التأثير النفسي لحكم طالبان على الجماعات المتطرفة واستغلال القوى الكبرى له
يُمثل نجاح حركة طالبان في السيطرة على العاصمة كابول قلقًا لدى بعض المتابعين خشية من التأثير النفسي لهذا الانتصار المزعوم على الجماعات المتطرفة حول العالم، ما يطرح التساؤلات حول احتمالية تكرار التجربة في بقاع أخرى، إلى جانب المحددات التي تُقيم عمليات المواجهة الدولية للتطرف.
تخضع متغيرات التأثير النفسي لبعض العوامل، أبرزها ما هو داخلي نابع من الجماعات الإرهابية ذاتها، ومن رغبتها في تقليد النموذج، ومنها ما هو خارجي تلعب من خلاله القوى الفاعلة لتغيير المشهد السياسي والاجتماعي في منطقة ما، هذا كله يقابله مجهودات مختلفة في التصدي تتحدد قوتها على أساس الأهداف المرجوة من المنطقة المشتعلة والجماعات المتطرفة بداخلها.
متغيرات التأثير النفسي المعتمدة على الجماعة ذاتها
يُطرح نجاح طالبان كمقدمة لمخاوف دولية من إمكانية تكرار التجربة في مناطق أخرى، وبالنسبة لما يحيط التجربة الأفغانية من خصوصية تاريخية واجتماعية وجغرافية، فإن اللافت في هذا المتغير هو احتمالية تأثيره على جماعات الجوار أكثر من الجماعات الممتدة في بقاع جغرافية أخرى.
أولًا: الجماعات ذات الخلفية الدينية
تبدو الجماعة الأوزبكية والتركمانية وغيرهما من حركات المنطقة أقرب للتأثر بالنموذج الطالباني عن غيرهم من الجماعات الأخرى نظرًا للخبرات القريبة جغرافيًّا مع أبعاد الأزمة، كما أنها وبالأخص التركمان تبحث عن استقلالية جغرافية محدودة وليست دولية وسط ترويج لاضطهاد من الحكومة.
كما أن الجماعات المتطرفة بمناطق القوقاز تبدو كمتغير مقلق في هذه الأزمة، فبعضهم يقدم نفسه كتيار استقلالي يناهض التدخل الروسي في البلاد ويريد حكمًا خالصًا بغير تبعية، حتى وإن كانت صورية، وبالأخص وهم يشاهدون موسكو وهي تبني علاقات جيدة مع طالبان على الرغم من تصنيفها كإرهابية، وفقًا لقوانين البلاد، ومن ثم فإن ما تبديه طالبان من قوة جعلت الحكومة الروسية تجالسها سياسيًّا بالرغم مما بينهما من عداءات قانونية قد ينمي روح الاقتداء لدى جماعات المنطقة.
ثانيًا: الجماعات من غير الخلفية الدينية
إن التأثير النفسي لطالبان قد لا يقتصر على الجماعات ذات الخلفية الدينية فقط بل من المحتمل أن يمتد إلى الجماعات التي تبحث عن الاستقلالية الخاصة دون البحث وراء التمدد الدولي، ومنها نسور التاميل في سيريلانكا، والتي بالفعل تمتلك ترسانة متطورة من الأسلحة، ولديها سلاح جوي وبحري، وتأمل في الانفصال عن الحكومة المركزية دون أطماع إقليمية.
ثالثًا: محددات الردع الدولي وعلاقتها بنجاح التنظيم
الأطماع الإقليمية تبقى كعامل مهم في المواجهة لهذه الجماعات المتطرفة، ما يحدد الفترة الزمنية المسموح بها لانتشارهم واندثارهم، بمعنى أن الجماعات ذات البُعد الدولي، والتي تسعى لضم جميع الدول تحت ولايتها يزداد حجم أعدائها وتشعر معها الحكومات بتهديد حقيقي لكيانتهم، بيد أن الجماعات المحلية كطالبان، التي لا تزال تحافظ على محليتها، من المحتمل أن تحظى بنوع من القبول أو على الأقل التغافل مادامت تحقق المطلوب منها دوليًّا.
رابعًا: تأثير التجربة على جماعات الشرق الأوسط
وفيما يخص تأثير التجربة على الجماعات التي تتخذ من الشرق الأوسط معقل رئيس لها كداعش، فإنها قد تتأثر على مستوى العناصر الدُنيا، من جهة الطموحات نحو مكاسب مشابهة، ولكنها هي ذات الجماعات التي ستصطدم بالنوع الأول من المواجهة الدولية؛ لأن السماح لها بالتمدد تحت غطاء دولي يعني أن الجميع معرض لمخاطرها.
وعلى الرغم مما سبق، فإن هيئة تحرير الشام أو (جبهة النصرة) تبدو أكثر احتمالًا للتأثر الزائد عن داعش، فهي تابعة فكريًّا للقاعدة، ولكنها في الوقت ذاته تستخدم كأداة لتحقيق أهداف دولية في سوريا، وقد تسعى أو يتم تهيئتها لتلعب دورًا أكبر كتيار سياسي يتبنى فقه الدولة عطفًا على نجاح طالبان، وتتبرأ من الجماعة الأم حتى ولو كان هذا خطابًا إعلاميًّا فقط، شأنها شأن طالبان وواشنطن أيضًا.
متغيرات التأثير النفسي المعتمدة على القوى الدولية
يبعث المشهد المرتبك الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على طرح تكهنات حول مدى توظيف هذا التأثير النفسي لكي تتلاعب الدول الكبرى ببعضها البعض، بأن تزرع أحدهما الأمل لدى جماعة متطرفة متواجدة بالفعل لإحداث قلاقل للحكومات المنافسة.
فكما أسهمت القوى الكبرى بتضخيم طالبان عندما اتخذتها كطرف أحادي في المفاوضات من أجل الانسحاب، من الممكن أن تستخدم الزخم المصاحب لمشاهد انتصار طالبان المزعوم لتنمية روح الغيرة والتقليد لدى جماعات أخرى، ولو من بعيد وبشكل غير مباشر، لإشعال مناطق بعينها بالأدوات ذاتها.
وتبدو الصين وروسيا كأحد أبرز المنافسين، كما أنهما يمتلكان بأراضيهما جماعات ذات خلفية دينية يُحتمل أن توظف لأداء أدوار تهديدية، فروسيا لديها جماعات مناهضة بالقوقاز ومناطق الحكم الذاتي بآسيا، ونغفل هنا عدواتها مع أوكرانيا؛ لأن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بتنامي جماعات متطرفة على حدوده، ومن جهة أخرى تتخوف الصين من استمالات عاطفية قد تحدث لبعض عناصر الإيجور.
المزيد.. دلالات خفوت القاعدة في أفغانستان.. التفاهمات السياسية والعقيدة التنظيمية





