تقدم «طالبان» نحو كابول يتحدى معايير الاعتراف الدولي بالحركات المتطرفة
السبت 14/أغسطس/2021 - 11:25 ص
نهلة عبدالمنعم
يتوالى استيلاء حركة طالبان على الولايات الأفغانية التي لم تكن تابعة لسيطرتها من قبل، حتى وصل في 12 أغسطس 2021 مجموع ما استولت عليه نحو 11 ولاية، ما يطرح تساؤلات حول سيناريوهات المستقبل فيما يخص شكل الحكم بالداخل، وفرص الاستقرار المجتمعي، وأطر التعاون الإقليمي مع السلطة الجديدة في افغانستان.
ترزح أفغانستان منذ عقود تحت الاضطراب الأمني والصراع المسلح بين الحركات المتشددة وأهمهم طالبان، وبين قوات الحكومة من جهة، وبين القوات الأجنبية من جهة ثالثة، ومع خروج الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» من المشهد تزايد طموح القوى الداخلية للوصول إلى الحكم، ولكن السلاح المنتشر بالبلاد على وقع التراخي الأمني يهدد بفوضى قد تصل حد الحرب الأهلية.
طالبان تقترب من كابول
باتت حركة طالبان تقترب من السيطرة على مدينة غزني التي تبتعد عن العاصمة كابول 150 كيلومترًا، ومدينة قندوز في شمال شرق البلاد، والتي تبعد عن كابول 300 كيلومتر، ما يعد تطويقًا أمنيًّا للعاصمة، إلى جانب مدينة هرات غرب البلاد ومدينة قندهار التي تعد ثاني أكبر المدن الأفغانية، كما استولت على مدينة بول الخمري في ولاية بغلان.
واتسمت سيطرة الحركة على 11 ولاية من أصل 34 بالسرعة في التنفيذ والاقتحام، إذ وقعت العملية خلال أسبوع واحد ما يضاعف من معنويات عناصر الحركة، ويزيد الضغط على القوات الحكومية التي تطالب بدعمها دوليًّا، في حين تؤكد الإدارة الأمريكية أن حكومة كابول قادرة عسكريًّا على صد الهجمات، ولكنها في الوقت ذاته تحذر رعاياها من البقاء بالبلاد.
وتتجه الأوضاع في أفغانستان نحو الحرب الأهلية المستعرة، فما روجته واشنطن حول الضرورة القصوى لتوقيع اتفاق فبراير كان إحلال السلام بالمنطقة حتى إنها نعتت الاتفاقية باتفاقية السلام، لكن الصراع الداخلي بات محتدمًا بقوة، فالعمليات العسكرية للحركة تجري على الرغم من المفاوضات المتزامنة والمنعقدة في العاصمة القطرية الدوحة بين زعماء طالبان والحكومة.
ويبدو أن طالبان كعادتها في التفاوض تجلس على طاولة المباحثات خارجيًّا بينما داخليًّا تتوسع في عملياتها العسكرية للضغط على الطرف المقابل لمزيد من الامتيازات السياسية.
وفي تصريح سابق لـ«المرجع»، أشار الباحث في شؤون الحركات الإرهابية علي بكر إلى أن «طالبان» تستغل قدراتها العسكرية أثناء المفاوضات بمثابة «كارت ضغط» للتكسب السياسي.
القوى الإقليمية وتقدم طالبان
يزيد تقدم طالبان على الأرض من القبول الدولي لها، فرغم ما تسوقه حكومة كابول حول العنف، وأن العمليات العسكرية لطالبان ستقلب عليها الطاولة، وتقلل من الاعتراف العالمي بها، فإن الاعتراف الدولي بأي سلطة مرهون بسيطرتها على الأرض، وبتحكمها الفعلي في زمام الأمور، بغض النظر عن طبيعة الحكم الداخلي لها؛ لأن الدول الكبرى تركز على مصالحها الخاصة دون الالتفات للمتغيرات الوطنية، وهو ما ظهر بجلاء في اتفاق واشنطن والحركة، والتي ضمنت من خلاله الأولى مصالحها فقط.
وتضع سيطرة طالبان وقربها الميداني من العاصمة صورة أقرب للتصور بالنسبة لما توقعته الدول الإقليمية المجاورة حول ظروف أفغانستان، ومن ثم فإن الأفضل لتقييم ما وصلت إليه الحركة أن تنضم الإدارة الأمريكية كمتغير فاعل في الأزمة، فهي منحت الحركة أفضلية دولية حين سمحت لها بالجلوس على طاولة المفاوضات كطرف داخلي وحيد، كما ضغطت على الحكومة للإفراج عن سجنائها.
وتظهر سيطرة الحركة على الأرض فيما تقدمت به الحكومة في 12 أغسطس 2021 من عرض سياسي إلى طالبان لتقاسم السلطة مقابل وقف القتال، ما يظهر حاجة الحكومة لخفض العنف، ولكن الحركة من جهتها اتهمت حكومة الرئيس أشرف غني بالمماطلة، وعدم الالتزام بالاتفاق.
ويفرض المشهد الحالي صورة أعمق لمصالح الدول الكبرى، وتحديدًا فيما يخص المد السكاني الشائك لهم، بمعنى علاقات الحركة وما ينافسها من تنظيمات متطرفة مع الإيجور على سبيل المثال، فمحلية الفكر الخاص بطالبان يجعلها أكثر تفضيلًا بالنسبة للصين عن تنظيم «داعش»، ومن ثم ستعمل بكين على دعم «طالبان» لتقويض انتشار «داعش»، وحماية مصالحها الاقتصادية بالبلاد.
ومع تمدد الحركة ستُزيد بكين دعمها لها بغض النظر عن الاختلاف الأيديولوجي الواسع بين الطرفين، لكن الأهم هو حماية المصالح، ينطبق الشيء ذاته على إيران، والتي إذا استطاعت طالبان الحفاظ على مصالحهما المشتركة ستتجنب تسليح طهران لشيعة الداخل.





