أسباب وآليات التقارب الروسي مع «طالبان»
الخميس 26/أغسطس/2021 - 10:46 م
محمود البتاكوشي
السياسة لا تعرف المستحيل، فلا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، المصالح تحكم كل شيء، فعلى الرغم من أن روسيا كانت تحظر جماعة طالبان وتعتبرها إرهابية، منذ عام 2003 لكنها أطلقت أكثر من تصريح مؤخرًا بعد سيطرة الحركة على السلطة في أفغانستان، أكدت فيه استعدادها للتعاون مع النظام الجديد بحسب تصريحات «ضمير كابولوف» المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان عن تفاؤل موسكو بالعلاقات بين روسيا وأفغانستان بعد تغيير السلطة في هذا البلد، مؤكدًا أنه سيتحدث مع الملا عبدالغني برادر رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان.
وأكد أن روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع الحكومة الأفغانية التي غادرت البلاد وحركة طالبان على حد سواء، لذلك فإننا غير قلقين، كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع ممثلي حزب روسيا الموحدة الحاكم، أن الوضع في أفغانستان له علاقة مباشرة بأمن روسيا، فنحن لا نريد أن يأتينا المسلحون الأفغان تحت غطاء اللاجئين، وذلك يعكس رغبة النظام الروسي في التعاون مع طالبان حتى لا تتحمل فاتورة الفوضى المحتملة في أفغانستان والتي ستؤثر قطعًا على منطقة آسيا الوسطى، وربما تمتد إلى شمال القوقاز وتضر بمصالحها القومية.
ولا أحد ينسى أن وجود قوات التحالف الدولى في أفغانستان سمح بنشر القواعد الغربية في منطقة آسيا الوسطى، قاعدة فرنسية في طاجيكستان- قاعدة ترمذ الألمانية في أوزباكستان- قاعدة كارشي الأمريكية في أوزباكستان- قاعدة ماناس في قرغيزستان، مما أقلق روسيا من توسع الناتو على حدودها الغربية وتطويقها من كل جانب.
لعب وجود تنظيم «داعش» داخل أفغانستان منذ عام 2017 مفعول السحر في تحسن العلاقة بين روسيا وطالبان إذ تخوفت موسكو من تجمع مقاتلي التنظيم الإرهابي وأن تتحول أفغانستان إلى مركز جديد لتجمع المقاتلين ومهاجمة حلفائها، وإحياء التمرد في شمال القوقاز، وذلك لضعف حكومة كابول.
وظهر ذلك جليًا في استقبال موسكو وفد طالبان المكون من خمسة من قادتها في إطار سعيها إلى عقد مؤتمر للسلام لبدء مفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان تحت اسم «صيغة موسكو»، في 9 نوفمبر 2018، وتوالت بعد ذلك الاجتماعات في عامي 2019 و2020، وفي العام الحالي، ونتج عن ذلك العديد من التفاهمات بشأن عدة أمور بين الجانبين، بدليل عدم إغلاق سفارة روسيا في كابول، وتأكيد طالبان أنها لن تسمح لأي شخص أو جهة باستخدام أراضي أفغانستان لمهاجمة روسيا، أو البلدان المجاورة، أو تهريب المخدرات إلى روسيا، وأن القنصلية الروسية في مدينة مزار شريف، تحت حماية الحركة، ولن تسمح بالهجوم عليها.
روسيا ترغب في التقارب مع طالبان بسبب قربها الشديد من حدودها إذ يفصل بينهم 4,053 كم فقط لذا ترغب موسكو في أن يعم الاستقرار أفغانستان حتى لا تتحول إلى مخلب قط يهدد أمنها القومي لذا أكد نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، ڤلاديمير جباروڤ، أن الحكومة الروسية لا بد لها من التواصل مع طالبان، بل إنها «ستتعامل مع أي حكومة أفغانية مقبلة، حتى لو بقيادة طالبان، ما دامت الأخيرة ملتزمة بعدم التعرض للمصالح الروسية»، مع طرحه إمكانية إعادة النظر في تصنيفها كمنظمة إرهابية محظورة في روسيا، طالما لن تهدد المصالح الروسية.
ترى موسكو ضرورة التنسيق مع طالبان حتى تتخلص من خطر تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، والحركات الجهادية في شمال القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى لتتحول أفغانستان إلى مركز تجمع لهذه الحركات؛ مما يزيد الأعباء الأمنية عليها، ويضعف قدراتها السياسية الخارجية.
كما يشكل سيطرة حركة طالبان على أفغانستان تهديدًا كبيرًا لروسيا، إذ قد يسمح بوجود جماعات معادية لروسيا في أسيا الصغرى مثل جماعة الإخوان في طاجيكستان، إلى جانب حركات جهادية لها امتدادات عرقية في أفغانستان، مع إمكانية انخراطها في الصراع، مثل حركة أوزباكستان الإسلامية الجهادية المتطرفة، التي لها حاضنة شعبية عرقية وأيديولوجية داخل الأوزبك في أفغانستان، وقد بايعت عام 2015 طالبان، ثم انقلبت عليها وبايعت تنظيم داعش الإرهابي، ومنظمة الإكرامية الإسلامية، وتنظيم جند الخلافة، وحزب آلاش الإسلامي- القومي في كازاخستان، المعادي لروسيا وثقافتها، والذي يدعو إلى طرد الروس من كازاخستان.
وفي المقابل، تسعى طالبان إلى نيل اعتراف دولي بها عبر عقد مفاوضات مع موسكو، التي تدرك جيدًا أهمية أفغانستان بالنسبة إلى الإستراتيجية الأمنية والجيوسياسية الروسية، وأنها الأقرب إليها من أي طرف آخر؛ ولذلك حرصت على تقديم تطمينات لروسيا لتبديد مخاوفها.





