المعارضة تشتد على قيس سعيد.. الرئيس في مواجهة المتضررين من مسار 25 يوليو
فيما تمضي تونس نحو إتمام عام على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 25 يوليو لعام 2021، ووضع بها حدًّا للتخبط الذي عاشته البلاد خلال العشر سنوات التالية للثورة التونسية، يبدو المشهد حول قيس سعيد مفتت، إذ جرت السبت الماضي، أولى جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه للتباحث حول سبل الخروج بالبلاد من المرحلة الراهنة، وسط مقاطعة قوى سياسية ونقابية بررت موقفها بأنها لن تشارك في «حوار شكلي معروف نتائجه مسبقًا».
لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ بالتزامن مع
انطلاق الحوار أعلن القضاة تعليق العمل اعتراضًا على قرار الرئيس بعزل 57 قاضيًا
اتهمهم بالفساد، وتعطيل سير قضايا الإرهاب، والتقرب من أحزاب سياسية نافذة. وبينما نال
القرار نصيبه من الاعتراضات سواء داخليًّا عندما وصفته جمعية القضاة
التونسيين بـ«المذبحة» ومحاولة من سعيد لخلق أماكن شاغرة لمواليه، قالت وزارة
الخارجية الأمريكية إن القرار يدخل في سياق تقويض المؤسسات الديمقراطية.
من القضاة إلى الأحزاب التي تتسابق على إطلاق التصريحات والبيانات المعارضة للرئيس والمتباكية على الديمقراطية في مشهد يرسخ اتساع خارطة المعارضة لقيس سعيد، وزيادة الضغوط عليه.
في المقابل يُعرف الرئيس التونسي بحكم تجربته خلال العام الماضي بصرامته، وعدم تراجعه في القرارات مهما كانت الانتقادات، ويؤكد سعيد في أغلب مناسبات ظهوره على مضيه نحو إنشاء مؤسسات دستورية جديدة تعبر بصدق عن تطلعات التونسيين، وتنتشل البلاد من سنوات التخبط والفساد، على حد تعبيراته.
لماذا اتسعت المعارضة؟
رغم الزحام والزخم السياسي الذي تعيشه البلاد بين انتقادات حزبية للرئيس وتخوفات دولية مما يسموه «ديكتاتورية قيس سعيد» تعرب عنها خارجيات الدول الكبرى من أمريكا وبعض الدول الأوروبية، فإن ذلك وحده لا يعد تعبير دقيق عن المشهد التونسي.
ويبقى هناك الورقة الأهم وهي رأي الشعب التونسي فيما يحدث. ووفقًا لاستطلاعات الرأي فيبقى قيس سعيد على مدار العام الأخير الشخصية الأكثر ثقة من قبل التونسيين، في تعبير عن احتفاظ الرئيس برضا شعبي ملموس. ويطرح ذلك سؤالًا عن مدى تعبير المعارضة الحزبية عن الواقع التونسي وأسباب اتساعها في الفترة الأخيرة.
الكاتب التونسي المقيم بباريس، نزار الجليدي، يقر باتساع مساحة المعارضة الحزبية للرئيس، ويضيف في تصريحات خاصة لـ«المرجع»: إن كل المعارضين هم المتضررون من مسار 25 يوليو الذين تأمروا على تونس في الفترة من 2011 و2021 وتعاونوا مع منظمات دولية لدعم نظام سياسي هجين لم ينتج دولة تونسية قوية.
وأوضح أن الاتحاد العام للشغل والذي يعد أبرز الكيانات المعارضة للرئيس واحد من هذه الجهات التي استفادت من أوضاع تونس في الفترة من 2011 :2021.
ولفت إلى أن الفيصل بين سعيد والمدافعين عن امتيازاتهم من ساسة أو قضاة أو غيره هو الشارع، مؤكدًا أن التونسيين يثقون بالرئيس بعدما اختبروا خصومه على مدار العشر سنوات الماضية، ولم يجدوا إلا الفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وشدد على أن كل ما يصدر على إنه معارضة هو في الواقع لا وزن له، إذ لن يعطل في رأيه المسار الذي بدأه الرئيس.
واستند الجليدي في ذلك على المواقف الصارمة من قبل الرئيس وعدم تراجعه في قرار واحد منذ 25 يوليو الماضي، رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية والتحديات الاقتصادية.
اتحاد الشغل.. حيرة العمل السياسي والنقابي
على خلاف هويته النقابية تسببت التحركات الأخيرة للاتحاد في ظهوره كحزب سياسية وليس مجرد جهة تعاونية تجلس مع الحكومة للتفاوض على حقوق العمال، وبينما لا يعتبر الاتحاد بصفته النقابية ندًّا للحكومة بل يتعاون كل منهما لصالح المواطن، ظهر الاتحاد مؤخرًا كمتاجر بورقة العمال عندما دعا لإضراب عام في ظل زروف اقتصادية صعبة، فور إعلان الرئيس مضي الحوار الوطني وفقًا لشروطه وليس شروط الاتحاد.
وبحسب جريدة الشعب المعبرة عن الاتحاد فالإضراب أسبابه رفض الحكومة الموافقة على الزيادة في الرواتب، متجاهلة تمامًا أي إشارة للخلاف على الحوار الوطني.
ويفسر الكاتب العراقي فاروق يوسف في مقاله له بعنوان «هل يجر اتحاد الشغل تونس إلى فوضى جديدة؟» بجريدة العرب اللندنية، مواقف الاتحاد فيقول إنها نوع من الفوضى المتفرعة عن فوضى الحياة التي خلقتها حركة النهضة على مختلف الأصعدة.
وتابع إن الدعوة إلى الإضراب هي بمثابة خطوة متهورة في اتجاه الانتحار. فتونس لا تحتاج في مرحلتها الحالية إلى تظاهرات شغب بل إلى مبادرات خلاقة تنتشلها من وضع شائك ومعقد.
وألمح يوسف إلى قرارات الاتحاد تختلف مع مبادئه التي طالما أعلنها، مشيرًا إلى أن الانقلاب على هذه المبادئ ربما يشير إلى اشتراك الاتحاد في مؤامرة تعود بمقتضاها حركة النهضة (الجناح الإخواني بتونس) إلى الواجهة بعدما فشلت أن تصنع ذلك بنفسها.
وعن آلية تعامل الرئيس مع الاتحاد فقال نزار الجليدي إن سعيد كان كريم إلى أقصى حد مع إدارة الاتحاد الحالية ولم يتدخل في شئون الاتحاد النقابية رغم ما جرى مؤخرًا من تمديد لرئيس الاتحاد نور الدين الطبوبي، في مخالفة للقوانين الداخلية للمنظمة النقابية.
وأشار إلى ملفات فساد خاصة بمسؤولي الاتحاد الحاليين، مشيرًا إلى إنه لو تم تحريكها فسيدان فيها الكثيرون. وعلى عكس ما يدار عن الاتحاد من كونه هيئة وطنية تدافع طوال الوقت عن الشعب، فلفت الجليدي إلى فترات كان يعيش فيها في بحبوحة حتى 2009 مع نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي ثار عليه التونسيون.
وأكد الكاتب التونسي على أن كل ما يفعله الاتحاد لن يجدي في ظل المضي نحو إكمال خارطة الطريق، مشددًا على أن مصير حركة النهضة هو المحاسبة وكل ما يحدث من إرجاء كان بسبب تفاهمات بين بعض القضاة والحركة الإخوانية.
يشار إلى أن زعيم النهضة، راشد الغنوشي ممنوع من السفر بحكم قضائي على خلفية ورود اسمه ضمن آخرين متهمين في قضية اغتيال سياسيين اثنين في 2013.
للمزيد..المربع صفر... حظر سفر «الغنوشي» يحبط جهود «النهضة» للعودة





