انهيار الليرة وأثره على الاقتصاد التركي.. قراءة تحليلية
الأربعاء 05/يناير/2022 - 05:00 م
محمود البتاكوشي
أصبح الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة في وضع لا يُحسد عليه، إثر تراجع الليرة غير المسبوق منذ عقود طويلة، بسبب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتدخله المستمر في عمل الخبراء، إذ أقال ثلاثة محافظين للبنك المركزي التركي في أقل من عامين بسبب قيامهم برفع أسعار الفائدة، ففي يوليو 2019 قام أردوغان بعزل مراد قايا محافظ البنك المركزي السابق، وفي نوفمبر 2020 قام أردوغان بإقالة مراد أويصال محافظ البنك المركزي السابق، وفي الشهر نفسه قام وزير المالية بتقديم استقالته.
وفي مارس 2021 قام أردوغان بإقالة ناجي أغبال محافظ البنك المركزي السابق، بعد أن قام برفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 200 نقطة من 17% إلى 19%، لتتراجع الليرة التركية بعد قرار الإقالة مباشرة بأكثر من 15%، وعين المصرفي السابق شهاب قوجي أوغلو، ومن المتوقع أن يقيله قريبًا بسبب استمرار تراجع قيمة العملة فقد بات يفقد الثقة فيه، حيث أقال مؤخرًا نائبي المحافظ -سميح تومين وأوجور ناميك كوجوك- إلى جانب عضو آخر في لجنة السياسة النقدية، عبد الله يافاش، وكان ذلك له تأثير سلبي على المستثمرين.
ولعل أبرز أخطاء أردوغان إصراره على خفض سعر الفائدة على الرغم من تراجع الليرة التركية وارتفاع التضخم، وهو ما يتناقض مع النظريات الاقتصادية، التي تشير إلى أن تشديد السياسة النقدية يعد أبرز آليات البنوك المركزية لمواجهة التضخم، مبررًا ذلك باعتزامه تقديم نموذج اقتصادي جديد يدعم المستلهكين والمنتجين، ولعل تراجعه عن هذه السياسة مؤخرًا وقيامه برفع سعر الفائدة منح الليرة قبلة حياة مؤقتًا ويثبت ذلك أن سياسات الرئيس التركي وراء الأزمة الاقتصادية.
السياسات الاقتصادية التي اتخذها النظام التركي أدت إلى انهيار الليرة، مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام الجاري، فضلًا عن ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 21.3% في نوفمبر 2021، وتشير التقديرات إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم، في ظل ضعف الليرة التركية، وارتفاع أسعار السلع عالميًّا.
قرار الرئيس التركي برفع سعر الفائدة يثبت أن جميع فرضياته كانت مبنية على حسابات خاطئة، فقد كان يعتقد أن انخفاض سعر صرف الليرة التركية يساهم في تعزيز تنافسية الصادرات التركية في الأسواق الدولية، حيث يمنحها ميزة سعرية في السوق العالمية، إلا أنه لم يضع في اعتباره زيادة أسعار مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة المستوردة، ومن ثم ارتفاع تكلفة إنتاج الصادرات التركية، وزيادة أسعارها بالأسواق الدولية، مما أدى إلى تراجع الصادرات التركية، فضلًا عن التأثير السلبي لجائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد -19، بالإضافة إلى تراجع الإيرادات الناتجة عن القطاع السياحي بنسبة 65% إلى أقل من 10.2 مليار دولار نتيجة قيود السفر والطيران، وذلك وفقًا لبيانات منظمة السياحة العالمية.
كما خابت رهانات الرئيس التركي على قراره بخفض سعر الفائدة، حيث كان يتوقع أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية من كل حدب وصوب غير أنه غاب عنه توفير الائتمان ليس العامل الأوحد بطبيعة الحال المؤثر على بيئة الاستثمار في تركيا، والتي تعاني صعوبات جمة لعل أبرزها غموض مستقبل الاقتصاد التركي بفضل التدخلات الحكومية المستمرة، مما أدى لتراجع القوة الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم؛ مما زاد من أعباء الشركات من النفقات والديون، كما بات من الصعوبة اتخاذ قرارات استثمارية جديدة.





