الإسلام السياسي ومأزق الحداثة.. كتاب يوضح أبعاد «الدولة المستحيلة»
الخميس 28/يونيو/2018 - 02:42 م
طه علي أحمد
لم تنفصل حركة ما يعرف بـ «الإسلام السياسي» عن الحراك الفكري الذي يشهده العالم خلال القرنين الأخيرين، لاسيما مع تنامي الجدل حول مستقبل الدولة خلال مرحلة «ما بعد الحداثة»، ونشوب صراعات فكرية طالت أطرافها كافة أرجاء الكرة الأرضية،
وقد احتل نموذج «الحكم الإسلامي» مكانة مركزية في هذا الجدل وخاصة بعد انهيار الدولة العثمانية، ليثار التساؤل حول النمط الأمثل للحكم في العالم الإسلامي، وهو ما تزامن مع الهيمنة الغربية التي أضحت محصلة للتقدم في كافة جنبات الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية للغرب.
وقد شهدت العقود الأخيرة تنامٍ ملحوظٍ لتأثير الكيانات التي استهدفت إقامة نموذج إسلامي للحكم، ومع التطور الملحوظ لمسيرة هذه الكيانات وصولا إلى فشل بدا واضحا للعيان خلال موجات ما عُرِفَ بالـ "الربيع العربي"، تتزايد وتيرة الجدل المصاحب لتلك الخبرة السلبية لتيارات الإسلام السياسي.
في هذا السياق يأتي كتاب «الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي» من تأليف «وائل حلاق» أستاذ الإنسانيات والدراسات الإسلامية في جامعة كولومبيا الأمريكية، الذي ينطلق من فحصٍ دقيقٍ لمصادر التراث الإسلامي ومصنفات الفقية والعقدية والفلسفة الإسلامية، والكتابات الغربية المعبرة عن أصل الحداثة الغربية ومعناها وتطورها، أو تلك التي تتحدث عن الأزمات التي خلقتها كل أوجه الحياة، بما في ذلك تدمير البيئة الطبيعية.
وانطلاقا من مفهوم الدولة الحديثة يعتبر المؤلف أن مفهوم «الدولة الإسلامية» مستحيل التحقق ذلك أنه ينطوي على تناقض داخلي واضح، إذ يعتمد في تلك الرؤية وتحديدا خلال ما قبل نشوء الدولة الحديثة حيث تمكنت الدولة الإسلامية من إقامة مجتمع إسلامي منظم، ليأتي الإستعمار مدمرا كافة أشكال البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وينحصر نطاق الشريعة التي تم إرساءها فيما سبق بأضيق حدودها.
لكن مع المحاولات الفاشلة للنهوض بكيانٍ إسلاميٍ، يؤكد المؤلف أنه لا يمكن للتيار الإسلامي إلا أن يعترف بالفشل، أولا في فهم طبيعة الدولة الحديثة، ومدى ملائمة أفكاره لها، وقدرته على تطويعها دون إعطائها الفرصة لاستدراجه تماما إلى ما سعى دوما لمواجهته والقضاء عليه، ومن ثم لا ينبغي أن تكون عملية المراجعة الحتمية تلك أقل من شاملة، ومبدعة، ومعتمدة على الدولة الحديثة كنموذج وحيد.
ومن ثم يلوم المؤلف على التيارات الإٍسلامية غياب الروح النقدية عنها، وما يلحق بذلك من تقليد سطحي وتكاثل عن البحث الموضوعي المتأني في الجذور التاريخية والأسس القيمية للتوجهات المختلفة، فيما يخص الدولة الحديثة وما يسمى «الإٍسلام السياسي» على سبيل المثال، وما ينتج عن ذلك من آفات أخرى، وتحديدا في التعاطي مع الحداثة والحضارة المعاصرة مثل الانهزامية والانتقاص من الذات وعدم القدرة على تصور فهم آخر للتقدم.
وهنا تكمن صعوبة التوفيق بين مشروع الإسلام السياسي وقيم الحداثة في صعوبة التوفيق بين هذه الدولة الحديثة وتطورها التاريخي ونسقها الفكري من جهة، وأي نظام قيمي من جهة أخرى، مهما كان ارتباط ذلك النظام بدين معين أو بفلسفة أخلاقية قائمة على مبادئ تختلف عن مبادئ عصر التنوير الأوروبي والحداثة الغربية.
ينطوي الدين الإسلامى على نظام أخلاقي أساسي استطاع تأسيس كيان حضاري لا يتعارض في قيمه مع الديمقراطية، بطرق غير معهودة في الدولة الحديثة وقانونها، وهو ما يدفع المؤلف للقول إن مبرر وجود الإسلام السياسي لا يتعلق فقط بالعدالة الاجتماعية بقدر ما تتسع لتشمل ممارسات الدولة الغربية السياسية والعسكرية في العالم الاسلامي.
يرفع الإسلام السياسي، راية أخلاقية مُسَيسة تزعم أنها تقدم نقدا للظلم الاجتماعي والفساد السياسي والهيمنة السياسية الغربية في إطار خطاب يبدو ظاهره أخلاقيا، لكنه، في ظل ممارساته الأخيرة، يفقد مبرر وجوده حيث تخلى عن أخلاقيته على مستوى الخطاب والممارسة معا.
ويعرض لإشكالية الدولة المستحيلة من خلال خصائص خمس للدولة الحديثة يرى أنها تتعارض بشكل واضح مع مفهوم الدولة الإسلامية، ويشير إلى تلك الخصائص فيما يلي:
• الدولة الحديثة فكرة غربية في المقام الأول.
• تقوم الدولة الحديثة على أساس تطور مفهوم سيادة الدولة.
• تحتكر الدولة الحديثة وظائف التشريع وما يترتب عليها من عنف مشروع.
• احتكار الدولة الحديثة للجهاز البيروقراطي للدولة.
• تتدخل الدولة الحديثة ثقافيا بشكل مهيمن في النظام السياسي.
ولأغراض تحليلية قام الباحث بتفكيك هذه الخصائص، كما أنه من خلال تفكيك العديد من المفاهيم مثل الإرادة السيادية وحكم القانون وغيرها مما يتصل بالمبادئ الأساسية للدولة الحديثة كالفصل بين السلطات وتطبيقاتها، سعى الكتاب لاستعراض الأطر الدستورية لكل من الدولة الحديثة والحكم الإسلامي في إطار مقارن.
وفي إجماله لاستحالة دولة «الحكم الإسلامي» يخلص الباحث إلى ثلاثة تحديات تواجه أي شكل للحكم الإسلامي، وهي الطبيعة العسكرية للدول الإمبراطورية القوية، والتغولات الثقافية الخارجية، والسوق العلمية الرأسمالية على أن هذه التحديات لا تنفصل عن بعضها البعض. فالتحدي الاقتصادي في بعض الأحيان يمثل إلزامات وفروض عسكرية وثقافية. وقد ثبت أن الهيمنة الثقافية غالبا ما دعمت العولمة الاقتصادية وأسواقها الحرة. وهو ما برهن عليه السياق العام لمرحلة الحرب الباردة إذ امتزجت القوى الثلاث وهي تؤدي هذا الدور.
مع أهمية وعمق رؤية المؤلف في الكتاب حول أطروحة "الدولة المستحيلة" إلا أنه ظل بعيدا عن تقديم تفسير أكثر عمقا وإقناعا لبروز نماذج للدولة الدينية في حالات مثل إيران، والنماذج الأكثر تطرفا مثل ما يتبناه تنظيم «داعش»، حيث يرتكز التحليل في الكتاب على التطور التاريخي المتزامن مع وأبعادها الحضارية، إلا أن شروط البيئة الحاضنة والدوافع التي عززت تقبل بعض القطاعات لهذه النماذج في لحظة تاريخية، وإن ظلت لحظات استثنائية، إلا أن المؤلف لم يغص في عمق التجربة الإيرانية واستمرارها بعيدا عن قيم الحداثة، رغم تعارض تلك الخبرة الإيرانية مع جوهر القيم الإسلامية.
لكن في المجمل تبقي أطروحة «الدولة المستحيلة» للباحث وائل حلاق إحدى حلقات سلسلة الاجتهادات الجادة، التي ألقت بأكثر من حجر في خضم الجدل الفكري الدائر في العالم الإسلامي بشأن النموذج الأمثل لعلاقة الدولة والدين، وموقف الحداثة من تلك العلاقة.
وقد احتل نموذج «الحكم الإسلامي» مكانة مركزية في هذا الجدل وخاصة بعد انهيار الدولة العثمانية، ليثار التساؤل حول النمط الأمثل للحكم في العالم الإسلامي، وهو ما تزامن مع الهيمنة الغربية التي أضحت محصلة للتقدم في كافة جنبات الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية للغرب.
وقد شهدت العقود الأخيرة تنامٍ ملحوظٍ لتأثير الكيانات التي استهدفت إقامة نموذج إسلامي للحكم، ومع التطور الملحوظ لمسيرة هذه الكيانات وصولا إلى فشل بدا واضحا للعيان خلال موجات ما عُرِفَ بالـ "الربيع العربي"، تتزايد وتيرة الجدل المصاحب لتلك الخبرة السلبية لتيارات الإسلام السياسي.
في هذا السياق يأتي كتاب «الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي» من تأليف «وائل حلاق» أستاذ الإنسانيات والدراسات الإسلامية في جامعة كولومبيا الأمريكية، الذي ينطلق من فحصٍ دقيقٍ لمصادر التراث الإسلامي ومصنفات الفقية والعقدية والفلسفة الإسلامية، والكتابات الغربية المعبرة عن أصل الحداثة الغربية ومعناها وتطورها، أو تلك التي تتحدث عن الأزمات التي خلقتها كل أوجه الحياة، بما في ذلك تدمير البيئة الطبيعية.
وانطلاقا من مفهوم الدولة الحديثة يعتبر المؤلف أن مفهوم «الدولة الإسلامية» مستحيل التحقق ذلك أنه ينطوي على تناقض داخلي واضح، إذ يعتمد في تلك الرؤية وتحديدا خلال ما قبل نشوء الدولة الحديثة حيث تمكنت الدولة الإسلامية من إقامة مجتمع إسلامي منظم، ليأتي الإستعمار مدمرا كافة أشكال البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وينحصر نطاق الشريعة التي تم إرساءها فيما سبق بأضيق حدودها.
لكن مع المحاولات الفاشلة للنهوض بكيانٍ إسلاميٍ، يؤكد المؤلف أنه لا يمكن للتيار الإسلامي إلا أن يعترف بالفشل، أولا في فهم طبيعة الدولة الحديثة، ومدى ملائمة أفكاره لها، وقدرته على تطويعها دون إعطائها الفرصة لاستدراجه تماما إلى ما سعى دوما لمواجهته والقضاء عليه، ومن ثم لا ينبغي أن تكون عملية المراجعة الحتمية تلك أقل من شاملة، ومبدعة، ومعتمدة على الدولة الحديثة كنموذج وحيد.
ومن ثم يلوم المؤلف على التيارات الإٍسلامية غياب الروح النقدية عنها، وما يلحق بذلك من تقليد سطحي وتكاثل عن البحث الموضوعي المتأني في الجذور التاريخية والأسس القيمية للتوجهات المختلفة، فيما يخص الدولة الحديثة وما يسمى «الإٍسلام السياسي» على سبيل المثال، وما ينتج عن ذلك من آفات أخرى، وتحديدا في التعاطي مع الحداثة والحضارة المعاصرة مثل الانهزامية والانتقاص من الذات وعدم القدرة على تصور فهم آخر للتقدم.
وهنا تكمن صعوبة التوفيق بين مشروع الإسلام السياسي وقيم الحداثة في صعوبة التوفيق بين هذه الدولة الحديثة وتطورها التاريخي ونسقها الفكري من جهة، وأي نظام قيمي من جهة أخرى، مهما كان ارتباط ذلك النظام بدين معين أو بفلسفة أخلاقية قائمة على مبادئ تختلف عن مبادئ عصر التنوير الأوروبي والحداثة الغربية.
ينطوي الدين الإسلامى على نظام أخلاقي أساسي استطاع تأسيس كيان حضاري لا يتعارض في قيمه مع الديمقراطية، بطرق غير معهودة في الدولة الحديثة وقانونها، وهو ما يدفع المؤلف للقول إن مبرر وجود الإسلام السياسي لا يتعلق فقط بالعدالة الاجتماعية بقدر ما تتسع لتشمل ممارسات الدولة الغربية السياسية والعسكرية في العالم الاسلامي.
يرفع الإسلام السياسي، راية أخلاقية مُسَيسة تزعم أنها تقدم نقدا للظلم الاجتماعي والفساد السياسي والهيمنة السياسية الغربية في إطار خطاب يبدو ظاهره أخلاقيا، لكنه، في ظل ممارساته الأخيرة، يفقد مبرر وجوده حيث تخلى عن أخلاقيته على مستوى الخطاب والممارسة معا.
ويعرض لإشكالية الدولة المستحيلة من خلال خصائص خمس للدولة الحديثة يرى أنها تتعارض بشكل واضح مع مفهوم الدولة الإسلامية، ويشير إلى تلك الخصائص فيما يلي:
• الدولة الحديثة فكرة غربية في المقام الأول.
• تقوم الدولة الحديثة على أساس تطور مفهوم سيادة الدولة.
• تحتكر الدولة الحديثة وظائف التشريع وما يترتب عليها من عنف مشروع.
• احتكار الدولة الحديثة للجهاز البيروقراطي للدولة.
• تتدخل الدولة الحديثة ثقافيا بشكل مهيمن في النظام السياسي.
ولأغراض تحليلية قام الباحث بتفكيك هذه الخصائص، كما أنه من خلال تفكيك العديد من المفاهيم مثل الإرادة السيادية وحكم القانون وغيرها مما يتصل بالمبادئ الأساسية للدولة الحديثة كالفصل بين السلطات وتطبيقاتها، سعى الكتاب لاستعراض الأطر الدستورية لكل من الدولة الحديثة والحكم الإسلامي في إطار مقارن.
وفي إجماله لاستحالة دولة «الحكم الإسلامي» يخلص الباحث إلى ثلاثة تحديات تواجه أي شكل للحكم الإسلامي، وهي الطبيعة العسكرية للدول الإمبراطورية القوية، والتغولات الثقافية الخارجية، والسوق العلمية الرأسمالية على أن هذه التحديات لا تنفصل عن بعضها البعض. فالتحدي الاقتصادي في بعض الأحيان يمثل إلزامات وفروض عسكرية وثقافية. وقد ثبت أن الهيمنة الثقافية غالبا ما دعمت العولمة الاقتصادية وأسواقها الحرة. وهو ما برهن عليه السياق العام لمرحلة الحرب الباردة إذ امتزجت القوى الثلاث وهي تؤدي هذا الدور.
مع أهمية وعمق رؤية المؤلف في الكتاب حول أطروحة "الدولة المستحيلة" إلا أنه ظل بعيدا عن تقديم تفسير أكثر عمقا وإقناعا لبروز نماذج للدولة الدينية في حالات مثل إيران، والنماذج الأكثر تطرفا مثل ما يتبناه تنظيم «داعش»، حيث يرتكز التحليل في الكتاب على التطور التاريخي المتزامن مع وأبعادها الحضارية، إلا أن شروط البيئة الحاضنة والدوافع التي عززت تقبل بعض القطاعات لهذه النماذج في لحظة تاريخية، وإن ظلت لحظات استثنائية، إلا أن المؤلف لم يغص في عمق التجربة الإيرانية واستمرارها بعيدا عن قيم الحداثة، رغم تعارض تلك الخبرة الإيرانية مع جوهر القيم الإسلامية.
لكن في المجمل تبقي أطروحة «الدولة المستحيلة» للباحث وائل حلاق إحدى حلقات سلسلة الاجتهادات الجادة، التي ألقت بأكثر من حجر في خضم الجدل الفكري الدائر في العالم الإسلامي بشأن النموذج الأمثل لعلاقة الدولة والدين، وموقف الحداثة من تلك العلاقة.





