بولندا.. البوابة الشرقية للجماعات الراديكالية في أوروبا
الخميس 28/يونيو/2018 - 02:52 م
محمد الدابولي
تحظى جماعات الإسلام الحركي،
خاصةً جماعة الإخوان بوجود في القارة الأوروبية، وتحديدًا في فرنسا وبريطانيا
وألمانيا غرب القارة، إلا أن الوجود الإخواني يندر إلى حد ما في دول شرق أوروبا
مثل بولندا وأوكرانيا، إضافة إلى دول البلقان؛ نظرًا للسياق السياسي والاجتماعي
والديني الذي تتميز به تلك الدول.
ولوحظ أخيرًا، نشاطًا غير
عاديٍّ لجماعات الإسلام الحركي في شرق أوروبا خاصةً دول البلقان، مثل ألبانيا
والبوسنة والهرسك، مدفوعًا بالعلاقات القوية بين تركيا ومسلمي شرق أوروبا، إلا أن
الوجود الراديكالي الإسلاموي في كبرى دول شرق أوروبا مثل بولندا، مازال يكتنفه
الغموض واللبس.
مراكز احتياطية
توزع الجماعات الراديكالية نشاطها وانتشارها في دول العالم بين
مراكز أساسية ومراكز احتياطية؛ فالمراكز الأساسية يتم استغلالها في عمليات التجنيد
وجمع التبرعات، وأيضًا سيتم استغلالها كمنصات انطلاق سياسية يتم فيها استهداف الدول
العربية والإسلامية وتقويض استقرارها، فمثلًا جماعة الإخوان تتخذ من بريطانيا مقرًّا
لأنشطها المعادية للدولة المصرية.
أما المراكز الاحتياطية فهي الدول التي تستغلها الجماعات
الراديكالية؛ من أجل تحقيق الانتشار، إلا أن تأثيرها يظل محدودًا نسبيًّا ومؤقتًا؛ حيث
تعمل تلك الجماعات أولًا على التغلغل في مجتمعات تلك الدول، ثم التأثير على سياساتها
في مرحلة لاحقة، وقد تلجأ الجماعات الراديكالية إلى استغلال المراكز الاحتياطية في
حال وجود ضغوط عليها مستمرة في مراكزها الأساسية.
وباتت دول شرق أوروبا، تمثل المنصات والمراكز البديلة للجماعات
الراديكالية المتطرفة، فأسفل ستار عملية التحول الديمقراطي التي شهدته تلك الدول
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، نجحت التيارات الراديكالية في التسلل والانتشار في تلك
الدول، وتكوين بؤر راديكالية فيها، خاصة في «وارسو» والعديد من عواصم شرق أوروبا.
أقلية مجهولة
في نهاية الحرب الباردة ظهر مصطلح جديد في دراسات الإسلام
الحركي اسمه «المسلمون المنسيون»، يعبر عن حال الطوائف الإسلامية التي عاشت تحت ظل
دول الكتلة الشرقية، مثل الاتحاد السوفييتي، ويوجوسلافيا وبولندا؛ وبعد تفكك
الاتحاد السوفييتي أعادت الجماعات الراديكالية اكتشاف الخريطة الإسلامية في تلك
الدول ووجدتها فرصةً مناسبةً لخلق أجيال جديدة من الراديكاليين من أبناء تلك الدول، وهو ما نلمسه في ظاهرة المقاتلين الشيشانيين والأجانب في «داعش».
وتتميز بولندا بوضع خاص؛ نظرًا لوضع المسلمين بها، فتقريبًا توصف
الأقلية الإسلامية فيها بالأقلية المجهولة؛ نظرًا للندرة النسبية في تعداد المسلمين
فيها؛ حيث يشكل المسلمون نحو 1% من إجمالي السكان، إلا أن البعض يقدر تعدادهم بنحو
7%، ويعود انتشار الإسلام في بولندا إلى القرن الرابع عشر ميلادي، حينما هاجرت
بعض القبائل التترية إلى «وارسو» وبعض المدن البولندية، وخلال الفترة الماضية خاصة
بعد انهيار النظام الاشتراكي توافد المهاجرون المسلمون إلى بولندا؛ لينضموا إلى
المجتمع المسلم البولندي.
ونجح المسلمون البولنديون من أصل تتري في تحقيق الاندماج الكامل
والتعايش في المجتمع البولندي، ولهم العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تعبر عن
شؤونهم الحياتية والدينية، مثل الجمعية الدينية الإسلامية (MZR)،
لكن بعض المسلمين المهاجرين إلى بولندا كانوا أقل اندماجًا في المجتمع؛ حيث تقوقعوا
في إطار فكري منعزل عن المواطنة والتعايش، ومتشبع أكثر بكتابات الإسلام الحركي، مثل
كتابات «سيد قطب» و«أبوالأعلى المودودي».
اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا
تسلل الراديكالية الإسلاموية
منذ انتهاء الحرب الباردة، لم يدخر التيار الراديكالي الإسلاموي جهدًا في تصدير مبادئه وأفكاره إلى الداخل البولندي؛ من أجل إيجاد موطئ قدم جديدة له شرق أوروبا، قد تكون نواةً مستقبليةً للانطلاق في شرق أوروبا وروسيا، واتبع لتحقيق ذلك العديد من التكتيكات، مثل:
توظيف السلفية الألمانية: فتعد ألمانيا من أهم الدول الأوروبية الحاضنة للفكر السلفي المتشدد، كما تتمتع بموقع جغرافي فريد نسبيًّا بين شرق وغرب أوروبا؛ ما جعلها مؤهلةً لتصدير الفكر المتشدد في أوروبا، وبالأخص شرق أوروبا وبولندا؛ حيث تصدر الألماني «سيفين لاو» لمحاولات نشر وتثبيت الفكر المتطرف في بولندا، وتأثر التيار المتشدد في ألمانيا بكتابات وخطب «لاو».
إنشاء تنظيمات راديكالية: نجحت العناصر المحسوبة على التيار الإخواني ببولندا في إنشاء 3 تنظيمات تتولى مهمة نشر الفكر الإخواني والمتشدد في الداخل البولندي، ففي عام 1986 أنشأت «جمعية الطلاب المسلمين (SSM)، وفي عام 1996 أًنشئت «الجمعية الإسلامية للتربية والثقافة (MSKK)، وفي عام 2001 تم إنشاء «الرابطة الإسلامية البولندية»، التي تعد المُعَبّر الرئيسي عن التيار الراديكالي البولندي، وهو ما أكدته وكالة الأمن الداخلي البولندي (ABW) ؛ حيث تتبع «الرابطة الإسلامية» «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE).
رسم صورة مزيفة: تعمل «الرابطة الإسلامية البولندية» المحسوبة على الإخوان على استغلال المساجد والمراكز الثقافية لنشر أيديولوجيتها المتطرفة، لكن تحاول عدم لفت الأنظار إليها، من خلال خلق صورة مزيفة لها عبر المشاركة في منتديات حوار الأديان والتكامل الإسلامي في أوروبا.
ترجمة كتب «سيد قطب»: تولت «جمعية الطلاب المسلمين» مهمة إدخال كتابات «سيد قطب» و«أبوالأعلى المودودي» إلى بولندا عبر ترجمتها ونشرها في أوساط المسلمين البولنديين.
المشاركة السياسية: تسعى الرابطة الإسلامية إلى أن تكون ذات توجه سياسي في بولندا، فرئيس الرابطة «سمير إسماعيل» دعا أنصارها إلى ضرورة المشاركة السياسية في الانتخابات؛ وذلك من أجل الرابطة؛ لتكون لاعبًا سياسيًّا ذا وزن في الحياة السياسية البولندية.
الترويج المستمر للإخوان: لا يترك أنصار الإخوان في بولندا أدنى فرصة للترويج لجماعة الإخوان وفرعها في بولندا «الرابطة الإسلامية»، فمثلًا دعا الخبير في شؤون الدراسات العربية والإسلامية في جامعة وارسو Bogusław R. Zagórski»» مسلمي بولندا إلى الانضمام لجماعة الإخوان، كما أن «سمير إسماعيل» رئيس الرابطة يروج عبر كتابة المقالات لفكر الإخوان في بولندا، إلا أن مقالاتها دائمًا ما تثير الرأي العام البولندي، خاصةً عندما نشر مقالةً يحرض فيها على إجراء عمليات ختان للإناث.
هواجس بولندية
أخيرًا، وخلال السنوات الماضية استشعر البولنديون خطر الجماعات الراديكالية المتطرفة، مثل جماعة الإخوان وباقي المنظمات الإرهابية؛ لذا تم تسيير العديد من المظاهرات في يناير 2016؛ من أجل التنديد بوجود جماعة الإخوان في بولندا.
شرخ عظيم
أدى تسلل التيار الراديكالي إلى بولندا في منتصف التسعينيات إلى إحداث شرخ عظيم في صفوف المسلمين، ما بين مسلمين تترين ومسلمين مهاجرين؛ فالتَّتَريون لا يؤمنون بكتابات سيد قطب وغيره من أقطار الفكر الإسلاموي، كما ينتمي جزء مهم من التَّتَريين إلى المذاهب والفرق الشيعية كـ«مذهب الإسماعيلية»، عكس المسلمين المهاجرين الذين ينتمي أغلبهم إلى المذهب السَّلَفي.
أدى الاختلاف الطائفي بين مسلمي بولندا إلى حدوث اشتباكات ومواجهات بين الطرفين؛ ففي يوليو 2017 اشتبك الطرفان في محيط مسجد في شارع Wiertnicza؛ من أجل السيطرة عليه؛ حيث تسيطر «الجمعية الدينية (MZR) » المحسوبة على التتر على معظم المساجد وهو ما يرفضه الراديكاليون البولنديون في محاولة منهم السيطرة على مساجد بولندا وإدارتها، وينتشر حاليًّا في بولندا ما يقارب 30 مسجدًا.





