ad a b
ad ad ad

اقتصاد ضعيف وهشاشة أمنية.. أزمات أفريقيا في محاربة الإرهاب وطرق علاجها

الأربعاء 12/أكتوبر/2022 - 08:00 م
المرجع
أحمد عادل
طباعة
دخلت الحرب على الإرهاب في أفريقيا مرحلة جديدة، توشك تداعياتها أن تمتد لترتبط بالصراعات التي تئن منها القارة السمراء، وفي ضوء تحول التوازن الاستراتيجي على الأرض نشأ تركيز على ضرورة بناء قوات منفصلة خاصة لمكافحة الإرهاب، إذ لم تعد الأزمة داخلية فقط، فمقومات نشوء هذه العناصر الإرهابية تضرب بجذورها في أعماق المجتمع الأفريقي، وتحشد قوتها من واقع الأزمات التي تعانيها هذه الدول في إطارها الإقليمي ودون الإقليمي، بعد أن فشل التعامل معها كمشكلة منفصلة وعرضة للاستجابة داخل نطاق الدولة الواحدة.


اقتصاد ضعيف وهشاشة
حرب عالمية أخرى

ربما كان من المتوقع أن تجد أفريقيا حظها من الاهتمام العالمي بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بشنّ حرب عالمية أخرى على الإرهاب في أفريقيا، ويتغير مسرحها وفقًا لذلك، وفي خضم المكافحة الدولية لمنبعه في الشرق الأوسط تسرب الإرهاب إلى أفريقيا لتكون مركزًا جديدًا تتشكل خطورته من التحام الإرهاب الوافد مع التمرد الموجود أصلًا لأسباب أكثر من أن تُحصى، وتكاد لا تغيب دولة من دول القارة عن هذه النشاطات، إما بطريقة مباشرة تنطلق منها العمليات الإرهابية على المجتمع المحلي، أو بطريقة غير مباشرة متأثرة بعمليات منسوبة لجماعات إرهابية مرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش".

وتكون العمليات على مستويات ثلاثة، إما بزراعة هذه التنظيمات ورعايتها مثل نشاطها الكثيف في دول مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وموزمبيق والصومال، أو بمستوى تمثيلي بتنفيذ العمليات من على بُعد بواسطة انتحاريين، أو إطلاق عمليات محدودة مثلما حدث في ليبيا والجزائر وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا، أو ملامح تأسيس خلايا إرهابية متوقعة في بقية دول القارة.

الشركاء الدوليون

في ضوء الوضع السياسي المتغير في أفريقيا والجهود المبذولة من جانب الشركاء الدوليين، وهم فرنسا، وبعثة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدأ تركيز برامج المساعدة الدولية للدول الأفريقية في فترة الحرب الباردة على المساعدة الأمنية، ونشط الاتحاد السوفياتي وقتها والولايات المتحدة في مساعدة القوات المسلحة الأفريقية في أن تصبح أكثر كفاءة في عمليات حفظ السلام، وبعد تحول العالم إلى قطبية واحدة، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تغيرت المساعدات الأمنية الأمريكية وضمت الولايات المتحدة جيوش هذه الدول في حملتها العالمية لمكافحة الإرهاب، فكانت "مبادرة الساحل الشاملة" عام 2003، المكونة من مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر، ثم ظهرت "شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" عام 2005 وشملت الجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وتونس، إضافة إلى بلدان "مبادرة الساحل الشاملة".


اقتصاد ضعيف وهشاشة
استندت برامج المساعدة الدولية ومنها الأمريكية عام 2012، والاتحاد الأوروبي، خصوصًا شراكة "مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" ومبادرة شرق أفريقيا إلى التركيز على بناء قدرات فعالة لمكافحة الإرهاب باستخدام العمليات العسكرية الهجومية، يختلف الأمر هذه المرة لوجود فاعلين دوليين على رأسهم قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، والقوات الفرنسية التي تربط بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، وروسيا، هؤلاء انغمسوا فعليًّا في المكافحة، لكن تلاحقهم الانتقادات (خصوصًا أفريكوم) بأنهم قد نجحوا في تعزيز أرباح شركات الأسلحة.

أزمات داخلية

في مكافحتها للإرهاب، تواجه أفريقيا أزماتها الداخلية وهي مشتركة في معظمها بين دولها، وأنتجت هذه الأوضاع عوامل هيأت التربة لنمو الجماعات الإرهابية وهي، أولًا، الصراعات في الدول الأفريقية معظمها مدفوع بالمظالم ضد الدولة، زادت منها السياسات الداخلية التي لعبت دورًا في تأجيجها، نسبة على رغبة الجماعات السياسية في تعزيز طموحاتهم ومصالحهم والحصول على امتيازات أو المحافظة عليها في مجتمعات تحترم كل ذي حظوة سياسية أو اجتماعية أو مادية أو ذي سلطة وجاه، ويلاحظ أن الجماعات المتمردة التي التحمت بالجماعات الإرهابية أو أفرزتها خاضعة لسيطرة جماعة إثنية أو قبلية ضد الإثنيات الأخرى.

لعبت الأحوال الاقتصادية المتردية دورًا كبيرًا في زيادة سطوة الجماعات الإرهابية، إذ إن المجتمعات التي تعيش في فقر مدقع تحاول الخروج منه بأي شكل، فنشطت حركة تجارية غريبة على سكان المناطق الفقيرة، واتضح في ما بعد أن الجماعات الإرهابية تستقطب المتمردين على الدولة من المهمشين بمساعدتهم في التجارة بسيطرتها على طرقها أو الاستثمار، كما أنها لعبت دور الوسيط في النزاعات بين الرعاة والمزارعين في المناطق التي ضربها الجفاف، وغالبًا ما يكونون من اثنيتين مختلفتين، وعندما فرضت دولة مالي حظرًا على تحرك الإرهابيين من تنظيم "القاعدة" مع قطعان الماشية، تنكروا في زي الرعاة.


اقتصاد ضعيف وهشاشة
نبعت من نشاط الحركات الإرهابية في الدمج بين التطرف الديني والإسلام السياسي، حركة جديدة تستقطب أفرادًا من المجتمعات الأفريقية أصبحوا في ما بعد قادة، ولهؤلاء استراتيجية معينة هي تحدي المعتقدات التقليدية أو الصوفية، ونتج من هذا التوجه الجديد باعتباره تصحيحًا للدين توفير مكتسبات لزعامة وسلطة دينية جديدة جاذبة؛ لأنها تقع في مرتبة وسطى بين التطرف والتصوف، كما نشط الاستقطاب من جهة أخرى بادعاء جماعات معينة متفوقة اجتماعيًّا أن جذورها تعود للنبي الكريم محمد، فتفرض سيطرتها وزعامتها على الجماعات المسلمة الأقل منها في التراتب الاجتماعي.

رد أفريقيا

تتجذر العناصر الإرهابية بعمق في المجتمع الأفريقي وتستمد كثيرًا من قوتها من الأزمات التي تعانيها دول القارة، مما يعني أن الرد العسكري على هجمات هذه الجماعات ليس كافيًا، ويلزم النظر في مشاريع تعالج هذه الأزمات بحلول سياسية واقتصادية واجتماعية، والاستعداد إلى ما قد يؤدي إليه استمرار الهجمات الإرهابية من تداعيات وتأثيرات محتملة في مستويات عدة أهمها، أولا الهجمات التي تنفذها الجماعات الإرهابية تفاقم الأزمات الأمنية التي تواجه القارة، إضافة إلى تنامي الخوف من تعقد التطرف الديني في أفريقيا وسط التوترات الإثنية القائمة، التي قد يترتب عليها اشتداد الصراعات والحاجة إلى مزيد من الدعم العسكري الخارجي.

وقد تستغل بعض الحكومات الأفريقية الوضع الراهن لتكثيف تدخلاتها في دول الجوار تحت ذريعة مواجهة عناصر الجماعات الإرهابية، الأمر الذي ربما يؤسس لخلافات وتوترات أخرى، إضافة إلى التوترات القائمة، ربما تصل إلى التدخلات العسكرية وفتح جبهات قتال عدة، مما يستلزم وجود استراتيجية مضادة لهذه الهجمات.

وسط تراجع الأدوار الإقليمية والدولية وتركيزها في مكافحة الإرهاب على أهداف ترعى مصالحها فقط، ربما يتمدد نفوذ الإرهابيين في المنطقة وتنشط وفقًا له حركة دون إقليمية تشتت وحدة القارة بتعاون كل دولتين أو ثلاث معًا ضد أخرى مختلفة معها، ويمكن معرفة ذلك من الترابط بين التهديد الإرهابي في أفريقيا والصراعات الدائرة على نطاق أوسع في مناطق منها، ما ينبغي مواجهته بالتركيز على بناء قدرة منفصلة لمكافحة الإرهاب.
"