أوروبا تتحدى التطرف الإسلاموي وسط دعوات لموقف موحد
تخوض دول الاتحاد الأوروبي حربًا عنيفة ضد الإرهاب وتمويلاته وعقائده، إذ تصاعدت حدة هذه الحرب مؤخرًا على خلفية الهجمات التي نفذها تنظيم داعش وذئابه المتطرفة في المنطقة، في مشهد ينذر ببقاء الخطر الأيديولوجي للجماعات الإسلاموية.
أوروبا.. وعلاج التطرف
يحاول قادة أوروبا إعادة تنظيم صفوفهم لمجابهة التيار الإسلاموي وعناصره، فمن خلال قمة أوروبية مصغرة اجتمع في 10 نوفمبر 2020 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومستشار النمسا سيباستيان كورتز، ورئيس وزراء هولندا، مارك روتي إلى جانب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين لمناقشة التدابير اللازمة لإيقاف نزيف الدماء بالمنطقة.
إذ يتخوف القادة من هجمات أوسع تتسبب في مقتل المئات، كما حدث في ليل 13 نوفمبر 2015 في العاصمة الفرنسية باريس، فخلال القمة الأخير أشار إيمانويل ماكرون إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج لصياغة رد سريع وحاسم وموحد ضد التهديدات المتطرفة العنيفة.
وأضاف ماكرون خلال القمة المنعقدة عبر تقنية الفيديو، بأن التدابير اللازمة للمواجهة يجب أن تتضمن تطوير الأطر التي يعتمد عليها الاتحاد في قواعد البيانات المشتركة، وتبادل المعلومات لتعزيز المعرفة بالمجرمين الحاليين والمحتملين عقب دراسة متأنية للحالات الإرهابية، بالإضافة إلى تعزيز الإجراءات العقابية بشكل صارم وموحد حتى لا يفلت أي متطرف من المحاسبة على جريمته.
دعاية متطرفة
وفيما يخص الدعاية المتطرفة والتحريض على الشبكة العنكبوتية، قال الرئيس الفرنسي إن منصات الاتحاد الأوروبي عليها مواجهة خطاب العنف على الإنترنت بجدية، وعدم ترك أي مساحة بمواقع التواصل الاجتماعي، لتكون وسيلة للتواصل بين المتطرفين أو الحشد أو تجنيد أعضاء جدد، مطالبًا الجهات المختصة بمراقبة المحتويات التي يشاركها المتطرفون على الشبكة العنكبوتية؛ لتحييد الأيديولوجيات القاتلة عن المجتمع الأوروبي.
اجتماع بروكسيل
واستغل الرئيس الفرنسي اجتماعه مع كبار قادة أوروبا في بروكسل للتأكيد على قوانين الهجرة فيما بينهم، والتي يحكمها التعاون المفتوح، والاستغناء عن بعض الإجراءات الصارمة التي تتبعها باقي دول العالم فيما يعرف بنظام شنجن، إذ أكد ماكرون على ضرورة تشديد الإجراءات لمراقبة الحدود الداخلية، وتسجيل أسماء المهاجرين بين الدول، ومعالجة أي خلل أمني في المنظومة.
ضد الإرهاب لا الأديان
استغلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاجتماع المنعقد عن بعد لإثارة القضية الفكرية المهمة، والتي تسيطر على النقاش الموجه لمحاربة الإرهاب، وهو الخلط بين الأديان وقضايا التطرف، إذ شددت ميركل على أن الحرب الأوروبية التي تسعى الدول لشنها تستهدف الإرهاب وجماعاته وليس الدين سواء كان الإسلامي أو المسيحي.
وأشارت ميركل إلى أن الدول تسعى لمجابهة العقائد المتطرفة، ووسائل التمويل المشبوه التي تُسهل عمل الجماعات الإرهابية وليس الأديان، مضيفة بأن دول الاتحاد عليها الالتزام بالنموذج الديمقراطي لحكم الدول، ومكافحة الأيدلوجيات المناهضة للحرية والتعددية السياسية.
ملاحظات حول التدابير الأوروبية
تحاول الدول بالأخص فرنسا وألمانيا لإيجاد صيغة موحدة لمكافحة التطرف في المنطقة، ولكن ما أظهرته العمليات الأخيرة إلى جانب التقارير السياسية التي كانت تتاح قبل تنفيذ هذه الموجة وهي أن دول أوروبا استطاعت تقويض الهجمات، وذلك كان على وقع خفوت الهجمات نوعًا ما أو تحولها إلى بسيطة عبر أدوات يسهل حملها كالسكين، ولكن ما اتضح فيما بعد أن العناصر لاتزال لديها القدرة على تنفيذ الهجمات العنيفة.
ويقترن ذلك بشكل مباشر بالبعد الـأيديولوجي فيما يعني بأن الجماعات الإسلاموية لديها هيمنة فكرية على عقول الشباب والمضطربين في المنطقة؛ ما يجعلهم جاهزين لتبني التطرف، وتنفيذه على الأرض حين توجد الفرصة لذلك.
وتمثل جماعة الإخوان أهم وأبرز التيارات في هذا الإطار، فهي تمتلك شبكة واسعة من المنظمات في أوروبا، وبالأخص في ألمانيا وفرنسا، فالأولى تمثل أول بداياتها في القارة عن طريق المجمع الإسلامي بميونخ، والثانية فتنتشر على أرضها جمعيات الجماعة كالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية ومسجد باغريس الكبير، وغيرهم من المنظمات التي تنشر فكر الجماعة الممهد للتطرف باعتبارها الجماعة التي انبثق عنها التيار الإسلاموي بمفهومه الخاص عن الحكم، وهو ذات الشيء الذي أكده زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري في كتابه فرسان تحت راية النبي.
ويبقى هناك الأطروحة الأهم بالنسبة لأوروبا، وهي هل ستتوحد الدول في قراراتها لإعلان البعض كإرهابيين؟ بمعنى ما يمكن أن يتفق القادة على تصنيفه كحزب الله الممثل لإيران، فألمانيا قد حظرته والاتحاد بالأساس يحظر الجانب المسلح منه دون السياسي، ولكن ماهية القدرة لتجنبيه بشكل كامل وموحد، وينسحب ذلك أيضًا على الإخوان، ومدى استطاعة دول الاتحاد جميعها أعلنها إرهابية إلى جانب جماعة الذئاب الرمادية التي تشكل ذراع أردوغان العنيف بالقارة، فهل ستسطيع فرنسا استمالة الجيع لتصنيفها إرهابية كما فعلت؟.
المزيد.. بعد مراوغة «الألباني».. التطرف في أوروبا بين المعالجة الواقعية والأنظمة القانونية





