يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«ميثاق الإمام».. سلاح فرنسا الفكري للقضاء على الإرهاب

الجمعة 18/مايو/2018 - 03:47 م
المرجع
مصطفى صلاح
طباعة
إرث دموي كبير طال فرنسا؛ جراء العمليات الإرهابية التي ضربت الأراضي الفرنسية؛ لذلك تُعدّ فرنسا أكثر الدول الأوروبية استهدافًا من قبل الجماعات الإرهابية، التي تتخذ وسائل متعددة ما بين الطعن والدهس والتفجير، وأخيرًا الذئاب المنفردة؛ لتنفيذ هجماتها المتتالية على الأراضي الفرنسية.

«ميثاق الإمام»..
ولعل هذه العمليات النوعية دفعت الحكومة الفرنسية لعدم الاكتفاء بالجهود الأمنية والعسكرية، بل امتد الأمر للعديد من المواجهات الفكرية لمجابهة الفكر المتشدد، التي كان آخرها إعلان مبادئ «ميثاق الإمام»، الذي يُعد أحد أهم الآليات الجديدة التي تبنتها فرنسا لمجابهة الفكر المتطرف.

السياسة الفرنسية
إن فهم السياسة الفرنسية الجديدة لم يكن بمنأى عن التطورات التي شهدتها البلاد؛ جرَّاء استهدافها المتكرر من قِبَلِ الإرهابيين، الذين بثُّوا الرعب داخل المجتمع الفرنسي؛ ما دفع الحكومة الفرنسية إلى محاولة احتواء هذه الظاهرة.

فرنسا أصبحت اليوم وجهة التنظيمات المتطرفة، وباتت بالفعل في مرمى نيران الإرهاب، ولعل العمليات الإرهابية التي شهدتها في الفترة الأخيرة أكبر دليل على هذا.

ومن أبرز الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا، الهجوم الذي وقع في «شارلي إبدو» في 7 من يناير عام 2014، والذي نفذه الأخوان شريف وسعيد كواشي، وأدى إلى مقتل 12 شخصًا. 

وفي 13 من نوفمبر عام 2015، وقعت سلسلة من الهجمات الإرهابية استهدفت -على مدار اليوم وبصورة متزامنة- 6 أماكن في العاصمة الفرنسية باريس؛ حيث هاجم الإرهابيون ملعبًا في ضاحية سان دوني شمال باريس، وأطلقوا النار على المواطنين الجالسين في حانة «لو كاريون» ومطعم «بوتي كامبودج»، واستهدفوا حانة «ألا بون بير» في الدائرة الحادية عشرة، وأيضًا هاجموا مطعم «لا بل إكيب»، كما نفَّذوا هجومًا تفجيريًّا داخل مطعم «لو كونتوار فولتير»، وأطلقوا النار على حفلة لـ«الروك» لفريق «إيجلز أوف ديث ميتال»، ونفَّذوا هجومًا انتحاريًّا قرب ملعب فرنسا، واختتموا سلسلة هجماتهم الإرهابية في ذلك اليوم بتفجير إرهابيين نفسيهما داخل مسرح «باتكلان».

وأسفرت تلك العمليات التي وقعت في يوم واحد؛ عن مقتل ما يزيد عن 130 شخصًا، وإصابة 350 آخرين، وهو الحادث الذي وصفه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، بأنه «عمل إرهابي غير مسبوق» ويُعد هذا الحادث هو الأكبر في أوروبا بعد أحداث مدريد في العام 2004.

كما شهدت فرنسا العديد من الهجمات الإرهابية الأخرى؛ ففي يناير من العام 2015، احتجز «أميداي كوليبالي» رهائن في المتجر اليهودي ببورت دو فانسان، لعدم ملاحقة «الأخوان كواشي» اللذين قاما بتنفيذ عملية «شارل إيبدو»، وفي يونيو من العام ذاته وقع حادث إرهابي استهدف مصنع «ليون»، ونفذه ياسين الصالحي.


«ميثاق الإمام»..

رد الفعل الرسمي

وعلى الرغم من العمليات الإرهابية العديدة التي شهدتها فرنسا؛ فإن وزير الداخلية الفرنسي «جيرار كولومب»، أكد في 14 من سبتمبر عام 2017 أن فرنسا أحبطت العديد من المخططات، التي كانت تستهدف البلاد والتي وصل عددها 12 محاولة اعتداء إرهابي، كانت تستهدف مراكز للشرطة ومتاجر، إضافة إلى مخطط للاعتداء على مدرسة تدريب للقوات الجوية في مدينة سالون دي بروفينس في مايو 2017.

كما صرح «كولومب»، أمام اللجنة البرلمانية بأن الحكومة الفرنسية تدرس التقدم بمقترحات جديدة لمكافحة الإرهاب في ظل تنامي التهديد الداخلي والخارجي في محاولة للتكيف مع هذه التهديدات.

وعلى غرار هذه الأحداث أعلنت الحكومة الفرنسية، حالة الطوارئ في البلاد منذ نوفمبر 2015، بعد الأحداث التي شهدتها باريس وخلَّفت العديد من القتلى، وأوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن فرنسا ستعمل على تقديم قوانين جديدة تسمح للسلطات بالعديد من الإجراءات، مثل التفتيش والإقامة الجبرية؛ وكذلك التجمعات العامة دون موافقة مسبَّقة من جانب السلطات.

كما ناقش البرلمان الفرنسي في يوليو 2015، العديد من القوانين المتعلقة بزيادة النفقات العسكرية لوزارة الدفاع، ووافق على زيادة تمويل النظام القضائي في 2016- 2017؛ بهدف إيجاد وتعزيز استراتيجية قانونية لمكافحة الإرهاب.

 

«ميثاق الإمام»..

ميثاق الإمام
إلى جانب الأبعاد القانونية والعسكرية الأمنية قدم العديد من المراكز الإسلامية، التي تتبنى الأفكار المعتدلة العديد من المبادرات؛ لمجابهة الفكر المتطرف؛ كان أهم خطواتها ما يتعلق بمبادئ «ميثاق الإمام»، وهي حزمة من المبادئ الجديدة التي أعلنها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بباريس في 28 مارس 2017 في خطوة مهمة؛ لمواجهة الأفكار المتطرفة المعادية للثقافات الغربية.

وأعلن مبادئ ميثاق الإمام، «دليل أبوبكر» رئيس مسجد باريس؛ حيث أشار الميثاق إلى تصدير مفاهيم جديدة متعلقة بالتوجه المعتدل، وربطها بمبادئ الجمهورية الفرنسية، والمبادئ العلمانية والعديد من المبادئ المرتبطة بقيَم العلمانية، كمبادرة لمواجهة الأفكار المتطرفة، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا العديد من الهجمات الإرهابية.

ولعل أهمية هذا الميثاق تأتي من محورية ومركزية التوظيف بالنسبة للأئمة، في إطار منظومة موحدة تسري على جميع المساجد والجمعيات تتضمن العديد من الالتزامات تجاه المسلمين هناك.


«ميثاق الإمام»..

مبادئ الميثاق
تضمّن الميثاقُ العديدَ من المبادئ التي وصلت إلى 25 مبدأ، نذكر من أهمها:
مركزية الفتوى وعدم اللجوء إلى المشايخ غير المعترف بهم، وتجنب استيراد الفتوى من الخارج بما لا يتناسب مع الواقع الفرنسي، وعدم استيراد الثقافة الدينية من خارج فرنسا.
احترام قواعد وقوانين الجمهورية الفرنسية؛ حيث إن الدين الإسلامي جزء من الدولة العلمانية، ولا يحق أن تغيِّر فرنسا قيمها وقوانينها لتتناسب مع معتقدات المسلمين.
يجب على كل مسلم إظهار الاعتدال والتوازن.
التأكيد على عدم الجهاد إلا في حال الدفاع عن النفس، كما يحظر على المسلم بدء الحرب.
تبني إسلام وسطي معتدل، واحترام حرية اختيارات كل مواطن.
التأكيد على الالتزام بالعلمانية، وما يتعلق بحرية التدين لكل المعتقدات وتشجيع الحوار بين الأديان.
رفع الدعاء للجمهورية الفرنسية في صلاة الجمعة، والمناسبات الإسلامية، واحترام الواجبات تجاه الجمهورية.


«ميثاق الإمام»..

الإسلام الحداثي
يمثل «ميثاق الإمام»، مرحلة متقدمة فيما يمكن أن نطلق عليه الإسلام الحداثي، الذي يتناسب مع ظروف المجتمعات وسبل العيش بها؛ إذ يعتبر هذا الميثاق بمثابة الخطوة الأولى على طريق مجابهة الأفكار المتشددة، والنهوض بخطاب يجذب شرائح عديدة، خاصة بعدما شهدت الجهود السابقة انحسارًا أمام قوى الظلام والتطرف بعد وقوع الكثير من العمليات الإرهابية النوعية، التي استهدف بها الإرهاب المدن الفرنسية.


كما أن الخطاب المستنير، والتوجه الديني المعتدل، قادر على شرح الجوهر المعتدل للإسلام؛ حيث إن الدين الإسلامي دين يتناسب مع كل زمان ومكان؛ لذا فإن تضافر الجهود وعدم تشرذمها يساعد على تقديم إسلام حقيقي يحمل قيمًا وصورة تتناسب مع المسلمين.


وعلى الرغم من عدم وجود آلية قانونية مترتبة على مخالفة مبادئ ميثاق الإمام؛ فإن هذا لا يمنع وجود رغبة قوية في تحسين وضعية الإسلام والمسلمين.

 

الكلمات المفتاحية

"