إيطاليا تعيد حساباتها.. ومخاوف من تحول «باري» إلى بوابة لعبور الإرهابيين
الأحد 14/مارس/2021 - 04:01 م
شيماء حفظي
يواجه شخص جزائري مدان بالتزوير، اتهامًا جديدًا في إيطاليا بتسهيل عمل إرهابيي تنظيم داعش المتوررطين في هجمات باريس 2015، ويشير الحادث إلى وضع إيطاليا بين الدول الأوروبية في الحوادث الإرهابية، وأنها تعد معبرًا لنقل الإرهابيين أو تجنيدهم أكثر من كونها هدفًا لتنفيذ الهجمات نفسها، وسط مخاوف من مستقبل ينذر بتهديد أكبر.
الادعاء والجريمة
ويقول ممثلو الادعاء في مدينة باري الجنوبية، إنه من المعتقد أن عثمان توامي البالغ من العمر 36 عامًا، والمعروف أيضًا باسم تومي مهراز، قدم الدعم للإرهابيين الذين نفذوا هجمات باريس، ومنحهم وثائق مزورة.
والهجمات المقصودة، هي هجمات 13 نوفمبر 2015 والتي أدت إلى مقتل 130 شخصًا وإصابة المئات بجروح عندما هاجم انتحاريون ومسلحون استاد فرنسا والبارات المركزية وقاعة حفلات باتاكلان.
ووفقًا لما نقلته وسائل إعلام إيطالية، فإن عثمان – الذي كان يقضي عقوبة قضية تزوير – كان من المقرر إطلاق سراحه في يونيو المقبل لكن ذلك لن يحدث، حيث صدر له أمر اعتقال جديد يتعلق بالتحقيق في تورطه المزعوم في هجمات باريس.
مراقبة خاصة
وقال ريكاردو روسي المدعي العام في باري: «إن الجزائري وضع تحت مراقبة خاصة أثناء اعتقاله، وإن الأدلة على تورطه مع الجماعة الإرهابية ظهرت من محادثاته مع نزلاء آخرين» مشيرًا إلى أن «التحقيقات جعلت من الممكن التأكد من أن المشتبه به على مقربة من بيئات جهادية متطرفة، فضلًا عن دعمه المباشر لمخططي الهجمات الإرهابية على مسرح باتاكلان».
ويشتبه في أن توامي جزء من خلية تابعة لداعش تنشط في فرنسا وبلجيكا مع شقيقيه، كما يُزعم أنه كان على اتصال مع البلجيكي عبدالحميد أباعود، متطرف «داعش» والعقل المدبر لهجمات باريس، وكذلك خالد الزركاني، الداعية المتطرف في «بروكسل» الذي جند العشرات من الشباب المسلمين كمقاتلين للحرب السورية.
قُتل أباعود في مداهمة للشرطة بعد خمسة أيام من الهجمات في باريس، كما وصف المحققون البلجيكيون الزركاني، الموجود الآن في السجن، بأنه «أكبر مجند» للمقاتلين في البلاد.
بوابة باري
وقال روسي إن باري، وهي الميناء الرئيسي لدخول السفن من اليونان والبلقان إلى إيطاليا، أصبحت «مركزية» في الرد على الإرهاب، حيث إن العديد من أولئك الذين يدخلون أوروبا من مناطق الحرب والمناطق التي تعمل فيها المنظمات الإرهابية يجب أن يمروا بباري أيضًا لأسباب لوجستية للوصول إلى دول أوروبية أخرى.
وأضاف :«لا شك أن مدينتنا هي نقطة عبور، وفي الواقع، نعتقد أن العديد من منفذي الهجمات في أوروبا في الماضي قد مروا عبر باري. لهذا السبب يجب أن نكون يقظين بشكل خاص».
ويشير الحادث إلى وضع إيطاليا بين الدول الأوروبية في الحوادث الإرهابية، وأنها تعد معبرًا لنقل الإرهابيين أو تجنيدهم أكثر من كونها هدفًا لتنفيذ الهجمات نفسها.
ويمكن اعتبار النظام الأمني لدى السلطات الإيطالية، أحد أكثر الأنظمة الأوروبية قدرة على التعامل مع الهجمات الإرهابية، حيث إن لديها أسلوبًا متجذرًا في تاريخها الطويل من عمليات مكافحة الإرهاب منذ الفترة في أواخر الستينيات وأواخر الثمانينيات.
وسبق أن مرت إيطاليا بفترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية شهدت موجة من الهجمات الإرهابية التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية المحلية - وأبرزها الكتائب الحمراء اليسارية المتطرفة والقمصان السوداء اليمينية المتطرفة.
كما اتبعت إيطاليا منذ فترة طويلة نهجًا متشددًا تجاه المدافعين عن الإرهاب، حيث تتبع سلطات إنفاذ القانون الإيطالية إجراءات أكثر قسوة لمكافحة الإرهاب، وبسبب وحدة الاستخبارات المركزية ، فهي مجهزة جيدًا للتعرف على المتطرفين الدينيين ومراقبتهم وترحيلهم.
هناك عامل مهم آخر يفسر قدرة إيطاليا على تجنب الهجمات الإرهابية وهو متجذر في حربها الطويلة والمتنوعة والممتدة ضد المافيا الإيطالية.
إيطاليا لا
اتضح أن وجود الجماعات الإجرامية المنظمة بشكل كبير له جانب إيجابي: فقد زود السلطات الإيطالية بوفرة من الخبرة والدراية في تعقب الجماعات الإجرامية المتماسكة السرية واختراقها.
وفيما يتعلق بموقف الجماعات الإرهابية نفسها، فإن إيطاليا ليس لديها تاريخ استعماري مع الدول على عكس دول متعددة في أوروبا مثل فرنسا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى أنها لم تستقبل سيلًا متدفقًا من المهاجرين من المستعمرات السابقة كما فعل نظراؤها البريطانيون والفرنسيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ومقارنة بالدول الأوروبية، كانت إيطاليا بين أقل الدول بعدد المقاتلين الأجانب في صفوف الإرهابيين، حيث إنه بين عامي 2014 و 2015 تم العثور على 87 مقاتلًا أجنبيًّا فقط في إيطاليا مقابل 760 بريطانيًّا 2500 في فرنسا.
ولمحاولة كشف أي محاولات لاختراق صفوف المهاجرين، أو تجنيد الإرهابيين، تزيد إيطاليا من سرعة التحقيقات والعمليات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وهذه العمليات تكشف عن وجود متزايد للأنشطة الإرهابية الجهادية داخل إيطاليا - بدءًا من الدعم إلى محاولات الهجمات.
التجربة الإيطالية
على هذا النحو، على الرغم من أن تهديد الجهاديين الإيطاليين لا يزال محدودًا وغير متطور مقارنة ببقية أوروبا، فمن المحتمل أن جهود الدعاية الإسلامية والمشاعر المعادية للهجرة لدى الإيطاليين المتزايدة ستغضب بعض المسلمين الإيطاليين في المستقبل.
إلى متى يمكن أن تستمر استثناءات مكافحة الإرهاب في إيطاليا؟ حتى الآن، كانت إيطاليا خالية بشكل استثنائي من الهجمات الإرهابية الناجحة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مزيج من تشريعات مكافحة الإرهاب، والاستخبارات المركزية، وسياسات الترحيل، وتجربة كبيرة وطويلة الأمد لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والتكوين الاجتماعي للمجتمعات المسلمة التي تعيش في إيطاليا.
في الوقت الحالي، هذه الحواجز التاريخية والتشريعية والاجتماعية ليست ملزمة بالتغير؛ وبناءً على ذلك، يمكن توقع استمرار السلطات الإيطالية في إحباط الهجمات الإرهابية في المستقبل القريب وتجنب الموجة الحالية من أعمال العنف التي تجتاح أوروبا.
ومع ذلك، على المدى الطويل، سيظهر جيل ثان وثالث من المسلمين في نهاية المطاف مما قد يزيد من خطر التطرف، ويقلل من فاعلية جهود الوقاية والسيطرة الحالية، وبالتالي يعرض الأمن القومي الإيطالي للخطر.
لحسن الحظ، على عكس نظرائها الأوروبيين، أمام إيطاليا بضع سنوات لإعداد إستراتيجية حول كيفية التخفيف من مثل هذا التهديد.





