الصومال والسيناريو الأفغاني.. فشل أميصوم والقوات الدولية يعزز إرهاب «الشباب»
مستقبل غامض يحيط بالصومال في ظل انسحاب القوات الدولية من حربها ضد حركة «شباب المجاهدين» الإرهابية، التي بدأت في رسم الطريق لها بإعداد جيل جديد يحمل أفكارها المتطرفة من خلال فرض مناهج تعليمية متطرفة في بعض المناطق المسيطرة عليها بالصومال، إضافة إلى التخوّف من تكرار النموذج الطالباني في أفغانستان، وسيطرة الحركة على مقاليد الحكم هناك، ما يعزز الوجود الإرهابي والقاعدي بالبلاد التي تشهد إرهابًا متزايدًا منذ مطلع الألفية الحالية، ومحاولة السيطرة على الدول الإفريقية المجاورة للسيطرة على القرن الأفريقي، ونقل القيادة هناك.
بداية الظهور
بدأ ظهور حركة «شباب المجاهدين» الإرهابية، عام
2006، كإحدى الأذرع العسكرية لما عرف آنذاك بـ«اتحاد المحاكم الإسلامية» في الصومال،
التي كانت تُسيطر حينها على مقديشو (العاصمة الصومالية) وسعت لإقامة ما يسمى بـ«خلافة
إسلامية»، إذ ساندت الحركة في بدايتها «اتحاد المحاكم»، حيث خاضت معارك ضد القوات الحكومية
المدعومة بقوات إثيوبية، والتي اضطرت إلى الانسحاب في نهاية 2008، ويجمعها ارتباط وثيق
بتنظيم «القاعدة» منذ عام 2009، وأعلنت ولاءها رسميًّا في 2012 للتنظيم، وذلك في شريط
مصور بثته الحركة آنذاك.
مع بداية تأسيسها، ضمت الشبكة أعضاء حاليين وسابقين
من تنظيم «القاعدة» في شرق إفريقيا، إذ حظي المحاربون القدامى من أفغانستان بامتيازات
داخل الحركة بناء على علاقاتهم الواضحة بينهم وبين «القاعدة»؛ لتكون هذه هي بداية العلاقة
بين الحركة والتنظيم، حيث كانت الحركة في حلول 2005، قويت كتنظيم وشاركت في حملات للسيطرة
على مقديشو في ذلك الوقت، والذي عرف بـ«شبح الحرب في مقديشو»، وقامت الحركة بدعم المحاكم
الشرعية ضد القادة العسكريين.
نجحت «شباب المجاهدين» في تعزيز موقعها ونفوذها
ضمن نظام المحاكم الشرعية الإسلامية، وشغلت منصب نيابة القيادة في جيش المحاكم الشرعية،
وقامت بجمع تبرعات بين الشتات الصومالي، وتسلمت مسؤوليات في أنشطة الصحة وعمل الشبيبة
ضمن التحالف، ولكن مع دخول القوات الإثيوبية نهاية عام 2006، ودحرها لسلطة المحاكم
في مقديشو أخذت الحركة فرصة قوية لإثبات وجودها ومبررات لفرض أجندتها الإرهابية، حيث
توفر لهم المبرر الكافي لحمل السلاح واستخدامه في وجه العدوان الإثيوبي.
انفصلت الحركة عن باقي المحاكم الشرعية، بحلول منتصف
2007، مصرحة عبر وسائل الإعلام بأنها لم تعد تحارب كمقاومة، بل إنها تخوض جهادًا مسلحًا
ضد ما سمته بـ«العدوان الإثيوبي»؛ الأمر الذي يتعارض مع التحالفات التي كانت المحاكم
الشرعية قد قامت بها وتزامن في ذلك الوقت تولى أحمد عبدي جودان قيادة الحركة.
وتضم الحركة الصومالية بين صفوفها ما بين خمسة إلى
تسعة آلاف مقاتل بحسب مصادر لوموند، بينهم صوماليون ومقاتلون أجانب أغلبهم قدموا من
دول عربية إضافة إلى باكستان، وعددهم حوالي 800 مقاتل، وبات المدعو «أحمد عمر أبو عبيدة»
في سبتمبر 2014، على رأس الحركة بعد تأكد مقتل زعيمها السابق المدعو «أحمد عبدي غودان»
الذي لقي مصرعه في ضربة جوية أمريكية. وفي نفس السنة، جددت الحركة ولاءها للمدعو «أيمن
الظواهري»، زعيم تنظيم القاعدة.
صراع متواصل
أسهمت الاضطرابات الداخلية بالصومال في منح الجماعات
الإرهابية، وأبرزها حركة «الشباب» فرصًا لزيادة نفوذها نحو تحقيق هدفها في تأسيس ولاية
مزعومة بالقرن الأفريقي تهدد أمن شرق القارة السمراء، وتفرض قيودًا عقائدية وسياسية
خاصة بها على المواطنين بالمنطقة.
وتتعدد مخاطر حركة الشباب في المنطقة من حيث تنفيذ
عمليات إرهابية مستمرة ضد نقاط أمنية وسياحية هامة في الصومال، إلى جانب تهديد الملاحة
وعمليات الصيد في منطقة القرن الأفريقي، وتنفيذ هجمات ضد دول الجوار وأبرزهم كينيا.
وتستغل حركة «الشباب» نفوذها بالمنطقة للهجوم على
القواعد العسكرية في الصومال وكينيا، إضافة إلى استغلالها الخلاف السياسي مع تنظيم
«داعش»، لتنفيذ هجمات في مناطق متفرقة بالبلاد، حيث قامت كل منهما بالعديد من التفجيرات
والعمليات الإرهابية ضد المدنيين والعسكريين في البلاد.
كما تستغل الجماعة ثروات الصومال للتربح الاقتصادي
والتكسب السياسي، إذ أفادت الأمم المتحدة أن الحركة تتربح من الفحم النباتي عالي الجودة
في الصومال، حيث كان عام 2021، ممتلئا بالعمليات الإرهابية التي شنتها الحركة الإرهابية،
والتي كان أبرزها استهداف الاقتصاد، ومنها
اقتصاد الملاحة والاستثمارات المرتبطة بالمسطحات المائية مثل الموانئ وأساطيل الصيد؛
ما يعني أنها تهدد الموارد الكبرى والصغرى سواء استثمارات الدول أو استثمارات العمال
الصغار، حيث تمثل الفنادق والمناطق السياحية مقصدًا خطيرًا لهجمات حركة «الشباب» في
المنطقة.
في ديسمبر 2021، وبعد مغادرة القوات الحكومية التابعة
لحكومة الصومال، شنت حركة الشباب، الارهابية، المزيد من العمليات الإرهابية من أجل
السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الصومالية،
وخاصة في ولاية جلمدج، وذلك فى ظل غياب أي رد فعل رسمي من الحكومة الصومالية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول من الجيش الصومالي،
أن عناصر «الحركة» الذين سيطروا على بلدة تقع
على بعد 30 كيلومترا جنوب دوسماريب عاصمة جلمدج، قصفوا أيضًا مركزًا للشرطة قبل السيطرة
على البلدة.
وخلال ديسمبر 2021، سيطرت الجماعة على بلدة تقع
على بعد 30 كيلومترًا جنوبي دوسامارب عاصمة جالمدج، في وقت قصفت حركة الشباب مركزًا للشرطة
قبل السيطرة على البلدة، وغادرت قوات ولاية جلمدج، البلدة، لتفرض الحركة سيطرتها عليها.
وعن التصعيد الإرهابي للحركة، تشهد «الشباب» تطورًا في الهيكل والتكتيك، فانتقلت من مجرد مجموعة
مسلحة في الصومال، إلى حركة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وتمكنت من بسط
سيطرتها على نِصف أراضي الصومال، وتسعى إلى الحُكم من خلال محاولاتها عرقلة الانتخابات
الصومالية، خاصة مع ما تبثه من رعب في نفوس الصوماليين، عبر تحذيرهم من المشاركة في
الانتخابات، حيث وجَّه المتحدِّث باسم الحركة، تحذيرًا مباشرًا وصف خلاله الصوماليين
بـ«الكفار» حال مشاركتهم في الانتخابات، كاشفًا أن استهداف شيوخ العشائر كان لمشاركتهم
في تشكيل الحكومة السابقة.
وبدعم من «القاعدة»، حققت الحركة، في ولايات خلت
من «حركة الشباب» منذ أكثر من 10 سنوات، دليلاً
على أن الحركة التي تربطها صلات بتنظيم «القاعدة»، تستفيد من انقسامات سياسية تزداد
عمقًا في الصومال قبل الانتخابات الرئاسية التي أُجّلت لفترة طويلة والمقرر إجراؤها
العام المقبل، حيث برزت عمليات التوغل في أعقاب اقتتال داخلي بين الحكومة الصومالية
وحلفائها السابقين من «جماعة أهل السنة والجماعة»، وهي ميليشيا في جلمدج لعبت دورًا أساسيًّا في القتال ضد «حركة الشباب»، فيما تقول الجماعة إن هذه الحكومة سمحت بتقرب
كثير من المتشددين إليها.
قوات دولية
وفي إطار الجهود الدولية القضاء على حركة «الشباب»
الإرهابية الموالية لتنظيم «القاعدة» في الصومال، أعلنت بريطانيا مشاركتها في الحرب
على الحركة بإرسال قوات للتدريب إلى الصومال، مؤكدة أن الخطوة ستتم خلال العام المقبل،
حيث ذكرت صحيفة «الصومال الجديد»، منتصف عام 2021، أن بريطانيا ستشارك بعدد 250 جنديًّا،
ويأتي هذا بعد أشهر فقط من إعلان إنشاء لواء العمليات الخاصة من قبل قائد القوات الجوية
الخاصة السابق الجنرال السير مارك كارلتون سميث، الذي يرأس حاليًا الجيش البريطاني.
وأعلنت الحكومة البريطانية اكتمال تدريب 500 جندي
صومالي على شكل خمس دفعات، آخرها تتكون من 113، وتم تخريجها في 31 ديسمبر 2020، حيث جاء
وفق بيان رسمي نشره موقع الحكومة البريطانية، فإن الجنود الصوماليين تدربوا على مهارات
المشاة الأساسية لمحاربة الجماعات المسلحة، إذ تشمل التدريبات، الرماية والدوريات والمساعدة
الطبية وتقنيات مكافحة العبوات الناسفة، وقدمها فريق عسكري مكون من 26 ضابطًا في السلاح
الملكي البريطاني.
وإلى جانب التواجد البريطاني، ظهرت تحركات أمريكية
في البلد التي تعاني من إرهاب «شباب المجاهدين»، حيث زار مسؤولون كبار بإدارة الرئيس
الأمريكي جو بايدن الصومال الأسبوع الماضي، فيما قال البيت الأبيض إن الهدف هو تعزيز
الحرب ضد حركة الشباب.
ووفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، أشار إلى أن
الزيارة ركزت على النهوض بسياسة إدارة بايدن لمكافحة الإرهاب؛ في مشهد متطور للتهديدات،
وإعطاء الأولوية للتهديدات الأكثر خطورة وتزايدًا، وتمكين الشركاء المحليين من منع
ومكافحة التهديدات الإرهابية داخل حدودهم، والعمل بشكل متعدد الأطراف مع الحلفاء والشركاء
الإقليميين والدوليين.
إلى جانب ذلك، اختتم أحد عشر جنديًا يخدمون في إطار
بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) دورة تدريبية حول آليات تشغيل الطائرات
بدون طيار، الدرونز، والتي تعتبر مهمة للعمليات العسكرية الحديثة، حيث قام مكتب الأمم
المتحدة للدعم في الصومال وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بتيسير حلقة عمل تدريب
استمرت أسبوعين في مقديشو، وذلك بالتعاون مع مدربين من خدمات التكنولوجيا الميدانية
التابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى استخدام الطائرات الصغيرة غير المأهولة المجهزة بنظام
التصوير بالأشعة تحت الحمراء في القوافل والدوريات الراجلة والمراقبة وعمليات البحث
والإنقاذ وتقييمات ساحة المعركة.
مهمة فاشلة
في الجهة المقابلة، ذكر تقرير معهد الدراسات الأمنية
الأفريقية (ISS)،
في دراسة له، أنه من المقرر أن تنسحب قوات «أمصيوم» في 31 ديسمبر المقبل، مما ينذر
بعودة حركة «الشباب»، المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تزداد تغلغلًا في مؤسسات الدولة،
بما فيها الأمنية، مستغلة الطابع العشائري للمجتمع.
وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال مهمتها مكافحة
تمرد حركة الإرهابية، وتقوية القوات الحكومية، وتضم قوة قوامها أكثر من 19 ألف جندي
وألف شرطي، إلا أنها لم تحقق كل أهدافها، وذلك في تكرار لما حصل في أفغانستان ومالي؛
حيث لم تنجح القوات الأمريكية ولا الفرنسية في القضاء على الإرهاب والتطرف في البلدين.
وعن مستقبل أموصيوم الذي أحيط بالفشل، فذكر تقرير
معهد الدراسات الأمنية الإفريقية، أنه طرح 5 خيارات وردت في توصيات للأمم المتحدة والاتحاد
الإفريقي حول مستقبل بعثة «أمصيوم»، أبرزها رحيل «أمصيوم» ونقل مسؤولياتها إلى قوات
الأمن الصومالية، واستبدال البعثة بالقوة الاحتياطية لشرق إفريقيا، وأطلقت عليها الأمم
المتحدة اسم «تحالف إقليمي خاص»، لكن هذه النصيحة ليست مؤثرة؛ لأن جميع المساهمين بقوات
في البعثة هم من شرق إفريقيا، إضافة إلى استبدال بعثة «أمصيوم» بمهمة تحقيق الاستقرار
بقيادة الأمم المتحدة، والرابع هو استبدال البعثة بعملية مختلطة بين الاتحاد الإفريقي
والأمم المتحدة، بجانب تخفيض عدد البعثة مع تمكين قوات الأمن الصومالية من تولي المسؤولية.
تخوف من السيناريو الأفغاني
وفي الوقت الذي تصرّ فيه بعثة السلام للاتحاد الأفريقي
«أمصيوم» الانسحاب الكامل من الصومال، وهو ما ينذر بخطر شديد، حيث يتوقع بانسحابها
تكرار نفس السيناريو الأفغاني في البلاد، وحال أي انسحاب عشوائي من قوات «أميصوم، فلن يكون مصير الصومال أفضل من مصير أفغانستان،
من حيث سقوطها في قبضة التنظيمات الإرهابية مع انهيار الحكومة الشرعية.
وبحسب ما رصدته تقارير أمنية وسياسية، فإن القوات الدولية في البلدان الثلاثة لم تحقق الهدف المرجو منها، وهو إنهاء الإرهاب وإعادة بسط سيطرة القوات الحكومية على أراضي البلاد كافة، حيث أشارت «كيت فوستر» سفيرة بريطانيا في الصومال، إلى أنّ هناك مخاوف من حدوث مثل ما حدث في أفغانستان، إذا انسحبت القوات الأفريقية من الصومال قائلةً: «أعتقد أنّ الوضع في أفغانستان هو شيء تحدث عنه الصوماليون هذا الأسبوع، وهناك دروس يمكن تعلمها، والوضع في أفغانستان مشابه للوضع في الصومال، أؤكد للناس أنه لا توجد خطة فورية لانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، لكنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرر أنه يجب أن يتم تسليم القيادة الأمنية للقوات الصومالية بشكل منظم».
وأوضحت السفيرة أنّ الحكومة الصومالية والاتحاد الأفريقي يجريان محادثات لتنفيذ خطة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لتسليم المهام إلى أجهزة الأمن الصومالية، التي ستشمل في نهاية المطاف تقديم المشورة والتدريب لقوات الأمن الصومالية.
مستقبل غامض
يحيط بالصومال مستقبل غامض إثر تواجد الحركة الإرهابية
وانسحاب القوات الأفغانية من هناك، حيث تسعى «الشباب»، لفرض مناهج تعليمية متطرفة في
بعض المناطق المسيطرة عليها بالصومال، وذلك في إطار نشر الأفكار المسومة، والتي تهدد
الأجيال والنشأة القادمة من الأطفال.
ووفق التقرير الذي أصدره موقع «الصومال الجديد»
في أغسطس 2021، أكد فيه أن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي تحاول فرض
مناهج دراسية قامت بإعدادها، وتحمل فكرها المتطرف، وتشمل جميع المراحل الابتدائية،
الإعدادية والثانوية في مدارس العاصمة مقديشو، حيث استدعت الحركة مديري بعض المدارس
الكبرى في مقديشو لمناقشة الموضوع، وأصدرت لهم أوامر باعتماد المنهج الجديد الذي أعدته
الحركة في فترة سابقة.
وبحسب التقرير فإن الأمر قد يسبب بالفعل تحديَدًا
لمسؤولي المدارس ممن يجدون أنفسهم بوجه تهديدات الميليشيات حال عدم تنفيذ تلك الأوامر،
بما أنهم لا يستطيعون قبول ذلك إذ تخضع العاصمة مقديشو لسيطرة الحكومة الصومالية.





