ad a b
ad ad ad

«سجون أردوغان».. «الطاغية» يحول تركيا إلى معتقل كبير

الأربعاء 25/ديسمبر/2019 - 12:04 ص
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة

يمتلئ سجل نظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بتجاوزات خطيرة في مجال حقوق الإنسان، وخاصة في قطاع السجون، إذ تجري أعمال تعذيب وتنكيل وعمليات قتل تطلق السلطات التركية على بعضها صفة الانتحار للهروب من مساءلة المجتمع الدولي.


ويتم التعذيب داخل سجون أردوغان، بصورة ممنهجة، إذ تم رصد 2196 واقعة، خلال عام 2018، و1123 واقعة تعذيب خلال 2019، وهذه الأرقام تؤكد أن استمرار التعذيب لم يعد يقتصر على السجون الثلاثة الشهيرة في "إسطنبول" و"أنقرة" و"ديار بكر" فحسب، التي تدخل ضمن قائمة أسوأ 10 سجون في العالم، بل امتد إلى باقى السجون، بحسب النائب التركي سازجين تانريكولو.


«سجون أردوغان»..

أرقام متصاعدة


بلغ عدد النزلاء داخل السجون التركية، حينما تولى حزب العدالة والتنمية، مقاليد الحكم عام 2002، 52 ألف سجين، فيما أكدت تقارير حكومية أن أعداد السجناء تضاعفت إلى 280 ألف سجين، خلال 17 عامًا فقط من حكم الحزب.


وتزايد عدد المعتقلين عقب الحملات الأمنية الواسعة التي أطلقتها السلطات بعد الانقلاب المزعوم عام 2016، الذي طال عددًا كبيرًا من المواطنين من مختلف الأطياف بتهمة التورط فيه، ولاستيعاب الزيادة الكبيرة في أعداد السجناء، أعلنت المديرية العامة للسجون ومراكز الاحتجاز التابعة لوزارة العدل، أنها تخطط لبناء 193 سجنًا جديدًا خلال 5 سنوات، ليُصبح إجمالي عدد السجون 582 سجنًا. 


ومن بين هذه السجون، 126 سجنًا في مرحلة الإنشاء و23 في مرحلة المناقصة و35 في مرحلة المشروع و9 في مرحلة التخطيط، بتكلفة إجمالية، 26 مليار ليرة (نحو4 مليارات وثلاثمائة وأربعين مليون دولار أمريكي).


افتتحت السلطات التركية خلال الفترة الممتدة بين عامى 2006-2019 (166) سجنًا جديدًا، وتعمل مصلحة ورش السجون التي تقوم بتوظيف النزلاء على إقامة 43 سجنًا، حاليًا فى مدن مختلفة، من المنتظر أن يتم الانتهاء منها بحلول عام 2021، وتصل تكلفتها إلى 4 مليارات و59 مليون ليرة ( 672 مليون دولار تقريبًا).


ولأن شر البلية ما يضحك، فقد أرسل نائب حزب العدالة والتنمية في مدينة «أغري» عاصمة محافظة أغري شرق تركيا، أكرم شلبي، رسائل نصية للمواطنين في المدينة بعنوان "بشرى سارة"، تحمل البشرى ببناء سجن جديد في المدينة، ما يعكس عقلية الحزب.


وأثار الأمر اعتراضات المعارضة، إذ أكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري "تيكين بينجول" رفضه لسياسات الحزب الحاكم قائلا: «من يريد أن يرى حقيقة هذا البلد، عليهم أن يلقوا نظرة على السجون، فقد تم الإعلان مسبقًا عن إنشاء 37 سجنًا جديدًا خلال 5 سنوات، إن هذا البلد لم يعد يشيد المصانع، لم يعد ينتج»، مشيرًا إلى أن تعداد المحتجزين داخل السجون تضاعف أكثر من مرة منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في 2002، رغم إطلاق سراح 280 ألفًا و675 شخصًا بسبب عدم وجود أماكن شاغرة.


وأكد "بنجول" أن السجون فقدت خصائصها كأماكن للإصلاح خلال فترة حكم العدالة والتنمية، وتحولت إلى "أماكن للموت"، فقد مات 3 آلاف و432 شخصًا خلال فترة حكم "العدالة والتنمية"، منهم 426 شخصًا خلال عام 2015 فقط، كان بينهم 54 قيد الاحتجاز، و43 ماتوا عن طريق الانتحار.


ويشار إلى أن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو أعلن أنه تم فتح تحقيقات منذ 15 يوليو 2016 مع أكثر من 559 ألف شخص، كما ألقى القبض على 261 ألفًا و700 بتهمة التورط في محاولة الانقلاب المزعومة، فيما صدرت بحق 91 ألفًا و287 قرار اعتقال.


اقرأ أيضًا: حصاد الدم والقهر.. تركيا تتآكل وشعبية «أردوغان» تنهار


«سجون أردوغان»..

تعذيب وتنكيل واغتصاب


نجح نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تسجيل أرقام قياسية، في القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، منذ توليه عام 2003، وأزدادت ضراوتها بعد مسرحية انقلاب 15 يوليو 2016، ضاربًا بالتحذيرات والانتقادات الدولية عرض الحائط.


ويبلغ إجمالى المعتقلين بالسجون التركية 280 ألف معتقل، بينما تبلغ الطاقة الاستيعابية القصوى لها 220 ألفًا فقط، بزيادة 60 ألف معتقل، وهناك سجون طاقتها الاستيعابية 5 آلاف فقط، وتضم 10 آلاف نزيل.


وكشف تقرير حديث نشره موقع «نورديك مونيتور» السويدي، تفاصيل عمليات التعذيب الممنهجة التي يتعرض لها ضحايا النظام في السجون، إذ أنشأت هيئة الأركان العامة التركية، مركزًا سريًّا للتعذيب داخل مقرها استخدمت فيه أساليب الإيهام بالغرق والصدمات الكهربائية على الضباط المؤيدين لحلف الناتو، حسبما كشف التقرير.


وسائل التعذيب لم تقف عند هذا الحد، بل يتم الاعتداء الجنسي علي النزلاء بعد وصلات من العنف الجسدي، إذا ثبت وجود شبهة لعلاقة بحركة فتح الله جولن المعارضة للنظام، وهذا ما كشفته نقابة المحامين في محافظة "أورفا"، إذ تلقت بلاغات بتعرض 54 شخصًا للاعتداء الجنسي.


وسلطت منظمة"Advocates of Silenced Turkey" الحقوقية الأمريكية، الضوء على عمليات الاعتقال والتعذيب في تركيا، ولاسيما منذ محاولة الانقلاب المزعوم، إذ توفى 93 شخصًا نتيجة التعذيب المتواصل.


ورصد تقرير المنظمة حالات تعذيب للمرأة داخل السجون ومراكز الاحتجاز، من بينهن آيتان أوزترك، التي تم اعتقالها وتعرضت للتعذيب نحو ستة أشهر متواصلة، فضلًا عن احتجازها عارية، وإغراقها بالمياه، وحرق أصابعها، ووضعها فى صندوق يشبه التابوت لفترات طويلة حتى لا تتمكن من التحرك، إثر مزاعم تتعلق بارتباطها بحزب العمال الكردستاني، وما زال احتجازها مستمرًا.


 أردت الموت، ولم أعد أندهش لماذا ينتحر الأشخاص خلف القضبان"، كان هذا تعليق مواطن تركي، ظل مختفيًا لمدة تزيد على المائة يوم، ثم ظهر ليعلن أنه كان رهينة لدى جهاز المخابرات التركية طوال هذه الفترة، حيث فوجئ باختطافه يوم 30 سبتمبر 2017.


ووفق مركز "ستوكهولم" للحريات، فقد ظل "كيشي" ينزف لعدة أيام بسبب عمليات التعذيب، وتم وضعه في صندوق صغير الحجم لمدة 108 أيام، وتم تجريده من ملابسه مرارًا وتكرارًا، وتعرض للصعق الكهربائي وحُرم من الماء.


وسجلت منظمات حقوق الإنسان في تقاريرها المختلفة أن الاغتصاب والتحرش الجنسي يُستخدم في السجون كأحد أنواع التعذيب وبصور شائعة أثناء التحقيقات، ويوثق ذلك تصريحات "نيلس ميلر" المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمراقبة أعمال التعذيب وغيرها من أشكال المعاملة القاسية واللا إنسانية قائلًا: «لقد حصلت أنا وفريقي على عديد من الشهادات المثيرة للقلق حول التعذيب وغيره من أشكال سوء معاملة السجناء الذكور والإناث».


للمزيد: أردوغان في خدمة الإرهاب.. عشرات الدواعش يهربون من سجون «قسد»


«سجون أردوغان»..

سجن «سيليفري» سييء السمعة، أسسه الرئيس التركى عام 2008 ليكون واحدًا من أكبر السجون، الذي تنوعت وسائل التعذيب فيه بعد الانقلاب المزعوم، بين السحل والدهس بالأحذية، والصعق بالكهرباء.


وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا أكدت فيه أن المعتقلين في «سيليفري» وغيره يجبرون على الجثو على الركبتين، ثم يضربون بالعصي، ويحرمون من النوم، حتى يقبلوا بالتوقيع على الاعترافات المقدمة إليهم.


أما سجن «ديار بكر» الحربي، والمخصص للمعتقلين الأكراد، فقد رصد تقرير آخر، أصدرته جمعية حقوق الإنسان، أن 433 معتقلًا به تعرضوا للتعذيب، خلال عام واحد، كما قتل 11 معتقلًا جراء التعذيب.


الاغتصاب والتحرش عقوبة المعارضات


المرأة التركية ليست أسعد حظًا من الرجل، إذ تعرض كثير من النساء المحسوبات على حركة «الخدمة» للمعارض فتح الله جولن، للاعتقال، وبلغ عددهن 18 ألف امرأة، من ربات بيوت إلى صحفيات ومعلمات وأكاديميات وطبيبات ومهنيات وسيدات أعمال، بلا أي سندٍ قانوني. 


ويعد تدنى الرعاية الصحية وعدم تقديمها للسجينات أحد أنواع العقاب، ففي حالات عديدة كشف محامون وأفراد عائلات الضحايا ونشطاء حقوق الإنسان عن وقائع خطيرة، تتعلق بالتمييز وسوء معاملة النساء أثناء الحمل والولادة، ولاسيما فترة ما بعد الولادة.


أمام حملات القمع المتواصلة، أكتظت السجون المخصصة للنساء، وفقدت قدرتها على الاستيعاب، ولذا اتجهت الحكومة فى سابقة خطيرة إلى إيداعهن في سجون الرجال، الأمر الذي يُمثِل عقوبة إضافية، حيث تكثر عمليات التحرش الجنسي بهن، وربما الاغتصاب، ويحرص مسؤولو السجون على تذكير المحامين الذين يمثلون النساء بهذه الرسالة لإبلاغها للنزيلات: «أبلغوا السجينات ألا يقاومن، فهذا سجن للرجال، وأمن السجن من الرجال، ونحن غير مسؤولين عما يمكن أن يحدث».


وقد أثار قرار نقل السجينات إلى سجن «سيليفري» المغلق رقم 9 في مدينة إسطنبول المخصص للرجال، حالة من الغضب لدى المنظمات الحقوقية الدولية، لاسيما بعد تركيب إدارة السجن كاميرات مراقبة داخل دورات المياه الخاصة بالنساء، لمراقبتهن.


أمام هذا الانتهاكات أطلقت منظمة «العمل من أجل مساعدة اللاجئين» الألمانية، حملة دولية لجمع التوقيعات لإنقاذ 864 رضيعًا، أعمارهم أقل من 6 سنوات، محتجزين مع أمهاتهم، منهم 149 لم تتجاوز أعمارهم السنة، بالمخالفة للقانون التركي رقم 5275 الذي يمنع اعتقال وحبس الرضع حديثي الولادة وأمهاتهم.


هناك أيضًا أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من المدارس والجامعات معتقلون في السجون، ويتعرضون لمعاملة سيئة، تشتمل على التحرش الجسدي والابتزاز داخل غرف التحقيق.


«سجون أردوغان»..

تكميم الأفواه


حجر واحد وأهداف عدة، إذ استغل رجب طيب أردوغان مسرحية انقلاب 2016 الهزلية، في التخلص من جميع خصومه في ضربة واحدة، وكانت بمثابة فرصة ذهبية لإعادة تشكيل الجيش، وتفريغ الحياة السياسية من أية قوة يمكنها أن تنافسه، خصوصًا حركة الخدمة، التي يتزعمها فتح الله جولن، وتكميم الصحافة بالقبض على الصحفيين وإغلاق الصحف والمنصات الإعلامية.


قد يهمك أيضًا: إرهاب وخطف واغتيال.. مخابرات أردوغان تطارد معارضيه في أوروبا


وكشف مركز ستوكهولم للحريات، أن تركيا أصبحت أكثر دول العالم سجنًا للصحفيين والإعلاميين، إذ خضع 110 صحفيين لمحاكمات في سبتمبر الماضي فقط، كما اعتقلت السلطات 4 آخرين بتهم جاهزة ومعدة مسبقًا.


وتُظهر الأرقام التي وثقها المركز أن 236 صحفيًّا وعاملًا يقبعون في السجون، بينهم 168 في انتظار المحاكمة، في حين أدين 68 بتهم زائفة وصدرت أوامر اعتقال بحق 147 يعيشون في المنفى أو هاربين، فضلًا عن إغلاق 15 وكالة إخبارية، و20 قناة تلفزيونية، و25 محطة راديو، و70 صحيفة، و20 مجلة، و29 دار نشر، و1767 وقفًا واتحادًا ومنظمة.


ويعاني الصحفيون، أوضاعًا مزرية في السجون، كما يتعرضون لأنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي كشف عن بعضها، ومن هذه الحالات التي تم الكشف عنها عائشة نور باريلداك، وهي صحفية شابة قبض عليها في 11 أغسطس 2016 بتهمة انتمائها لجماعة إرهابية، وأرسلت عائشة من السجن رسالة تم تسريبها إلى صحيفة يومية خلال شهر أكتوبر 2016، شرحت فيها تعرضها لسوء المعاملة والتحرش الجنسي، وفي محاولة لتذكير الناس بقضيتها قالت في نهاية رسالتها: إنها تخاف من أن تُنسى داخل السجن.


كما تعرض عدنان كوماك، الصحفي بوكالة "أزاديا والت" الإخبارية، الذي اعتقل في 27 سبتمبر 2016، للتعذيب من قبل الشرطة في مكان مهجور لمدة يومين، وصرح بأن ضباط الشرطة الذين اعتقلوه أشعلوا النار في بطاقته الصحفية، وصبوا البلاستيك المذاب منها على رجليه.


وتحتل تركيا المركز 157 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة.

"