«داعش» في أفريقيا... دلالات اتجاه التنظيم الإرهابي للقارة السمراء
كل مرة يفقد فيها تنظيم «داعش» الإرهابي أرضًا أو جزءًا من مقومات وجوده يُطرح سؤال حول مستقبل التنظيم في سياق تلك التطورات، خصوصًا بعد الخسارة الأخيرة التي تعرض لها التنظيم في سوريا، مارس الماضي، ومن قبلها فقده للأرض في العراق، كل تلك الأحداث كانت سببًا في معرفة مستقبل التنظيم بعد فقده للمعاقل الأساسية، وهل يعني ذلك انتهاء فعلي لـ«داعش» أم مازال في عمره بقية؟
سريعًا جاءت الإجابة من رأس التنظيم نفسه، إذ أطل أبوبكر البغدادي، نهاية أبريل الماضي، عبر مقطع فيديو، بثته مؤسسة «الفرقان» المعبرة عن التنظيم، في أول ظهور له منذ خمس سنوات، وخلاله حاول البغدادي نفي احتمالية انهيار التنظيم، معلنًا عن تأسيس جماعة جديدة تابعة له تدعى «ولاية وسط أفريقيا»، بالتوازي مع قبوله مبايعة مجموعة أخرى في بوركينافاسو ومالي، على نحو أوحى بأن دورًا منتظرًا ستمارسه هذه الجماعات داخل التنظيم خلال الفترة المقبلة.
وأخذ المراقبون ذلك مؤشرًا على تصاعد عمليات التنظيم في القارة الأفريقية في الفترة المقبلة، وهو ما أكدته الممارسة، إذ تبنى التنظيم هجومًا إرهابيًّا وقع منتصف مايو الماضي بالنيجر، غربي أفريقيا.
وعبر معارفه الرسمية، قال «داعش» إن 24 جنديًّا نيجيريًّا سقطوا في الحادث، فيما قالت صحف ووكالات أنباء أن موقع الحادث شهد في وقت سابق استهدافًا لعناصر تابعة للتنظيم.
غربًا من القارة الأفريقية وفي التوقيت نفسه تقريبًا من مايو الماضي، نفذ التنظيم عملية بنيجيريا، قال إن 20 جنديًّا سقطوا فيها. ولم يكتف بذلك إذ نشر مقطعًا مسجلًا لإعدامه تسعة جنود نيجيريين رُجح وقتها إنهم غير الذين سقطوا في العملية الأولي.
من جانبها رفضت نيجيريا ما سمته ادعاءات تنظيم داعش، إذ تتبنى الدولة خطابًا يقول إن تنظيم داعش في وضع سيء ويخوض معركة دعاية.
ليبيًّا.. نفذ التنظيم ثلاث عمليات في شهر واحد بالجنوب، وهو ما اعتبر مؤشرًا على تصاعد عمليات التنظيم في ليبيا بالتزامن مع عملية طوفان الكرامة التي بدأها الجيش الليبي لتحرير العاصمة، في 4 أبريل الماضي.
وركزت العمليات على الحقول النفطية ومواقع الجيش الليبي في الجنوب، وآخرها كانت بمنطقة حوض زلة، حيث تتمركز قوات الجيش بالقيادة العامة للقوات المسلحة
وتطرح مسألة تتالي الهجمات الإرهابية، في ظل انشغال الجيش بعملية تحرير طرابلس، التساؤل حول علاقة التنظيم الإرهابي بحكومة الوفاق في طرابلس، إذ رأي مراقبون ليبيون أن ثمة مصلحة تجمع الاثنين وترجمت في تنفيذ عمليات تشغل الجيش بعيدًا عن العاصمة.
وتتسبب تكثيف العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية، تساؤلات حول مصير التنظيم في القارة، وإلى أي مدى تعتبر دول أفريقيا أماكن بديلة ملائمة لتلك التي فقدها «داعش».
وعبّر الأزهر في دراسة صادرة عن وحدة اللغات الأفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، عن تخوفه من دلالات هذه العمليات إذ قال إن «أخطر مراحل العنف التي شهدتها القارة الأفريقية وأكثرها دموية، هي هيمنة تنظيمي (القاعدة) و(داعش) على سير عمليات العنف والإرهاب في أفريقيا»، مشيرًا إلى أن «داعش» يحاول منافسة غريمه «القيادة» وسحب القارة الأفريقية من تحت قدميه، وهو ما يجعل أفريقيا واقعة تحت رحمة التنظيمين الإرهابيين.
وفي دراسة بعنوان« بؤر محتملة.. لماذا يحرص "داعش" على تكوين مجموعات جديدة في أفريقيا؟»، صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في 9 مايو الجاري، أكد المركز أن أفريقيا تعتبر البديل القريب للتنظيم في الفترة المقبلة، بعدما فقد معاقله الأساسية السابقة، يقصد سوريا والعراق، وفي ظل إعلان «أبوبكر البغدادي» عن تشكيل ما يعرف بـ«ولاية وسط أفريقيا».
وحدد المركز أسباب اهتمام التنظيم بأفريقيا، في أربعة أسباب، أولها احتياجه الملح لمناطق بديلة بعد فقده لمعاقله الأساسية السابقة، ورغبته في توجيه ضربات انتقامية للدول صاحبة المصلحة في أفريقيا ويحمل لها التنظيم العداء، وعلى رأسها فرنسا التي تساهم بشكل فعال في مواجهة الإرهاب بالقارة.
وتقول الدراسة في ذلك «ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التنظيم لم يعد يكتفي بإعلان مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في الفترة الماضية، وإنما يحاول استهداف مصالحها داخل القارة الأفريقية.
وانتقلت الدراسة إلى السبب الثالث الذي اتفقت فيه مع دراسة وحدة اللغات الأفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف المشار إليها سابقًا، إذ انتهت كلتاهما إلى أن «داعش» يسعى لمنافسة غريمه القاعدة الذي يحظى بوجود ملحوظ في مناطق متفرقة بالقارة السمراء.
وتقول الدراسة «يحاول تنظيم "داعش" عبر تأسيس مجموعات إرهابية تابعة له أو توسيع نطاق الجماعات التي أعلنت مبايعته في القارة الأفريقية تعزيز قدرته على منافسة تنظيم "القاعدة" الذي أسس بدوره مجموعات شنت هجمات إرهابية عديدة خلال المرحلة الماضية.»
وتتابع «وبمعنى آخر، فإن تزايد عدد المجموعات الموالية للتنظيم بات يمثل آلية مهمة يحاول استخدامها لانتزاع صدارة التنظيمات الإرهابية في القارة، وتوجيه رسالة بأن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها على المستويات المختلفة البشرية والاقتصادية والتسليحية لن تمنعه من مواصلة تبني هذا النهج خلال المرحلة المقبلة».
وانتهت الدراسة، بأن «داعش» يتبنى الآن سياسة دعم الأفرع البعيدة لتعويض خسارة المركز، مبررة ذلك باهتمام البغدادي في التسجيل المصور بالتركيز «على الهجمات الإرهابية التي وقعت في سيريلانكا، في 21 أبريل الفائت وأسفرت عن مقتل أكثر من 320 شخصًا وإصابة نحو 500 آخرين، بالتوازي مع اهتمامه بمتابعة التطورات التنظيمية داخل بعض المجموعات الموالية للتنظيم، مثل "ولاية الصومال"، و"ولاية القوقاز».
من جانبه أجاب محمد فراج أبو النور، الباحث السياسي، عن سبب قدرة «داعش» المتكررة على تنفيذ عمليات في أفريقيا وتكثيفه لها، بالرغم من وجود قوات أجنبية وأفريقية كبيرة بالقارة تتولى مسؤولية مواجهة الإرهاب.
وقال إن قوات مثل أفريكوم الأمريكية الجنسية تجد صعوبات رغم التقدمات التي تحققها من تصفيتها لقيادة داعشية هنا أو ضرب تجمع عسكري إرهابي هناك، ولخّص هذه الصعوبات في حساسية بعض بلدان القارة تجاه وجود قوات عسكرية أجنبية على أراضيها، مشيرًا إلى أن ذلك يعيد الدول الأفريقية إلى ذكرى الاستعمار، ولهذا الشيء تحاول بعض البلدان فرض قيود على وجود القوات الأمريكية على أراضيها واشتراط التنسيق المسبق قبل تنفيذ أي عمليات عسكرية.
وتعد الكاميرون أبرز هذه الدول إذ وضعت ضوابط لعمل
قوات مكافحة الإرهاب الغربية على أراضيها، بما في ذلك قوات أفريكوم التي طلبت تدريب
قوات مكافحة الإرهاب الكاميرونية، وقد شهد قائد افريكوم الجنرال توماس والدوسر بذلك
أمام لجنة الخدمات المسلحة في الكونجرس الأمريكي هذا الشهر، وقال إن الرئيس الكاميرونى
يرى في نفسه القدرة الكافية على دحر الإرهاب اعتمادًا على قواته.
وفي سياق تعزيز الجهود لمواجهة الإرهاب، تتطلع القيادة العسكرية للجيش الأمريكي إلى استكمال بناء قاعدتين جويتين في أفريقيا قبل نهاية العام الجاري 2019 إحداهما تقع في جمهورية النيجر والثانية تقع في الصومال، وقالت أفريكوم التي تتخذ من مدينة شتوتجارت الألمانية مقرًا لها فى بيان صادر عنها: إن الأوضاع في أفريقيا تتطلب بناء ارتكازات عملياتية قوية لقوات أفريكوم في القارة، وفى الوقت ذاته بناء شراكات تدريبية مع جيوش القارة والعمل بصورة مشتركة و نشطة لمكافحة الإرهاب.





