مستقبل صراعات الشرق الأوسط في ضوء المتغيرات العالمية خلال 2023
تلعب المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية، دورًا كبيرًا في مستقبل دول الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات ومشاكل تصل إلى حدِّ الصراعات ولعل أبرز تلك الدول هي، اليمن وليبيا وسوريا، حيث تعاني منذ زمن فوضى، وعدم استقرار بفعل النزاعات والحروب الأهلية.
اليمن لا جديد رغم المفاوضات
في اليمن أسفرت الصراعات الإقليمية عن استقطابات حادة بين القوى المحلية في هذه الصراعات، سواء بين قوى الشرعية اليمنية وخصومها من ميليشيا الحوثيين، وباءت كل محاولات تسوية الخلافات بين الجانبين بالفشل، وذلك مثلا عبر مفاوضات فيينا 2015، والكويت 2016، ثم فشل مبادرة واشنطن في نهاية عام 2016، ثم المبادرة العُمانية 2021، وصولًا إلى فشل تجديد مبادرة التهدئة الأممية التي بدأت في الثاني من أبريل عام 2022 وانتهت في الثاني من أكتوبر من العام نفسه.
وكان تشدد الحوثيين سببًا رئيسيًّا لفشل المفاوضات، ولا توجد أدنى إشارة لاستعدادهم لتليين مواقفهم باتجاه الاحتكام لآليات ديمقراطية؛ لأنهم يعرفون نتائجها سلفًا، علمًا بأن أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ألقى بثقله في مفاوضات بهدف الحل ولكن دون جدوى، كما واجهت المبادرتان الأمريكية والعُمانية المصير نفسه.
انقسام سياسي في ليبيا
ينطبق الأمر نفسه على ليبيا التي تنقسم فيها القوى السياسية بين موالين لنظام القذافي السابق، وأنصار الثورة عليه، الذين ينقسمون بدورهم إلى قوى مدنية وأخرى ترفع شعارات الإسلام السياسي، فضلاً عن الخلافات القبلية أو الأسس القبلية للانقسامات الراهنة، والصراع بين قوى شرق ليبيا وغربها.
الوضع السوري المحتقن
في سوريا صمد نظام الرئيس بشار الأسد، في مواجهة معارضيه من القوى المدنية السياسية والعناصر العسكرية المنشقة عن الجيش النظامي والقوى المسلحة التي ترفع شعارات إسلامية، والتى بعضها يصنف دوليًّا "فصائل إرهابية"، فضلًا عن الأكراد السوريين الذين يطالبون بحكم ذاتي، ما أدى إلى زيادة حالة الاحتقان السياسي، كما في الحالتين اليمنية والليبية، حيث فشلت كل المحاولات لتجاوز تلك الاستقطابات.
دور إيران وتركيا
تعد كل من إيران وتركيا، الدولتان الأبرز في الصراعات المسلحة الموجودة في الدول السابق ذكرها، إذ تلعبان دورًا بالغ الأهمية في دعم الفصائل المسلحة لضمان استمرار تأثيرهما، فإيران تعد الداعم الأساسي، إن لم يكن الوحيد، للحوثيين في اليمن، وبدون هذا الدعم تتقلص قدرتهم كثيرًا على الصمود بوجه معسكر الشرعية، بل تنتهي تمامًا فيما يتعلق بقدرتهم على الهجمات المضادة بالصواريخ والطائرات المُسيّرة.
أما تركيا، فهي فاعل رئيسي في الصراعين الليبي والسوري، ففي ليبيا تدعم الغرب بالمشورة العسكرية والسلاح والتدخل غير المباشر، كما لعبت دورًا في عرقلة وصول قوات الجيش الوطنى الليبي العاصمة طرابلس.
وفي سوريا، كان الدور التركي أكثر وضوحًا، إذ لا تكتفي أنقرة بدعم الفصائل المسلحة، بل تتدخل عسكريًّا للقضاء على ما تعتبره تهديدًا لأمنها وبالذات من منظور تخوفها من طموحات أكراد سوريا إلى حكم ذاتي واحتمال تطور هذه الطموحات إلى المطالبة بالانفصال، وهو ما تتخوف تركيا من تداعياته على وضع أكرادها الذين يمثلون أكبر تجمع كردي في العالم في دولة واحدة، ونتج عن ذلك سيطرتها على أجزاء من سوريا.
جمود المتغيرات الداخلية
المعطيات السابق ذكرها، تشير إلى جمود المتغيرات الداخلية في الصراعات الثلاث في اليمن وليبيا وسوريا؛ بمعنى غياب أي تغيير جذري في تفاعلاتها يمكن أن يشير إلى نقلة نوعية في موازين القوى بينها، تؤدي إلى حسم أي من تلك الصراعات أو التوصل لتسوية فيها بفعل حركة المتغيرات المتعلقة بأطرافها المحلية والداخلية، في الأمد المنظور خلال عام 2023.
بالإضافة إلى تراجع أولوية هذه الصراعات الإقليمية بالنظر إلى التطورات الخطيرة على الساحة الدولية، والتي تتعلق بالنسبة للقوى الكبرى بمصالح وقيم أهم بكثير من الصراعات التي تجري على الأراضي اليمنية والليبية والسورية، إذ إن نتائج الحرب الروسية الأوكرانية، تؤثر على بنية النظام العالمي برمته وتوازنات القوى فيه، ولذا انتزعت أولوية اهتمامات القوى الكبرى، كما أنها أثرت بالسلب دون شك على الموارد التي يمكن أن تخصصها تلك القوى للصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط.
الأمل في حدوث انفراجة
الأمل الوحيد لحدوث انفراجة في مستقبل الصراعات في اليمن وليبيا وسوريا، هو استمرار التحولات في العلاقات بين القوى العربية ونظيرتها الإقليمية، واكتمال هذه التحولات، لأن تلك القوى تلعب أدوارًا مهمة كما رأينا في تلك الصراعات.
فلا شك أن أي تقارب عربي - إيراني سينعكس بالإيجاب على جهود تسوية الصراع في اليمن، ونجاح الحوار "المصري- التركي" يعني إمكانية الحديث عن تقدم في تسوية الصراع الليبي، ونجاح الحوار بين تركيا وسوريا قد يكون له انعكاسات إيجابية على تسوية الصراع في سوريا، خصوصًا مع وجود مصلحة مشتركة بين نظامي البلدين فيما يتعلق بالمشكلة الكردية، فكلاهما تتحقق مصلحته بعودة الأكراد إلى مظلة الدولة السورية مع الاعتراف بحقوقهم المشروعة كمواطنين سوريين، وتساعد العلاقات الروسية التركية المتنامية دون شك في هذا الاتجاه.





