مستقبل السلطة والإرهاب.. سيناريوهات دمج «طالبان» في الجيش الأفغاني
تجتهد الحكومة الأفغانية لتسيير المفاوضات الشاقة مع «طالبان» بما
يحقق مصالحها السياسية والإستراتيجية،
وعلى جانب آخر ترى طالبان في هذه المفاوضات التاريخية فرصة للانفراد بالحكم في
ظل سيطرة جغرافية واسعة وتوافق أمريكي قد لا يتكرر.
على الرغم من أن بداية المفاوضات الداخلية لم تكن واضحة أو معلنة الرؤية من أي من الطرفين، فأن الرئيس الأفغاني أشرف غني قد صرح في 7 أكتوبر 2020 بعزمه على إقناع قادة الحركة المتشددة بإشراك عناصرها المسلحة التي تلقت تدريبًا عسكريًّا في الجيش الأفغاني لمواجهة تنظيمي داعش والقاعدة للقضاء جديًا على الإرهاب في البلاد وإقرار السلام الدائم والشامل.
وصرح «غني» برغبته في اتخاذ المفاوضات الحالية مسارًا جديًا يعبر عن طموح الشعب في حل الأزمة، مشيرًا إلى أن طالبان يجب ألَّا تتخوف من وقف إطلاق النار، وعليها التمسك بالحلول السلمية والتوافق مع جميع التيارات الأفغانية وأبرزها المرأة لبناء مستقبل أفضل، إذ حث «غني» على ضرورة تمثيل النساء في المجتمع السياسي للدفاع عن حقوقهن، وكان ذلك خلال زيارته للعاصمة القطرية الدوحة ولقائه مع المسؤولين والفريق المفاوض من حكومته ومن قادة حركة طالبان.
الدمج.. مستقبل السلطة والإرهاب
يُمثل مقترح غني حول دمج مسلحي طالبان في الجيش متغيرًا شائكًا لجميع الأطراف الفاعلة في الملف الأفغاني، إذ يتضح معه رغبة الحكومة في التخلص من مقاتلي الحركة وإضعاف الجناح المسلح لها مع تبريرات القضاء على الإرهاب، والتي من الممكن أن تسبب حرجًا أو حاجة إلى المبررات القوية، إذ رفض أي من الأطراف هذا المقترح، وبالأخص واشنطن، التي سبق وضغطت على الحكومة -التي كانت حليفًا لها بل وممثلًا عنها- من أجل الدخول في المفاوضات مع طالبان بغض النظر عن طلبات الحكومة.
سيناريو آخر
وفي سيناريو آخر قد يلقى هذا المقترح قبولًا لدى واشنطن لتوظفه من أجل إنهاء التنظيمات المتطرفة في أفغانستان، ويتقاطع هذا السيناريو مع المشهد الحالي بارتبكاته الخاصة إذ يشهد أكتوبر 2020 الذكرى الـ19 للغزو الأمريكي لأفغانستان، إذ جاءت واشنطن إلى كابول بهدف القضاء على الإرهاب الذي استغل أرضها لتوجيه ضربات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم «القاعدة» عبر تعاون مع «طالبان» وفقًا للرؤية الأمريكية آنذاك.
ولكن بعد 19 عامًا لم تستطع الولايات المتحدة إنهاء الوجود المسلح في أفغانستان، بل ارتكنت إلى التفاوض مع طالبان التي فرضت شروطا وافقت واشنطن على أغلبها، ما يعني أن فرضية استخدام الحكومة لإنهاء طالبان ودمجها في الجيش، وبالتالي التفرغ للقاعدة وداعش قد يكون ذا اعتبار مهم.
فرضية غير مطروحة
بينما يقابلها على الجانب الآخر فرضية أخرى دفعت بها الباحثة المتخصصة في الشؤون الآسيوية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نورهان الشيخ التي أفادت بأن الإدارة الأمريكية لا تملك الرغبة في إنهاء الحرب بتلك المنطقة، وإذا كانت لديها الإرادة لذلك لفعلت، متسائلة عن القوة الاستخباراتية والعسكرية لواشنطن مقابل ما تمتلكه الجماعات المتطرفة، مضيفة في تصريح لـ«المرجع» أن الصراعات تشكل سوقًا للمنتجات الحربية للولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب في استتباب الأوضاع بالمنطقة بل تريدها مشتعلة لتحقيق مصالحها.
وفيما يخص تأثيرات مقترح «غني» على قيادات طالبان ورؤيتهم للمرحلة السياسية المقبلة بالبلاد، فأن هذا التحول بين الجماعة كمتطرفة، وكقيادة تتحاور مع واشنطن وحدها يفتح شهية الحركة للانفراد بالحكم، فواشنطن باتت حليفًا والأرض أضحت سيطرتها في الأغلب لطالبان باستثناء مناطق بسيطة للحكومة وأجهزتها.
ومن ثم؛ فمن المحتمل أن يمد مقترح «غني» في عمر المفاوضات الداخلية الشاقة بين الطرفين، من أجل التوصل إلى حل، بل ربما يفتح الباب لصراع مسلح أشد وطأة، ففي تصريح سابق لـ«المرجع» قال الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية علي بكر: إن الحركة لن تفوت فرصة الأوضاع الحالية دون الانقضاض على الحكم، متفردة بالسلطة، ما يزيد فرص العنف بالبلاد.
رؤى متوافقة
وتتوافق هذه الرؤية مع ما قدمته فورين بوليسي في 24 سبتمبر 2020 من ملاحظات حول زيادة أعداد الملتحقين بصفوف طالبان من الشباب، لأنهم أضحوا يعتقدون بأن الحركة ستكون لها الغلبة خلال المرحلة المقبلة، وأن الحكومة بدأت تضعف، وبالتالي فأن مقترح «غني» يأتي في إطار محاولات لإعادة التوازن للمشهد الأفغاني المضطرب.





