جهود بلا فائدة.. السجون الأوروبية تحت سيطرة الإرهابيين
لا تزال مساعِي الدول الغربية بمحاصرة التطرف ومنع انتشار الفكر المتشدد غير فعَّالة في الكثير من المواضع، وأبرزها المخاطر المتعلقة بالسجون، والتي يشكلها الإرهابيون بالداخل، خاصة أولئك الذين يختلطون بغيرهم ويحاولون الترويج لأفكارهم، واعتبارها فرصة لتجنيد المزيد من العناصر داخل السجن.
وحذَّر تقرير صادر من المراجع المستقل لتشريعات مواجهة الإرهاب في بريطانيا جوناثان هول، من فشل مصلحة السجون في البلاد، في إدراك المخاطر التي تُشكلها العناصر التابعة للتنظيمات الإرهابية، مشددًا على أنه لا يجب أن تتوفر فرص للمسلحين للتخطيط لهجمات جديدة، خاصة أن المصلحة فقدت دورها في المساعي الوطنية للحدِّ من مخاطر الإرهاب.
وتجددت التحذيرات من انتشار التطرف في السجون في أرجاء القارة الأوروبية، بعد أن باتت تمثل بؤرًا لتفشي الفكر المتطرف، إذ تسبب وجود عدد ممن ينتسبون إلي التنظيمات الإرهابية مثل «داعش والقاعدة» ويقضون عقوبات بالسجن لسنوات أو مدى الحياة، في جعل سجناء الجرائم العامة عُرضة لتلقي الأفكار المتطرفة، من خلال تلك العناصر الإرهابية؛ وخاصة بعد أن تلاحظ وجود زيادة تدريجية في عدد المجرمين المتطرفين في السجون، الأمر الذي يُشكل تهديدًا لأمن المجتمع، ويتطلب اهتمامًا خاصًّا وجادًّا بهذه المشكلة.
معارك لفرض السيطرة
لفت تقرير المراجع المستقل لتشريعات مواجهة الإرهاب في بريطانيا جوناثان هول، والذي حمل عنوان «الإرهاب في السجون» وصدر
منتصف أبريل 2022، إلى أن تأثير الجماعات الإرهابية في السجون لم يحظ بالتقييم الكافي، وأصبحت
مناقشة الأديان، والإسلام على وجه الخصوص، منطقة محظورة لموظفي السجون في
بريطانيا، إذ فرض السجناء على الموظفين عدم التواجد خلال صلاة الجمعة، إضافة إلى وضع شروط
لتواجدهم مثل خلع الموظفين أحذيتهم.
وتتنوع سُبل الاستقطاب، فيعرف المتطرفون المنتمون للتنظيمات الإسلامية كيف يستقطبون السجناء الجنائيين، الذين لا يملك معظمهم سوى مستوى تعليمي محدود، حيث يعملون على إدخال الواحد منهم في شبكتهم الاجتماعية تدريجيًّا، ثم يدعونه لحضور حلقاتهم الدينية حتى يصبح مقتنعًا تمامًا بالفكر المتطرف، وبمجرد خروجه من السجن تنتقل الأفكار التكفيرية التي تلقاها في السجن إلى حيز التطبيق على أرض الواقع.
ولذلك أنشأت مصلحة السجون البريطانية، ثلاثة مراكز فصل، وسجونًا داخل السجون، بحيث يُمكن إبعاد المتطرفين الأكثر نفوذًا عن السجناء الآخرين، وتضم هذه المراكز الثلاثة، وهي مركز فصل فرانكلاند بدائرة سجون صاحبة الجلالة، ومركز فصل وودهيل، ومركز فصل فول سوتون، 28 مكانًا للسجناء المتطرفين.
اللاعنف هدف
ويظهر اتجاه في دول الغرب يقول إن اللاعنف هو الهدف الأساسي، وليس التطرف؛ أي أن الجهد المبذول يكون في منع العنف؛ حتى مع ملاحظة تجنيد البعض أو تغيير سلوكهم وأفكارهم تأثرًا بالآخرين، لا سيما أن السجون غير مهيأة لتقديم تعليم ديني، ومن الصعب للغاية تغيير أفكار السجناء، ومع ذلك فإن محاولة إقناعهم بعدم اللجوء إلى الأسلحة من أجل الدفاع عن أفكارهم هي أكثر قابلية للتحقيق على أرض الواقع.
ومن أبرز الجهود الأوروبية في مكافحة التطرف الخطوات الفرنسية التي قضت بتعيين دفعات من المرشدين الدينيين لإقناع المتشددين الإسلاميين في سجونها بالإسلام الوسطي.
وفي ألمانيا تحرص السلطات على مراقبة السجناء المسلمين عن كثب، وعزل المتشددين منهم عن باقي السجناء، إلا أن مراقبين يُشككون في جدوى هذه السياسات، إذ لا يُمكن معرفة السجين إن تمَّ استقطابه للفكر الجهادي من عدمه، إلا بعد مغادرته وارتكابه أعمالًا إرهابية.
ورغم أن السجون تبذل
جهدًا في عزل المتطرفين لكنها لا تُعالج المشكلة فعلاً، حيث تحتاج إلى خبراء في الفكر وآخرين في علم النفس، ولكن
التكلفة ستكون باهظة، بيد أنها لا تُقارن بما يمكن أن يحدث عندما يخرج هؤلاء الناس من السجون، وينفذون عمليات إرهابية تستهدف المدنيين والأبرياء.





