الديمقراطية الأفريقية.. نضج سياسي وتحسن منتظر في 2023
فيما كان عام 2022 مهمًا على مستوى الديمقراطية بأفريقيا، بثلاثة عشر استحقاقا انتخابًبا شهدتهم بلدان القارة، يأتي عام 2023 محملًا بسبعة عشر استحقاقا مرتقبًا أبرزهم الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير المقبل بنيجيريا، صاحبة الكثافة السكانية الأكبر بالقارة.
ويعود ملف الديمقراطية بأفريقية إلى الواجهة بعدما عاودت واشنطن اهتمامها بأفريقيا عبر القمة الأمريكية - الأفريقية التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن بزعماء أفريقيين في 13 ديسمبر 2022.
واعتبر مراقبون أن القمة الأمريكية - الأفريقية محاولة للعودة الأمريكية إلى القارة التي غابت عنها واشنطن خلال فترة حكم الجمهوريين، ما سمح للنفوذ الروسي والصيني بالتوسع.
وبينما لا تأتي الديمقراطية ضمن الأجندة الخارجية الروسية والصينية، فدائمًا ما تقدم واشنطن الديمقراطية كأحد أوراق سياساتها الخارجية.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد عقب تسلمه السلطة في يناير 2021 بمقاومة الديكتاتوريات على مستوى العالم.
وتتوقع الدكتورة غادة فؤاد، مدير المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في تصريحات خاصة لـ"المرجع" انتعاشة في ملف الديمقراطية بأفريقيا بالعودة الأمريكية، مستدلة بملياري دولار تعهد بهم الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة ديسمبرلدعم الديمقراطية بالقارة.
وربطت "فؤاد" تلك الانتعاشة بمدى قدرة الديمقراطيين على الفوز بولاية رئاسية جديدة، مبررة ذلك بالقول: "لا يرى الجمهوريين أهمية في أفريقيا وإن كان الجميع مجبر على أفريقيا في الفترة القادمة".
نضج سياسي
لا يعني هذا أن عام 2022 كان سيئًا على مستوى الديمقراطيات، إذ شهدت بعض التجارب الانتخابية خلال العام "نضجًا سياسيًّا" حسب تعبير الدكتورة غادة فؤاد.
وتستدل مدير المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، على هذا النضج باللحظة التي تبرأت فيها نائبة رئيس مفوضية الانتخابات فى كينيا "جوليانا شيريرا" وثلاثة مفوضين آخرين من النتائج، قائلة: "لسنا قادرين على تحمل مسؤولية النتائج التي سيتم إعلانها".
وتقول فؤاد: "أصرّت المعارضة الكينية في نضج سياسي، على النأي بنفسها عن العنف، مفضلة اللجوء إلى القضاء الذي حكم بنزاهة الانتخابات فأقر أودينغا خسارته".
وتشير إلى واقعتي عنف شهدتهما كينيا في الانتخابات الرئاسية خلال جولتي 2007 ، 2017، مؤكدة أن عدم تكرار ذلك يعني أن ثمار الديمقراطية بدأت تؤتي ثمارها في كينيا.
تجذير للعملية الديمقراطية
يتفق مع الدكتورة غادة فؤاد، الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، محفوظ ولد السالك، الذي قال لـ"المرجع": "يحسب للمعارض التاريخي أودينجا اعترافه بالخسارة، وعدم جر البلاد إلى فوضى". كما يعتبر قرار الاحتكام للقضاء والالتزام بحكمه "تجذير للعملية الديمقراطية".
وإمعانًا في الشفافية كانت مفوضية الانتخابات قد طرحت نتائج 46.000 مركز اقتراع عبر موقعها الإلكتروني للعامة.
كما شهدت الانتخابات الكينية إسناد منصب نائب الرئيس لسيدة، في استجابة لدعوات التوسع في الاعتماد على النساء في العملية السياسية الأفريقية.
وحال فاز أودينجا كانت مارثا كاروا، زعيمة حزب التحالف الوطني الكيني، ستتقدم لمنصب نائب الرئيس.
وشبّه "ولد السالك" ثنائي أودينجا وكاروا بـثنائية الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، مع وجود الفارق والاختلاف بين الولايات المتحدة وكينيا.
ويفهم ذلك في سياق ميل شعبي كيني، رصده استطلاع لشبكة بحوث "الأفروباروميتر" نحو منح النساء الفرصة.
ويفيد الاستطلاع المنشور في سبتمبر الماضي، بأن تسعة من كل 10 كينيين (87٪) يقولون إن النساء يجب أن يحصلن على نفس فرصة الرجال الذين يتم انتخابهم لشغل مناصب عامة.
مكاسب المعارضة فى السنغال
بالتوازي أجرت السنغال خلال عام 2022 انتخابات محلية وتشريعية في يناير ويوليو على التوالي.
ونجحت المعارضة في تحقيق مكاسب على حساب الحزب الحاكم الذي فشل أمام المعارضة في المدن الكبرى بما فيما العاصمة دكار.
وترى مديرة المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، الدكتورة غادة فؤاد، أن أبرز ما يميز الانتخابات التشريعية في السنغال هو فشل كافة الأحزاب في تحقيق أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة ما استدعى تشكيل حكومة ائتلافية.
وتعتبر فؤاد أن ذلك مستوى متطور من الحياة السياسية في السنغال.
وتقول "فؤاد" إن لليسوتو تجربة سابقة مع الحكومات الائتلافية لكن "لم يحالفها النجاح"، متوقعة أن تنجح الحكومة الائتلافية هناك هذه المرة.
انتخابات صورية
في مقابل النضج السياسي، شهدت كل من أنجولا وغينيا الاستوائية انتخابات صورية، في 24 أغسطس، و20 نوفمبر 2022 على الترتيب، وأسفرت التجربتين عن تجديد الرئيسان المنتهية ولايتهما لمدة رئاسية جديدة، وإن كان رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج البالغ من العمر 80 عامًا ويحكم لمدة رئاسية سادسة، اختار أن يستمر في منصبه بنسبة تصويت بلغت 94.9%، فيما جدد نظيره الانجولي جواو لورينسو بـ51.17%.
كل ذلك لا ينفي أن الاستحقاق الانتخابي، سمح لأول مرة بتصويت الأنجوليين بالخارج، فضلًا عن تقدم للمعارضة التي حصدت وفقًا للإحصائيات الرسمية 43,95%.
فترات انتقالية ممتدة
وقعت في فخ الفترات الانتقالية دول تشاد ومالي وغينيا، إذ يخضع الثلاثة الذين يشتركون في ظروف متشابهة بفعل الجماعات المسلحة بمنطقة الساحل، لمجالس انقلابية مددت الفترات الانتقالية، وتجاهلت مواعيد الانتخابات المقررة من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، لإعادة الحكم المدني.
وتخوض (إيكواس) مفاوضات مع المجالس العسكرية الثلاثة للتعجيل بانتقال السلطة.
وتستخدم في ذلك العقوبات الاقتصادية وتجميد العضوية، وهو ما نجح نسبيًا مع غينبا التي تجاهل مجلسها العسكري الانتخابات التي حددها (إيكواس) في مارس 2022.
وبدلًا من الالتزام بالفترة الانتقالية المحددة في ستة أشهر عقب انقلاب 5 سبتمبر 2021، قرر في 30 إبريل 2022 تمديد الفترة الانتقالية حتى 36 شهر. إلا أن (إيكواس) اجتمعت في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي، مقررة فرض "عقوبات تدريجية" أدت إلى تخفيض المدة الانتقالية إلى عامين.
المشهد الغيني المرتبك
ويرفض المدير التنفيذي للمركز الغيني المتعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، الدكتور عبد الرحمن فادقا، تلخيص الوضع في غينيا في كونه انقلاب يرفض تسليم السلطة، قائلًا في تصريحات خاصة لـ"المرجع" إن الوضع استثنائي، ويحظى المجلس العسكري بتأييد شعبي بفعل سوء الأوضاع المتسبب فيها انتشار الجماعات المتطرفة.
ويرى أن تمديد الفترة الانتقالية مهم لمساعدة الجيش من السيطرة على المشهد المرتبك بفعل المتطرفين، و"لتسيير الأعمال الإدارية المطلوبة لإعادة بناء هيكل الإدارة الناجحة".
واعتبر أن هذه المهام تحتاج لفترة أطول من خطة الستة أشهر التي وضعتها "إيكواس".
رغم ذلك يقول: "أحسن الفترة الانتقالية ما قلت ودلت، لأن الشعب له حرية اختيار الرئيس، والفترة الانتقالية مهما حسنت فهي تضيق الآفاق الديمقراطية".
مثله ترى الدكتورة غادة فؤاد أن انقلابات دول الساحل الأفريقي جاءت لتعديل أوضاع عانت منها شعوب المنطقة وعلى رأسها اهتزاز الحكومات القديمة أمام الجماعات المتطرفة.
الصومال تنجو وليبيا عالقة
شرقًا كانت الصومال على مشارف حرب أهلية جديدة؛ بسبب خلاف بين الرئيس محمد عبد الله "فرماجو" والمعارضة، أجّل الانتخابات عامين، إلا أن إجراءها لا يعني أن التجربة لا يشوبها عيوب.
ويحمل النظام الانتخابي الصومالي ثغرات مثل اعتماده لنظام الانتخاب غير المباشر ما يفتح الباب للمال السياسي في بلد تأتي على رأس قوائم الفساد.
ويشيد مراقبون بالتصحيح من الداخل للتجربة الصومالية، حيث أعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال، جيمس سوان، عقب الانتخابات عن تقديره لـ"احترام النتيجة واستمرار التقاليد الصومالية في احتضان من يفوز ودعمه للمضي قدمًا ".
ويعتبر جوزيف سيجل مدير أبحاث بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وكانداس كوك، مساعد باحث بالمركز، أن الصومال يصوغ، بشكل متقطع، نظامًا للضوابط والتوازنات على سلطتها التنفيذية ومناقشة مفتوحة حول ما تستلزمه عملية انتخابية حرة ونزيهة.
من جانبها ترى غادة فؤاد أن انتخابات الصومال محطة مهمة في قطار الديمقراطية الأفريقية في 2022، قائلة: "تبرهن أن توافر الإرادة السياسية لدى الأطراف الدوليين الفاعلين على فرض الاستقرار بمناطق التوتر كافي لانتشال هذه المناطق وفرض العملية السياسية".
وعلى ذكر الإرادة الدولية، تأتي ليبيا التي أجلت انتخاباتها الرئاسية والتشريعية -كان مقدر لها الإجراء في 2022- بفعل انقسامات داخلية حالت دون وضع القاعدة الدستورية والقانونية للانتخابات. وتضغط أطراف دولية وإقليمية على الفاعلين الليبيين لتقريب وجهات النظر وإجراء الاستحاقات المؤجلة للمرة الثانية.
تحسن منتظر
يقسّم المتخصص في الشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك ملف الديمقراطية الأفريقية في 2022 بين "ثنائية التناوب الديمقراطي والانقلابات العسكرية، والأخيرة كانت كفتها هي الأرجح".
ويتابع "ففي بوركينافاسو انقلب الجيش على السلطة مرتين في غضون تسعة أشهر، فيما وقعت محاولات انقلابية في غامبيا، وغينيا بيساو، والرأس الأخضر".
رغم ذلك يعتقد أن المشهد يسير نحو دعم الديمقراطية حتى في بلدان الانقلابات التي قال إن مجالسها العسكرية ستلتزم بتسليم السلطة.
تتفق معه غادة فؤاد التي تطرقت في تقيمها للأداء الديمقراطي للقارة خلال 2022 إلى "جيل جديد من الشباب يغلّب خيار الصناديق على الحلول الدموية". وتابعت: أن ذلك لا ينفي وجود مشاكل مثل طبيعة المجتمعات القبلية وعلو القانون العرفي على المدني".





