إمارة بلجيكا.. بؤرة الإرهاب الدولي
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 07:20 م
مصطفى صلاح
رغم وجود الجماعات والتيارات
الإسلامية بقوة في العديد من الدول الأوروبية؛ فإن بلجيكا تعتبر أكثر دولة في
القارة العجوز معاناة من انتشار هذه الجماعات (خاصة المتشددة منها) على أراضيها،
وقد ساعدها في هذا توفير الفضاء العلماني ضمانة لها، لتبقى وتنتشر انتشارًا
مُوسعًا هناك.
وتواجه بلجيكا (التي تحتضن
أكبر جالية مسلمة في أوروبا، مقارنة بعدد سكانها البالغ ما يقارب المليون ونصف
المليون) مخاطر داهمة جراء تبني الجماعات المتشددة أيديولوجية العنف لـ«أسلمة
المجتمع البلجيكي» وإقامة دولة إسلامية، وقد توقع العالم فيليس داسيتو في دراسة
أجراها أن المسلمين سيمثلون غالبية سكان بروكسل بحلول عام 2030.
وفي رسالة أرسلها أحد قادة حزب الإسلام، ويدعى «رضوان أحروش»،
دعا فيها المجتمع البلجيكي إلى ترك المسيحية واعتناق الإسلام، رافعًا تحذير: «أسلم
تسلم»، وتعكس هذه الرسالة التوجهات المتشددة التي تعتنقها تلك الجماعات، وتكشف في
الوقت ذاته توجهاتها في ظل تنوع فكري يغلب عليه الطابع العدائي بمسميات مختلفة.
ولعل الضربات الإرهابية التي تلقتها بلجيكا؛ تشير بما لا يدع
مجالًا للشك إلى حجم التوغل المتطرف للفكر التكفيري الجهادي، الذي انتشر داخل
المجتمع البلجيكي، في ظل تسامح وتساهل الحكومة البلجيكية.
وتتعدد الأذرع الإخوانية الموجودة في بلجيكا، مثل منظمة
«الخيرية»، التي تعتبر نافذة من نوافذ التطرف، ومن المعروف أن الوجود
الإخواني على الأراضي البلجيكية بدأ بعد هجرات العديد من الوافدين من الشرق الأوسط
ومنطقة شمال أفريقيا.
وتم تأسيس أذرع الإخوان في بلجيكا، على يد السوري محمد هواري،
بجامعة بروكسل في سبعينيات القرن الماضي، ومع استمرار الدعم القطري لهذه الجماعة
وعلى خلفية ذلك تم تأسيس العديد من الجمعيات والمنظمات والسيطرة على بعض المساجد
هناك، وتطور الأمر إلى أن شمل تأسيس لوبي هناك مؤثر في مجريات التوجهات الدينية.
كما تمكن الإخوان من تكوين شراكات مع العديد من الكيانات غير
المسلمة، كالحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب الاشتراكي ببروكسل؛ كما تسيطر جماعة
الإخوان في بلجيكا على الكثير من المنظمات التي من أهمها: رابطة مسلمي بلجيكا،
واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ومنتدى الشباب المسلم، ومنظمة الاعتقاد
المسلم للأعمال الخيرية، إضافة إلى العديد من المساجد، منها: دار القرآن،
وجمعية اللقاء الإسلامية، والشبكة الأوروبية الإسلامية.
وتستغل الجماعة هذه المنابر
الدعوية والخيرية كمداخل مهمة للتأثير والتوغل داخل المجتمع البلجيكي، خاصةً أن
العديد من هذه المنظمات قريبة من المنظمات الأوروبية التي تنتشر هناك، ولعل قوة
وتوغل الجماعة هناك جعل منها مقرًّا للانطلاق لتقرير النقاط المتعلقة بفروع الجماعة
في الدول الأخرى.
الإخواني طارق سويدان
تضييق الخناق
وفي ظل المخاطر التي تواجهها بلجيكا، جراء وجود الجماعات
المتشددة بقوة على أراضيها؛ قررت السلطات البلجيكية تضييق الخناق على جميع الحركات
الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان الإرهابية، وذلك عن طريق تحديد الإقامة، ومعرفة سبب
الوجود على أراضيها، وطرد جميع المتورطين في أي أعمال إرهابية - خاصة التابعين
لجماعة الإخوان.
واتهمت بلجيكا دولة قطر بأنها الممول الأساسي والرئيسي لإرهاب
جماعة الإخوان؛ إذ قررت في أواخر العام 2017 منع 12 إمامًا تركيًّا من الدخول إلى
أراضيها؛ وذلك بسبب تعاون تركيا مع جماعة الإخوان الإرهابية، إضافةً إلى ذلك أنهم
أعضاء بجماعة الإخوان في تركيا، واعتبرتهم خطرًا على بلادها.
ولم يكن هذا الإجراء الأول من نوعه الذي تتخذه السلطات
البلجيكية ضد عناصر جماعة الإخوان الإرهابية؛ ففي العام 2014 قرر وزير الداخلية
البلجيكي «جان جانبون»، منع الإخواني طارق سويدان من دخول بلجيكا، وحضور المعرض
الإسلامي في العاصمة بروكسل؛ وذلك لدفاعه عن جماعة الإخوان الإرهابية.
ويعتبر حزب الإسلام، من أوائل الأحزاب الشيعية التي أُسِّسَت في
بلجيكا، وأسسه رضوان أحروش، صاحب رسالة «أسلم تسلم»، وهو أول من أسَّس مسجدًا
شيعيًّا هناك، وكان ذلك في العام 1999، وينصب اهتمام هذا الحزب على هدف أساسي
متعلق بأسلمة المجتمع البلجيكي، وإقامة دولة إسلامية.
وكان حزب الإسلام، يُمارس نشاطاته في بلجيكا تحت مسمى «حزب نور
الإسلامي»؛ إذ أعلن رضوان أحروش في 28 من يوليو 2001 أنه «لا يمكن للمسلمين أن
ينضموا إلى أحزاب غير إسلامية؛ لذا أنشأنا حزب نور لتمثيل المسلمين، والدفاع عن
القيم الإسلامية».
ويتبع الحزب في توجهه نظام «الحوزة» في إيران؛ حيث إن الحزب
دائم الإعلان عن فكرته الأساسية التي سبقت الإشارة إليها، ويسعى «أحروش»، إلى
المشاركة في الحياة النيابية البلجيكية؛ إذ حصل على 5% من الأصوات البرلمانية، قبل
أن تزيد في 2014 إلى 10%؛ كما حصل الحزب على مقعدين في انتخابات البلدية في أكتوبر
2012.
كما فاز كل من «لوتسن أيت جيديج» و«رضوان أهروتش مولينبيك سانت
جين» و«أندرلخت»، في الانتخابات المحلية هناك، خاصة في ظل تزايد أعداد المسلمين
الوافدين، أو المعتنقين للدين الإسلامي.
ويخطط حزب «الإسلام»، لتقديم مرشحِين في الانتخابات على المستوى
الأوروبي في الأعوام القادمة، وفي هذا الشأن يقول مؤسس الحزب «رضوان أحروش»: «إننا
نسعى على مراحل لنكون الحزب الأكبر في بروكسل»، وتأتي هذه التصريحات رغم إثارة الجدل حول الحزب؛ بسبب تبنيه شعار تطبيق الشريعة.
المهاجر السوري بسام العياشي
حزب الشباب المسلم
أنشئ حزب «الشباب المسلم» داخل بلجيكا عام 2004، على يد «عبدالله
أبوعزيز بستان»، وتتمثل أهدافه في 4 محاور متعلقة بالتعليم، والعمل، والسكن،
والأعراف الإسلامية، إضافة إلى الدعوة إلى ارتداء الحجاب، والبُعد عن التقليد
المسيحي، وتعود نشأة هذا الحزب إلى حركة الشبيبة الإسلامية التي أسست عام 2002.
وأسس المهاجر السوري بسام العياشي، جذور الراديكالية في
بروكسل، الذي بات يُعرف بالمركز الإسلامي البلجيكي، وتأكد ارتباطه ببعض رموز
تنظيم القاعدة الإرهابي، والكثير من العمليات الإرهابية التي ارتبطت باسمه.
وفي 12 مايو 2017 أوقفت السلطات البلجيكية، مدير المركز في
بروكسل، جمال بن صالح مؤمنة، الذي وُضع قيد التحقيق من قبل اللجنة المكلفة من
البرلمان البلجيكي بالتحقيق في الأحداث الإرهابية التي وقعت ببروكسل في مارس 2016.
ويرتكز التيار السلفي المتشدد في بلدة «مولنبيك»، التي تقع
بالقرب من العاصمة البلجيكية بروكسل، وتمخض عن هذا التيار المتشدد العديد من
التوجهات المماثلة، مثل تنظيم «حركة الشريعة من أجل بلجيكا» الذي أسسه مغربي
الأصل فؤاد بلقاسم، الشهير بـ«أبوالعمران» في 3 مارس 2010، كردّ فعل على هذه
المعطيات، متأثرًا بجماعات سلفية أوروبية قائمة، مثل: «الإسلام من أجل بريطانيا»، التي كان يقودها المتشدد الإسلامي «أنجم شاودري»؛ من أجل نشر الأيديولوجية
الإسلامية.
ويُعد لقاء «بلقاسم»، بـ«أنجم شاودري» عام 2010، هو نقطة تحول
الأول نحو الراديكالية، ويحاكي خطاب حركة الشريعة من أجل بلجيكا، الخطاب الذي وضعه
«شاودري» وغيره من قادة الإسلام من أجل بريطانيا؛ حيث يرفض الديمقراطية، ويسعى
لفرض الشريعة في بلجيكا.
وأعلن «بلقاسم»، معاداته للديمقراطية وتحريضه على العنف الطائفي، واستخدم في ذلك حملات دعوة الشارع، وفي أبريل من العام 2010 دخل التنظيم عنوة إلى
إحدى القاعات الدراسية في جامعة «أنتويرب»؛ حيث كان الكاتب الهولندي «بينو بيرنارد»
يلقي محاضرة، وبدأ أعضاء التنظيم إطلاق شعارات إسلامية، وانتهت المحاضرة بتدخّل
قوات الشرطة واعتقالهم.
وازداد التوتر في مدينة «أنتويرب» بعد العام 2011، إثر قيام
«فؤاد بلقاسم» بتهديد السكان من اليهود وبعض الساسة مثل «غيرت وايلدرز»؛ ما
جعل «فيليب فان وينتر»، رئيس حزب فلامز بيلانغ، يُطالب بسحب الجنسية البلجيكية من
«بلقاسم»، قائلًا: «إنّ التشريع الوطني يوفر إجراءات لسحب الجنسية من أحد المواطنين
إذا قام بعد امتلاك هذه الجنسية بخرق واضح لالتزاماته كمواطن، يجب تفعيل هذه
الإجراءات من قِبَل المدعي العام في محكمة الاستئناف».
فؤاد بلقاسم
الرحيل إلى سوريا
وفي مطلع فبراير من العام 2012، أدين «فؤاد بلقاسم» للمرة التاسعة عشرة، وحُكمَ عليه بالسجن سنتين، وتلقّى غرامة مالية مقدارها 550 يورو؛ عوضًا عن القبض على 15 من رموزه، وقد أعلن أعضاء «حركة الشريعة من أجل بلجيكا» في ذلك الوقت أنهم مستمرون في أعمالهم، وتبين لاحقًا أن العديد منهم رحل إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم داعش.
وتوازى مع ذلك بروز نشاط جماعة التبليغ والدعوة، والتي ساعدت على بروز تيار السلفية الجديدة، حيث ينتمي معظمهم إلى المهاجرين الذين جاؤوا إلى بلجيكا.
ومما سبق تعتبر بلجيكا أكبر مصدر لعناصر التنظيمات المتشددة الذين جاؤوا إلى منطقة الشرق الأوسط؛ حيث إنها مثلت أكبر مركز لإعداد المقاتلين وتنفيذ العمليات الإرهابية، فضلًا عن تصدرها المرتبة الأولى لتصدير المقاتلين الغربيين بإجمالي 380 مقاتلًا، كما أن أول انتحارية غربية نفذت عملية انتحارية في العراق كانت تحمل الجنسية البلجيكية، وذلك في العام 2005.
تقف بلجيكا في موضع العاجز عن احتواء الخطر المتعلق بتمدد الأفكار المتشددة، خاصةً في ظل زيادة أعداد المسلمين هناك، إضافة إلى التحديات العديدة التي تواجهها، والخطوات البطيئة التي تتحرك بها لمجابهة هذا التحدي، ولعل خطر إنشاء مجتمع موازٍ داخل المجتمع البلجيكي هو أكثر ما يؤرق السلطات الحاكمة هناك، كما أن خلق مجتمع متشدّد في فهم الدين وعدم الاعتراف بالقانون البلجيكي والانعزالية الطائفية يُشكل تهديدًا للنظام الديمقراطي والدستوري.
وفي هذا الإطار تعمل الحكومة البلجيكية، على مراجعة الاتفاقية المتعلقة بالمسجد الكبير في بروكسل، في خطوة لتفكيك هذه الارتباطات؛ إذ تسعى إلى استعادة السيطرة على الإدارة التنفيذية لمسلمي بلجيكا، بعد أن سلمتها إلى العديد من البلدان العربية والإسلامية، والتي أبرمتها في 1968 مع المركز الإسلامي البلجيكي الذي أنشئ في عام 1936، وما ترتب عليها من مصادقة الدولة البلجيكية عام 1975 على إدخال الدروس الإسلامية ضمن البرامج المدرسية.





