استهداف متكرر.. تداعيات الهجمات الإيرانية على كردستان العراق
بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات داخل جميع أرجاء الجمهورية الإيرانية، جراء مقتل الفتاة "مهسا أميني" على يد دورية شرطة الإخلاق الإيرانية منتصف سبتمبر 2022؛ كثفت قوات الحرس الثوري من أعمالها الهجومية لاستهداف الأكراد، وخاصة الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق، نظرًا لمعارضة هذه الأحزاب لسياسات نظام الملالي، وقيامه دومًا بممارسة أبشع أساليب القمع والاعتقال بحقهم على مدار السنوات الماضية، خاصة أن هذه الأحزاب الكردية لطالما انتقدت سياسة الوالي الفقيه وفشله في إدارة أزمات البلاد بالداخل.
قصف كردستان العراق
يأتي هذا في سياق الهجوم العنيف الذي شنه الحرس الثوري في 29 سبتمبر 2022، إذ
قامت المدفعية الإيرانية بإطلاق أكثر من 70 صاروخًا بالستيًّا وقاذفة طائرات بدون طيار
على أربع مراحل، مستهدفة منطقة سيدكان الحدودية
شمال أربيل، وهو ما نجم عنه مقتل 13 وإصابة 58 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
وكشفت وسائل إعلام محلية أن هجوم الحرس الثوري هذه المرة على الأكراد جاء بعد قيام الناشطين الأكراد بالتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي مع واقعة "مهسا أميني" ونشرها لمقاطع فيديو من المظاهرات المندلعة داخل الشارع الإيراني، وخاصة التي رفعت شعارات ولافتات تطالب برحيل المرشد الأعلى «علي خامنئي» ونظامه الديكتاتوري، وانتقادهم بشدة للوضع السياسي المتأزم داخل إيران.
رفض عراقي
وفي كل مرة تستهدف إيران إقليم كردستان، تستدعي بلاد الرافدين من خلال
وزارة خارجيتها السفير الإيراني لدى العراق وتبلغه احتجاجها، وهو ما فعل هذه المرة
إذ قالت للسفير «محمد كاظم آل صادق» أنها تحتج بشدة على استمرار عمليات القصف
المدفعي والجوي بالصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية على مدن وقرى متعددة في
إقليم كردستان، وطالبته بضرورة احترام سيادة العراق.
إدانات خليجية
وأثار هذا الهجوم انتقادات عدد من الدول العربية، إذ أعربت المملكة العربية
السعودية في بيان لوزار الخارجية في 30 سبتمبر 2022 عن إدانتها الشديدة للهجمات
الإيرانية على كردستان، وكل ما يهدد أمن واستقرار العراق، مطالبة المجتمع الدولي بالتصدي
للانتهاكات الإيرانية كافة التي تخالف القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
ومن جانبه، شدد «نايف فلاح الحجرف» الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي
خلال اجتماع مع سفير العراق لدى السعودية «عبدالستار الجنابي» على رفض المجلس
لجميع الانتهاكات الإيرانية التى تهدد ليس فقط أمن واستقرار العراق بل المنطقة
بأكملها.
رفض دولي وعقوبات أمريكية
وردت منظمة الأمم المتحدة على لسان أمينها العام «أنطونيو غوتيرش» على
الهجمات الإيرانية، مطالبة طهران بوقف التصعيد بشكل فوري واحترام سيادة العراق
ووحدة أراضيها ومبدأ حسن الجوار، هذا في الوقت الذي أدانت وزارة الخارجية
الأمريكية هذه الهجمات بشدة التي اعتبرتها "غير مبررة" بل وأكد «جيك
سوليفان» مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، أن واشنطن ستواصل فرض عقوبات على
طهران وستستخدم جميع الأدوات لتعطيل وعرقلة أسنطة إيران المزعزعة للاستقرار في
المنطقة، حتى يرتدع نظام الملالي عن أعمالها تلك.
دلالة التوقيت
وحول توقيت هذه الهجمات وتداعياتها، أوضح الدكتور «محمد العبادي» الباحث التخصص
في الشأن الإيراني، أن نظام الملالي يحاول الهروب من أزماتها الداخلية، وحالة الفوران
الشعبي التي اجتاحت البلاد، عقب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، لشغل الرأي العام
وشحنه بأجواء الحرب، فهي تصر على قصف كردستان العراق.
وحول رد الفعل العربي والغربي، لفت «العبادي» في تصريح خاص لـ«المرجع» أن الحكومة العراقية بحاجة إلى دعم عربي من جامعة
الدول العربية، والدول العربية الرئيسة في الإقليم، لأن بغداد وحدها لا تستطيع مجابهة
الاعتداء الإيراني، لكن يمكن العمل على موقف عربي جماعي ضد الانتهاكات الإيرانية،
وعلى الجهة المقابلة فإن واشنطن تستغل هذا الحدث لصالح مفاوضات الملف النووي المتعثر،
ومن الممكن أن تفرض عقوبات حتى لو بشكل رمزي، كتأكيد لإدانة السلوك الإيراني في الاعتداء
على دول الجوار.
إشعال الخصوم
ومن جانبه، أوضح «مصطفى النعيمي» الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أن قصف قوات الحرس الثوري لكردستان العراق في هذا التوقيت تحديدًا يُعَدّ محاولة إيرانية لتصدير الأزمة الداخلية وإشغال الخصوم خارج الجغرافيا الإيرانية، إذ يحاول هذا النظام صبغ الاحتجاجات الداخلية بالإرهاب الخارجي، ولهذا فإن افتعاله المعارك مع شمال العراق يُعد أحد أهم وسائل الالتفاق على الاحتجاجات التي كشفت مدى ضعف النظام، وعدم قدرته للتفاعل بحكمة مع حدث مقتل الشابة «مهسا أميني».





