتة نهاية أكتوبر 2021م، وقعت مجموعة من الأحداث غير الطبيعية داخلها، وعندما تم تسريبها إلى وسائل الإعلام المحلية، بدأت طالبان السيطرة عليها وإبرازها في صورة خلافات بسيطة، أو مجرد مشادات على أمور شكلية لا تأثير لها وسرعان ما انتهت.
شملت تلك الأحداث اختفاء الرجل الثاني في الحركة «عبدالغني بردار» رئيس الجناح السياسي لها، ورئيس الحكومة بالوكالة لما يقرب من أسبوعين.
وعللت الحركة اختفاء "برادر" بسبب خلافات اشتعلت داخل طالبان في 14 سبتمبر 2021م حول تشكيل الحكومة، مؤكدة أن مشادة وقعت بين بردار وبين أحد أعضاء مجلس الوزراء الرافضين لتوليه رئاسة الحكومة، وأشارت المعلومات حينها إلى أن المشادة وقعت بين بردار وعبدالرحمن حقاني وهو شخصية بارزة في شبكة حقاني المتشددة، وأن الطرفين تبادلا خلالها كلمات قوية، وانقلبت المشادة إلى مشاجرة بين مؤيدي الطرفين.
ظهور شبكة حقاني
بعد مرور ما يقرب من عامين على هذه المشادة، التي لا تزال حركة طالبان تتكتم على تفاصيلها، كما تتكتم على ما يجري داخل كواليسها، ظهرت بوادر لوجود أزمة عميقة داخل الحركة، ويبدو أنها أحد أصداء الخلاف الذي وقع بين الجناحين، السياسي والمسلح على خلفية تشكيل الحكومة بين "بردار" و"عبدالرحمن حقاني" والذي كانت له أسبابه التي لم تظهر بعد بصورة رسمية للعلن.
في العاشر من فبراير 2023م، ظهرت ولأول مرة أصوات المعارضة الداخلية للحركة في اجتماع حضره سراج حقاني وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، وذلك بمدينة خوست الأفغانية، وهاجم "حقاني" قيادات طالبان وطال هجومه زعيم الحركة نفسه الملا هيبة الله أخوند زاده، متهمًا الحركة باحتكار السلطة والتضييق على الشعب وممارسة الديكتاتورية، وفرض وجهة نظر معينة على الناس.
وكانت كلمات حقاني كهزة أرضية حركة الصخور الصلبة داخل طالبان، الأمر الذي أدى إلى أن يسارع ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان إلى الدفاع عن قيادات الحركة، واصفًا ما يجري بأنه عمل لا يليق، وانه إذا أراد شخص أن ينتقد أميرًا أو زيرًا أو نائبًا فهناك طرق أخرى غير الحديث في العلن، وقال: "ينبعي نقل النقد إليه بطريقة آمنة ومأمونة لا يسمعها أحد غيره".
مولوي يعقوب
ينتمي "مولوي محمد يعقوب" إلى مجموعة عائلة الملا محمد عمر الزعيم الأول لطالبان، وهي إحدى المجموعات القوية داخل الحركة، وقد نشرت تسريبات لمحمد يعقوب وزير الدفاع في طالبان يلمح خلالها إلى وجود عصيان ضد قيادة الحركة، قائلًا فيها: لا ينبغي على المرء أن يطيع أحدًا بشكل أعمى".
وأشار موقع "الثامنة صباحا" إلى أن مولوي تحدث إلى الضباط حديثي التخرج خلال تسجيل فيديو مسرب قال فيه: "لقد أعطانا الله حكمة وفكرًا لذلك يجب ألا نطيع أحدًا وأعيننا مغمضة".
الانقلاب متوقع
وحول إمكانية وقوع انقلاب عسكري داخل حركة طالبان، قال الباحث والخبير في الجماعات الإسلاموية، "أحمد زغلول شلاطة" في تصريحات خاصة لـ"المرجع" إن فكرة الانشقاقات أمر معتاد داخل الجماعات الإسلامية بصفة عامة، لأنها في الأساس مبنية على التشكيك، ويمكن أن نقول إن كل الجماعات الجهادية شهدت انشقاقات بدرجة أو بأخرى نتيجة العوامل السياسية والشخصية لهذه الجماعات، وهي التي تتحكم في طبيعة وحجم الانشقاق.
وأضاف "شلاطة" أن طالبان مثلها مثل غيرها من تلك المجموعات وتاريخها مليء بمثل هذه الحِراكات الداخلية بشكل أو بآخر، وبدقة، بأكثر فالجهاز الأمني والعسكري داخل الجماعات المسلحة تكون له بنية شخصية أكثر تشددًا وانغلاقًا، ويفتقد إلى المرونة الموجودة عند المجموعة السياسية، وبالتالي يكون أي اختلاف في وجهات النظر أو تباين في المواقف يكون بداية لوقوع انشقاق داخل الحركة أو الجماعة.
وأوضح أن الانشقاق لا يأتي بشكل مفاجئ بل يأتي من خلال الاختلافات المتكرة التى تؤدي إلى ضعف الترابط بين عناصر الحركة وتكون نتيجته الوقوع في الانشقاق.