سيناريوهات المستقبل الغامض.. الانتخابات الليبية تواجه تحديات في ظل وجود الميليشيات والثغرات القانونية
مع بداية التحضير للعرس الانتخابي الليبي، تزايدت وتيرة العنف، وظهرت العديد من السيناريوهات التي توحي بظهور توترات وردود أفعال سيتخذها الجانب الخاسر في أعقاب الانتخابات، والاتجاه لتأجيلها وتقويضها قسرًا، بل وعدم إجرائها بقوة، وسط غياب شخصية توحّد الليبية بصفة مطلقة، بجانب الثغرات التي طغت على الساحة الليبية بدءًا من وجود الميليشيات واستقالة المبعوث الأممي، نهاية بصياغة القانون الانتخابي الذي أثار لغطًا كبيرًا داخل الأوساط الليبية.
سيناريوهات وتحولات
وتؤكد المحلّلة والباحثة المستقلّة نادرة الشريف، المختصة في التحولات التي يشهدها العالم العربي والتي لها تقارير هامة حول الشأن الليبي، بخصوص خطر انفجار الوضع من جديد بسبب الانتخابات الليبية: «مع أنه هناك أكثر من 90 مرشحًا للرئاسة، لكننا لا نرى شخصية موحدة في جميع أنحاء البلاد.. إننا نخشى التوترات وردود الأفعال التي سيتخذها داخل الجانب الخاسر في أعقاب الانتخابات»؛ مضيفةً: «منذ بداية الحوار السياسي وحتى اليوم تغير معنى هذه الانتخابات تمامًا، كان الهدف الأول عندما أطلقت الأمم المتحدة هذا الحوار، البدء من الصفر على أساس جيد، ومع ذلك أصبحت الانتخابات في الأشهر الأخيرة هدفًا في حد ذاتها، يُنظر إليها على أنها غنائم حرب، ويلقي العديد من الليبيين باللوم على الفاعلين السياسيين لتمسكهم بالسلطة بأي ثمن».
وفيما يتعلق بتأجيل الانتخابات، تنوه نادرة الشريف، إلى طرح سيناريوهات تأجيل الانتخابات وتقويضها بل وعدم إجرائها بقوة بين أوساط المفكرين والمحللين كفرضيات واردة جدًّا خاصة بعد ما رافق الطعون من تحركات بلغت حد استخدام القوة والسلاح، ومع غياب شخصية توحّد الليبية بصفة مطلقة فإن الانقسامات مطروحة هي الأخرى بقوة، وهي السبب الأساسي والرئيس للصراعات القائمة منذ 2011 التي تتقد شيئًا فشيئًا مع تأجيجها خارجيًّا وبتدخل المرتزقة والميليشيات، قائلةً: «نعتقد أن هناك انفصالًا بين ما يتوقعه الناس من الانتخابات وما سيحدث، فحيث يطالب الناس بتغيير كامل في الطبقة السياسية، إلا أننا نرى أن أغلبهم يقدمون أنفسهم كمرشحين.. في حين أن المخاطر المرتبطة بالاستقطاب السياسي الحالي حول الانتخابات واضحة، فإن الفشل في تنظيم الانتخابات يمكن أن يؤدي إلى تدهور خطير في الوضع في البلاد، ويؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات، كما أقر المبعوث الخاص يان كوبيتش الذي استقال في 17 نوفمبر، في تصريح له».
ليبيا بين المطرقة والسندان
وعما يريده الليبيون من الانتخابات المزمع إجراؤها أواخر ديسمبر الجاري، تنوه البحثة والمحللة المتخصصة نادرة شريف، إلى أن البلاد باتت الآن بين المطرقة والسندان، حيث يشير مراقبون للشأن الليبي، أن الليبيين يريدون إجراء انتخابات؛ لأنهم يرونها وسيلة لتجديد طبقة سياسية لا يثقون فيها كثيرًا ولإعطاء المسؤولين المنتخبين في المستقبل شرعية معينة لا يتمتع بها من هم في السلطة حاليًا، إذ يؤكد العديد من الليبيين أنه مهما كانت السلطات المنتخبة فإنها على الأقل ستتمتع بشرعية الشعب وسيكون لهم الحق في تقرير مصيرهم.
وأثارت صياغة القانون الانتخابي والإعداد اللوجستي للانتخابات الليبية منذ البداية لغطا كثيرًا، لكثرة ثغراته، ونقص بنوده وعدم وضوحها، الأمر الذي تسبب في تأجيل الانتخابات التشريعية، والإبقاء على الرئاسية في موعدها المقرر لها 24 ديسمبر الجاري، وهو ما برز جليًا بعد عملية التقديم وما صاحبها من تشكيكات وطعون.
وفي تعليق سابق على هذا القانون الانتخابي الذي لاقى نقدًا كثيرًا، قال عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المؤقتة، الذي خوّلته له المادة 12 من القانون، ونصت هذه المادة على: «يعدّ كل مواطن، سواء أكان مدنيّا أم عسكريّا، متوقفًا عن العمل وممارسة مهامّه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله وتُصرف له مستحقاته كافة».
شكوك انتخابية
وكالة الأنباء الرسمية الليبية، أفادت قبيل تقديم الترشحات، أن قيادات ونخب سياسية وبرلمانية ليبية، من بينها مفوضية الانتخابات والبعثة الأممية ومجلس الدولة وبعض أعضاء المجلس الرئاسي الليبى، تجرى مشاورات لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات الذى أثيرت حوله العديد من الملاحظات والشكوك، دون تحديد وقت محددٍ لها، مما ساهم في الوضع الحالي من الطعونات والتنديدات التي بلغت حد استخدام القوة والسلاح.
وعلى الرغم من الاتفاقيات والتنصيص على ضرورة خروج المرتزقة والميليشيات من ليبيا منذ اتفاق وقف إطلاق النار ومهلة الـ90 يومًا التي نص عليها مؤتمر جنيف حتى قبل البدء في المسار السياسي والتحضير للانتخابات، كان أولى أولويات عملية الاستقرار ونجاح المسار الانتقالي، وبالتالي نجاح الاستحقاق الانتخابي الذي سيضمن خروج ليبيا من دائرة الفوضى والأزمات هي سحب المرتزقة والميليشيات من الآراضي الليبية، فإن تموقعهم في المشهد الليبي لسنوات طوال بات يلقي بظلاله على العملية الانتخابية إذا يبحث بعضهم عن موطئ قدم، ويبحث البعض الآخر عن حليف جديد قوي، بينما يبحث الكثير منهم عن تقويض العملية برمتها لضمان البقاء.
ثغرات قانونية
فيما تأتي من بين الثغرات التي أحدثت في الداخل الليبي، استقالة المبعوث الأممي لليبيا «يا كوبيتش»، حيث أثارت استقالته المفاجئة، وقبيل أيام عن الانتخابات الليبية، جدلًا واسعًا وتساؤلات كثيرة، خاصة أن المبعوث الأممي السابق «غسان سلامة»، قد استقال هو الآخر مغردًا بتدوينته الشهيرة قائلا: «سعيت لعامين ونيف للّم شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد»، بينما لم يوضح «كوبيتش» الأسباب الحقيقية التي دفعته للاستقالة في هذا الظرف بالذات، خاصة بعد حضوره اللافت في مؤتمر باريس وتصريحاته المحمسة والإيجابية للمرحلة القادمة في ليبيا.
ويؤكد مراقبون للشأن الليبي، أن الاستقالة جاءت بسبب الخلافات الحاصلة في العملية الانتخابية الليبية، بينما رجّح آخرون إلى أن الاستقالة جاءت بعد ضغوط في مجلس الأمن الدولي، ولكن الأمم المتحدة أكدت على لسان متحدثها الرسمي «ستيفان دوجاريك»، أن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» قبل استقالة «كوبيتش»، مؤكدًا أن الاستقالة لم تكن مفاجئة.
للمزيد: قبل إجرائها.. انتخابات ليبيا بين الدعم الدولي والتشكيك الأممي في نزاهتها





