الملف الحائر.. وضع الميليشيات في ليبيا يهدد خارطة الطريق الأممية
الأحد 18/أبريل/2021 - 12:09 م
مصطفى كامل
بات ملف القوات الأجنبية والمرتزقة على رأس الأولويات في ليبيا، انطلاقا من ضغوط إقليمية ودولية لإجلاء المسلحين الأجانب، بما يسمح بفرض سيادة الدولة وبسط نفوذها على كل أراضيها، حيث باتت الدول الأوربية والغربية في حيرة من أمرهم بشأن أزمة الميليشيات والمرتزقة، التي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الليبي، وتعد من أبرز المشكلات التي تعانيها الدولة الليبية في الوقت الحالي، ومحاولاتها المتكررة لإجهاض جهود التسوية والسلام، وإعادة الثقة بين مختلف أطراف النزاع لعدم الاستقواء بهم من جديد.
حسم الملف
تعد مشكلة انتشار الميليشيات من أبرز المشكلات التي تعانيها الدولة الليبية، حيث إن الملف الأمني يمثل التحدي الأبرز لحكومة الوحدة الوطنية، كما أن هذا الملف يمثل مفتاح النجاح للحكومة الجديدة التي لن يكون بمقدورها التدخل لحل مشكلات المواطنين اليومية دون تأمين الوضع على الأرض، ولا يمكن فتح ملف الميليشيات إلا بوضع القوانين الصارمة بشأن حمل السلاح لضمان اختفاء مظاهر التسلح خارج سلطة الدولة وجعل حمل السلاح حكرًا على الدولة.
ويحتاج ملف المرتزقة في ليبيا إلى قرار دولي حازم وحاسم، لإعادة جسور الثقة بين مختلف أطراف النزاع في الداخل الليبي، كي لا يجد البعض مبررًا للاستقواء بالمرتزقة على أبناء وطنهم، أو باعتماد مغالبة مغشوشة على أساس الولاء لهذا الطرف أو ذاك بدل تكريس سيادة الدولة وتوحيد مؤسساتها؛ إضافة إلى التزام دولي واضح بإخراجهم من البلاد، الأمر الذي شدد عليه اللواء «خالد المحجوب» مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، الذي أوضح أن ترحيل المرتزقة من البلاد قرار ليس في يد اللجنة العسكرية (5+5) أو الدولة الليبية فقط، وإنما يتم تنفيذه وإنهاؤه بدعم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكذلك الدول التي أرسلتهم.
ضغط دولي لإنهاء الأزمة
تمارس واشنطن والإتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة في ملف المرتزقة الموجودين في ليبيا، غير أن موقف الأوروبيين يبدو الأكثر حزمًا وإصرارًا على ذلك في ظل توافقات أعضاء الاتحاد، وربطهم تقديم الدعم للسلطات الليبية الجديدة بغلق ملف المرتزقة نهائيًا، حيث أكد «شارل ميشيل» رئيس المجلس الأوروبي، بأن هناك شرطًا واحدًا مسبقًا لعودة بناء البلاد، وهو ضرورة مغادرة جميع الميليشيات والمرتزقة من البلاد.
وعن دعم ليبيا، أكد رئيس المجلس الأوروبي أنهم يدعمون بناء ليبيا، ولكن شريطة مغادرة المرتزقة للبلاد، وهو موقف تتبناه بالأساس فرنسا وألمانيا واليونان والتحقت به إيطاليا، التي أوضح وزير دفاعها «لورينزو غويريني»، في جلسة استماع مشتركة مع لجنتي الدفاع بمجلسي النواب والشيوخ، الخميس 8 أبريل 2021، بأن عملية سياسية حساسة تجري في ليبيا، تطورت على خلفية وقف إطلاق نار هش يهدده وجود مرتزقة أجانب ورجال ميليشيات.
ويؤكد مراقبون للشأن الليبي، بأن الضغط الأوروبي يتزامن مع ضغط أمريكي، فالأخيرة باتت أكثر اهتمامًا بالملف الليبي منذ تولي الإدارة الجديدة مهامهًا، ووزير خارجيتها «أنتوني بلينكن» كان حاسمًا في دعوته خلال اتصال مع «الدبيبة»، إلى ضرورة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة، كما أن التنسيق الأمريكي الأوروبي في الموقف من الوضع في ليبيا أصبح أكثر وضوحًا، ولاسيما من خلال البيان الخماسي المشترك الصادر عن الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، والداعي إلى انسحاب كل المرتزقة والمقاتلين الأجانب» من ليبيا، والذي رأي فيه المراقبون قرارًا غربيًا حازمًا لا يستثني إمكانية فرض عقوبات على الأطراف التي يمكن أن تعطل مسارات الحل السياسي في البلاد.
ومنذ إعلان البعثة الأممية إلى ليبيا في 5 فبراير 2021، تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ومنحها الثقة، عاد ملف المرتزقة الأجانب في ليبيا إلى واجهة الأحداث، وسط مطالبات دولية بسحب تلك العناصر من ليبيا، واحترام خارطة الطريق الأممية، التي ستقود البلاد إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر من العام الجاري.
وكانت الأمم المتحدة كشفت على لسان مبعوثتها بالإنابة «ستيفاني ويليامز»، مطلع ديسمبر 2020، عن وجود 20 ألفًا من القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا، معتبرة ذلك انتهاكًا مروعًا للسيادة الوطنية، مشيرة إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.
ويرى متابعون للشأن الليبي، بأن التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة الانتقالية هو توحيد الجيش والمؤسسات الأمنية في البلاد، لكن آخرين يشددون على أهمية دور الأمم المتحدة والقوى الكبرى في رعاية الحكومة الجديدة، واستقرار وقف إطلاق النار، وإخراج الميليشيات والمرتزقة.
توافق لانسحاب المرتزقة
التوافق الأوروبي الأمريكي انعكس على مجلس الأمن الذي دعا في إعلان تبناه بالإجماع، مارس 2021، إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون مزيد من التأخير، وهو ما يسر مهمة البعثة الأممية للتحرك في هذا الاتجاه، من خلال مبعوثها «يان كوبيش» الذي تحدث في مناسبات عدة عن ضرورة الإسراع بإجلاء المرتزقة عن الأراضي الليبية ، مشيرًا الى أن انسحابهم من ليبيا سيساهم بشكل كبير في استعادة وحدة البلاد وسيادتها وتضميد الجراح العميقة التي سببتها سنوات عديدة من الصراع الداخلي والصراع النشط والتدخل الأجنبي.
وكان «الدبيبة» قد دعا، خلال كلمته بجلسة مجلس النواب الليبي، التي عقدت في سرت لمنح الثقة لحكومته في مارس 2021، ميليشيات المرتزقة في ليبيا إلى المغادرة، مؤكدًا عزمه التواصل مع الأمم المتحدة بهدف رحيل هذه الميليشيات، مشيرًا إلى أن المرتزقة خنجر في ظهر ليبيا، ولا بد من العمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم، مشيرًا إلى أن الحكومة الجديدة ستتصل مع بعثة الأمم المتحدة لبحث إخراج هذه القوات.
وطالبت دول عديدة، بينها المملكة المتحدة والمكسيك وكينيا والنيجر وفرنسا، برحيلٍ كاملٍ لا رجوع فيه للمرتزقة، مع ضمان عدم انتشارهم في دول مجاورة لليبيا، حيث أفاد دبلوماسيون أنه من المنتظر صدور قرار من مجلس الأمن تعمل على تجهيزه المملكة المتحدة، يحدّد تفويض آلية المراقبة ويعطي الضوء الأخضر لتفعيلها.





