واشنطن أنقرة.. علاقة متوترة تحددها نتيجة الانتخابات الأمريكية

تتلخص أهمية الانتخابات الأمريكية الحالية بالنسبة لتركيا، في أن نتيجتها ستحدد مستوى العلاقات بين البلدين، على مدار ثماني سنوات قادمة، أو على الأقل للأربعة، حيث شهدت تلك العلاقة خلافات عميقة منذ قدوم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وذلك بسبب عدم استقرار الأوضاع بينهما، خاصةً بعد تعنت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واستمراره في سياسته الاستفزازية التي ينتهجها في المنطقة، والتي تسببت بها الصراعات الداخلية في بعض دول الإقليم مثل سوريا والعراق، والمواقف تجاه ليبيا، والقضية القبرصية وشرق المتوسط، وبرغم الاختلافات بينهم التي ظهرت جلية في حزمة من الصفعات والقرارات التي اتخذتها واشنطن ضد سياسة تركيا ونظام الحكم بها، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حافظ على مسار جيد مع نظيره التركي.

ملفات معقدة
أثارت تركيا في الآونة الأخيرة مناخًا من التوتر والتصعيد على مستوى الإقليم، وكانت هناك بعض الملفات الملتهبة بين تركيا والولايات المتحدة التي زادت من حدة العلاقات بين البلدين، فالعلاقات «الأمريكية- التركية» خاضت في بعض الأحيان صراعات غير مستقرة، فالحسابات القديمة الدائرة بينهما تحتم الانتهاء بفضل التغيرات الكبيرة الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، تحديدًا العلاقات والمصالح الدولية بشكل عام.
في عام 2018 بلغ الصراع ذروته وتصاعد التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بسبب قضية القس الأمريكي أندرو برانسون، وصلت لحد عقوبات متبادلة بينهما، وتسببت العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا ضد الوحدات الكردية المسلحة في تجدد الخلاف بينهم مرة أخرى عام 2019.
وكان شراء تركيا منظومة «S-400» الروسية، أحد أهم الأزمات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال فترة حكم ترامب، وحينها طالب الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا، وكان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ مع التوقيع عليها في أغسطس 2017، ولكن الرئيس الأمريكي حافظ على العلاقات مع تركيا، وأعاق فرض عقوبات «كاتسا» عليها، إلى جانب عقوبات أخرى.
كما أن العلاقات الودية بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس التركي أردوغان، حافظت على مسار العلاقات بين البلدين بشكل جيد، على الرغم من تعارض مصالحهما في السياسة الخارجية بملفات عدة لاسيما في سوريا.
للمزيد.. دعمًا لقبرص.. عبث أردوغان في شرق المتوسط يصطدم بصخرة الأسطول البريطاني

سياسة بايدن
تباينت الاختلافات بين سياسة المرشح الديمقراطي جو بايدن، ومنافسه الجمهوري ترامب، تجاه العديد من القضايا مع تركيا، لاسيما في الملف السوري والمزاعم بالإبادة الجماعية للأرمن، وقام بايدن في ديسمبر الماضي بمهاجمة الرئيس التركي، ودعا إلى التعاون مع المعارضة التركية لإسقاطه، ما لاقى احتفاءً واسعًا لدى الأطراف التركية كافة.
انتقد بايدن خلال عمليته الانتخابية مواقف عدة، منها معارضة العمليات العسكرية التركية في سوريا، ووصف الاتفاق بين ترامب وأردوغان في إعطاء تركيا منطقة آمنة، على أنه خيانة للأكراد وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إضافةً لدعمه إقامة حكم ذاتي للوحدات الكردية المسلحة في الشمال السوري.
ولم يرضَ بايدن عن سياسة تركيا وأنشطتها المتبعة بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وشدد على التعاون مع الدول المتحالفة في شرق المتوسط «اليونان، إسرائيل، مصر، فرنسا» وضرورة عزل تركيا، غير أنه ندد بفرض عقوبات «كاتسا»، بخلاف ترامب، على تركيا إذا لم تتخل عن منظومة «S-400» الروسية، وأقر بضرورة الاعتراف الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن، فضلًا عن إعادة «آيا صوفيا» إلى مسجد، ومعارضة أيضًا الاحتفاظ بالرؤوس الحربية النووية الأمريكية في قاعدة «إنجرليك».
ومن الواضح والمعلن خلف تلك المواقف، أن أنقرة تفضل التعامل مع الرئيس ترامب، وتتخوف من مواجهة المرشح بايدن، لمواقفه العدائية تجاه تركيا في الآونة الأخيرة، لكن بعض الأوساط التركية ترى أنه ليس هناك اختلاف كبير بين ترامب وبايدن الذي يعرف تركيا حق المعرفة، فالاختلافات بين البلدين ما زالت قائمة.
للمزيد.. الاستثمار في الفوضى.. رهان ملتقى الإخوان لإفشال الحوار الليبي

مسار وعر
ويقول مصطفى صلاح، الباحث في العلاقات الدولية: إن أهمية الانتخابات الأمريكية الحالية تتزايد لأسباب عدة، بعضها يتعلق بالظروف المحيطة بهذه الانتخابات، والبعض الآخر يتمثل في شخصيات المرشحين الذين أثاروا الجدل حول إدارة الكثير من الملفات الإقليمية والدولية التي ترتبط بمصالح الولايات المتحدة، وفي الواقع لا يوجد اختلاف بين الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب والمرشح جو بايدن فيما يتعلق بتقويض السياسة التركية التي أصبحت تهدد المصالح الأمريكية، فمن المعروف أن الرئيس الأمريكي في حال فوزه بفترة ثانية فإنه يكون أكثر جرأة من الفترة الأولى تجاه حسمه للملفات، وهذا الأمر بالنسبة لترامب سيصبح أكثر وضوحًا في حال فوزه، وبالنسبة للمرشح الديمقراطي بايدن، فإنه قد أعلن بصورة واضحة عن استراتيجيته لمواجهة تركيا، وتغيير النظام السياسي الحاكم هناك؛ حتى إن البعض أطلق عليه اسم مرشح المعارضة التركية.
وأردف «صلاح» في تصريح لـ«المرجع»، أن بناء على ذلك يمكن القول إنه لا توجد ثمة اختلافات كبيرة بين ترامب وبايدن حول إدارة العلاقات مع تركيا، فكليهما سيسعى إلى انتهاج سياسة أكثر مواجهة مع أنقرة على عكس ما كانت عليه سياسة الولايات المتحدة خلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، والتي برغم ذلك شهدت محطات كثيرة من التوتر والخلافات، وفرض العقوبات.