«العائدون من أوكرانيا».. إرث ثقيل للحرب بالوكالة
لم تعد الحروب على صورتها التقليدية التي تشهد مواجهات بين جيشين نظاميين، بل أصبحت ساحة استقطاب لأكبر قدر من أفراد العصابات والمتطوعين للقتال، الذين يحاربون من أجل المال أو طمعًا في الخروج من دولهم المتأزمة، ثم ينتهي بهم الحال إلى مجموعات تشكل عبئا على الدولة المضيفة بعد انتهاء الحرب، ليصبح العالم في مواجهة مع أعداد لا حصر لها من العائدين مما تسمى «الحرب بالوكالة» وهو ما رأيناه حديثًا في الحرب "الأوكرانية ـ الروسية".
في مارس الماضي، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، أن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط طلبوا من موسكو السماح لهم بالوصول إلى منطقة دونباس، بغية المشاركة في القتال ضد القوات الأوكرانية؛ وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة عملية «تجنيد» لمقاتلين من سوريا، رغم أن الجانب الروسي لم يحدد الدول التي انحدر منها المتطوعون.
وفي المقابل، سعت
أوكرانيا لاستقطاب الأجانب الراغبين في القتال إلى جانبها، إذا كانوا من ذوي الخبرة، وقامت
بإعفائهم من الحصول على التأشيرة، بهدف تسريع عملية انضمامهم.
وردًا على التصريحات الروسية، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تشكيل ما يسمى بـ«الفيلق الدولي» للقتال ضد القوات الروسية في أوكرانيا، وبالفعل توافد متطوعون أمريكيون ومن جنسيات أوروبية مختلفة، للقتال في أوكرانيا ضد القوات الروسية.
إشكاليات الحضور الاجنبي في الحرب
تقول رابحة سيف علام، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الحكومات الغربية تبدي حماسًا إزاء توافد المقاتلين الأجانب للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية فى حربها ضد روسيا، ومع ذلك فإن الحضور الأجنبي في الحرب الأوكرانية ينطوي على إشكاليات كثيرة؛ منها أنه من غير المؤكد إذا ما كان لهؤلاء المقاتلين الأجانب وزن حقيقي في القتال بشكل يحسم الحرب ويؤثر على نتائجها النهائية.
وأضافت في ورقة بحثية بعنوان «المقاتلون الأجانب.. هل علينا الاستعداد لظاهرة العائدين من أوكرانيا؟»، أن الحضور الأجنبي كفيل بتحميل الحرب الأوكرانية بتعقيدات صراعات أخرى؛ فالسوريون أو الشيشان القادمون من صراع للقتال في صراع آخر هم محملون بتعقيدات صراعهم الأول.
كما تتنوع السوابق التاريخية التي شارك فيها أجانب في صراعات مفتوحة سواء على أساس فردي أو من خلال تسهيل بعض الحكومات أو حتى من خلال شبكات الإرهاب العالمية التي نشطت في تجنيد الشباب من الجاليات والمجتمعات المسلمة للقتال على مر السنين، إذا المتحمسون لفكرة تطوع مقاتلين أجانب لدعم حكومة أوكرانيا يشبهون هذا الأمر بتطوع عدد من الأوروبيين للقتال في الحرب الأهلية الإسبانية ضد حكم الجنرال فرانكو بين عاميّ 1936 و1939، ويعتبرون أن المتطوعين للقتال هم من الحالمين بعالم ديمقراطي حر تسوده الحقوق والحريات ويقاتلون ضد الفاشية أو غيرها من العبارات الأيديولوجية التي يصفون بها الاتحاد الروسي، وفق «علام».
ولفتت الباحثة إلى أن فئة المقاتلين الأجانب تتنوع حالياً على الأراضي الأوكرانية من أجل القتال ضد القوات الروسية، بحسب جنسياتهم وتوجهاتهم السياسية وخبراتهم العسكرية السابقة، إذ أن الفئة الأكبر، بحسب السلطات الأوكرانية، من مزدوجي الجنسية، أي من حاملي الجنسيات الغربية المختلفة ولكنهم من أصول أوكرانية، وهذه الفئة تبلغ، بحسب الأرقام المعلنة، حوالي 66 ألفاً.
وينتظم هؤلاء في قتال الروس كما انتظم آباؤهم أو أجدادهم من قبل لقتال السوفييت في الحروب السابقة؛ لذا فالدافع شخصي يعود لأسباب عائلية فضلاً عن الرغبة في الاستقلال الوطني والتأكيد على سيادة أوكرانيا ضد الجارة العملاقة روسيا ذات الأطراف المترامية.
وبحسب الورقة البحثية فإنهم لا يتمتعون بخبرات قتالية استثنائية، بل كانوا يشتغلون بمهن مدنية بدرجات متفاوتة من التحصيل العلمي والدرجات العلمية ولكنهم يتمتعون بالحماس الكبير لخدمة القضية الوطنية وسيادة أوكرانيا.





