هل تستجيب «طالبان» لنداءات المصالحة الوطنية وإحلال السلام في أفغانستان؟
بات أقصى ما يتمناه المواطن الأفغاني أن يعيش يومًا هادئا في سلام، دون تهديدات أمنية، وأن يجد الحد الأدنى الذي يعينه على معيشته غير الإنسانية في ظل الصراعات العسكرية والمسلحة بين القوات الأجنبية أو بين الفصائل المتناحرة على السيطرة على مقدراته وثرواته، وبين الحين والحين تظهر مطالب ظاهرها يحث على إرساء السلام في أفغانستان، تنظر بعين إلى الأوضاع الإنسانية التي يعيشها المواطن الأفغاني، وفي الوقت نفسه تضع السلطة نصب العين الأخرى.
مطالب كرزاي
من ضمن تلك الدعوات التي تنادي بالمصالحة في أفغانستان كانت دعوة الرئيس الأسبق للبلاد، حامد كرزاي، الذي دعا مؤخرًا، حكومة طالبان إلى الجلوس مع خصومها السياسيين من أجل مصالح الشعب.
وقال كرزاي في تصريحات أدلى بها الأربعاء 9 مارس الجاري: إن الأفغان لم يتوصلوا بعد إلى السلام الذي كانوا يأملون فيه، ملمحًا إلى أنه سيتم ضمان سلام دائم عندما يتم إشراك كل أفغاني في صنع القرار.
ودعا حكومة حركة طالبان إلى الدخول في محادثات مع خصومها وعقد مؤتمر وطني، واصفًا انسحاب القوات الأجنبية من البلاد بأنه فرصة جيدة لضمان السلام والاستقرار في البلاد.
وأضاف: طالما حل السلام في أفغانستان ولم نشهد قتالًا بين جبهات عدة ولا قتال بين الأخوة، لكننا لم نصل إلى السلام والاستقرار، وهي إرادة الشعب الأفغاني، أي السلام الذي يتم ضمانه من خلال الوحدة الوطنية. السلام الذي يتم فيه أخذ جميع الأفغان في الاعتبار عند صنع القرار بشأن أفغانستان.
وأعرب كرزاي عن معارضته الشديدة للوجود العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان طوال 20 عامًا، مضيفا: بشكل عام، تسبب العمل العسكري الأمريكي في ألم لشعب أفغانستان.
كما انتقد القرار الأمريكي بشأن تجميد الأصول الأفغانية، وقال إن الأفغان أنفسهم هم ضحايا الإرهاب.
أزمة داخلية
تأتي تصريحات الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، في ظل أزمة داخلية كبيرة، قد تكون غير مسبوقة من قبل، فقد ترك انسحاب القوات الأجنبية في أغسطس 2021، البلاد بلا غطاء اقتصادي أو أمني، إضافة إلى تجميد أرصدة البنك المركزي الأفغاني على الأراضي الأمريكية، والتي تبلغ 7 مليارات دولارات وسط هذه الأجواء غير المستقرة في البلاد والتي ازدادت سوءًا، منذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس وعدم الاعتراف الدولي بحكومتها التي شكلتها لتصريف الأعمال.
ومع وصول الحركة إلى السلطة، واجهت مشكلتين أمنيتين، هما:
الأولى: كيفية التخلي عن منهجها الحركي كجماعة مسلحة، والتماهي مع الداخل الأفغاني بوصفها حكومة مسؤولة عن الشعب.
الثانية: التعامل مع الجماعات والفصائل المسلحة العابرة للحدود كتنظيم داعش والقاعدة، وكذا خصومها التقليديين في الداخل.
وتركت تلك الأوضاع الاقتصادية والأمنية صورة مأساوية عن الوضع الداخلي، الذي يصعب معه التنبؤ بما سوف يكون عليه مستقبل البلاد.
طالبان والإقصاء
ومع أن مطالب المصالحة قد تبدو مطلوبة من الناحية النظرية إلا أن الواقع قد يجعلها مشكلة جديدة للمشكلات التي تعاني من البلاد، خاصة أنها تأتي من فصائل لها صراعات قديمة مع الحركة الحالية، قد تشير إلى أن النوايا ليست خالصة لصالح الشعب الأفغاني، فحركة طالبان منذ البداية اعتمدت سياسة الإقصاء لكل الفصائل الأفغانية في اختياراتها لحكومة تصريف الأعمال التي جاء جميع أعضائها من قيادات الحركة، من بينهم قيادات مدرجة على قوائم الإرهاب على رأسهم وزير الداخلية سراج حقاني، المتهم في محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حامد كرزاي، والذي قدم مبادرة طالب فيها بجلوس حكومة طالبان على مائدة المفاوضات مع خصومها.





