ad a b
ad ad ad

لعبة الحرب والهدنة والمناورة.. قراءة في مبادرة وقف إطلاق النار الليبي

الخميس 27/أغسطس/2020 - 09:16 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة

في خطوة مفاجئة، أعلن فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق المنتهية ولايتها في طرابلس، والمدعومة من أنقرة، وقفًا فوريًا لإطلاق النار، داعيًا إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا كوسيلة لوضع حد للحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات ليست بالقليلة. 


عقيله صالح
عقيله صالح

كما أصدر السراج قرارًا لجميع القوات والميليشيات والمرتزقة، التابعة لحكومته، بوقف إطلاق النار في كامل الأراضي الليبية. 


وقد أشار البيان ذاته إلى أن قرار وقف اطلاق النار يأتي اتساقًا مع الجهود الدولية المبذولة من أجل جعل منطقتي سرت والجفرة منزوعة السلاح، على أن يتم تأمين المدينة بقوات شرطية مكونة من الجيش الليبي وقوات الوفاق.


وفي الإطار ذاته، أعلن عقيله صالح رئيس البرلمان الليبي ترحيبه بالمبادرة وطالب كل قوات الجيش الليبي بوقف جميع الأعمال القتالية، تمهيدًا لمحاولة تسوية النزاع بشكل نهائي.


مصر والخط الأحمر


ولعبت مصر دورًا حاسمًا في سير العمليات العسكرية في ليبيا؛ بعد أن تمكنت ميليشيات الوفاق من استعادة السيطرة على المناطق الواقعة جنوب العاصمة الليبية طرابلس، ما مهد لها الطريق للتوجه شرقًا. 


ولكنّ مصر تدخلت بقوة، وأعلنت أن مدينة سرت خط أحمر لما تمثله من أهمية إستراتيجية في ليبيا، ما دفع حكومة الوفاق لوقف عملياتها العسكرية، قبل أن تبدأ الأطراف المختلفة التفاوض من أجل الوصول إلى حل توافقي يبعد عن سرت شبح الحرب.


لعبة الحرب والهدنة

الرؤية المصرية


وقد انبثقت الرؤية المصرية من الإدراك بأن مدينة سرت هي البوابة الأخيرة أمام الهلال النفطي الذي يحوي أكثر من 75% من النفط الليبي، ما يعني سيطرة حكومة الوفاق على هذه المدينة سوف يفتح شهية القوات التابعة لها للتوجه نحو منطقة الهلال النفطي. بالتأكيد، ما يقلل من نفوذ الجيش الوطني الليبي في أي عملية تفاوضية تهدف لوضع حد للنزاع بشكل سلمي. 


ولذلك، تدخلت مصر بكل ثقلها ورسمت خطها الأحمر وهددت بالتدخل العسكري المباشر للدفاع عن مقدرات الشعب الليبي. كما مهدت مصر الطريق أمام تدخلها العسكري بعقد مؤتمرات مع القبائل الليبية المختلفة التي أعلنت تأييدها لتدخل مصر العسكري للدفاع عن مقدرات الشعب الليبي، وقد أسهم هذا الخط الأحمر في دفع كل الأطراف في ليبيا للتوجه نحو المفاوضات.


احتمالية المناورة


لا شك أن احتمال المناورة لا يزال قائمًا من قبل حكومة الوفاق وتركيا؛ خاصة أن تركيا ترى في وجود حكومة الوفاق الليبية أمرًا ضروريًا من أجل استمرار الإتفاقيات العسكرية والبحرية بين الطرفين، مع العلم أن البرلمان الليبي لم يصدق على هذه الاتفاقيات، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق قانونيًّا. علاوة على ذلك، تحاول تركيا إعادة تأهيل قاعدة الوطية في الغرب الليبي من أجل اتخاذها قاعدة عسكرية دائمة لها في ليبيا بهدف تكثيف وجودها العسكري بالقرب من دول الصحراء الأفريقية، الأمر الذي يزيد من قدرة أنقرة على منافسة فرنسا في مناطق نفوذها التقليدية.


وفي الوقت نفسه، توصلت تركيا لإتفاق مع حكومة الوفاق يقضي بإنشاء تركيا لقاعدة عسكرية بحرية في مدينة مصراتة من أجل زيادة النفوذ التركي في المتوسط. ورغم أن صيغة الإتفاق لم يعلن عنها بين الطرفين، ولكن صحف تركية قد أشارت إلى أن تركيا قد حصلت على حق تأجير ميناء مصراتة لمدة 99 عامًا، دون أن يصدر أي تأكيد رسمي من الجانبين.


وهناك مكاسب أخري حققتها تركيا من خلال التحالف مع حكومة الوفاق، لعل أهمها هو قيام عدد من الشركات التركية بتوقيع عقود من أجل المشاركة في إعادة إعمار المدن الواقعة تحت سيطرة الوفاق. ونستدل من ذلك على أن تركيا لن تسمح لحكومة الوفاق بخوض أي انتخابات برلمانية أو رئاسية في فترة قصيرة، لأن هذا الأمر يمثل تهديدًا مباشرًا لوجودها. ومن هنا، تظل احتمالية المناورة السياسية من خلال مبادرة السراج قائمة. وقد هدفت هذه المبادرة بشكل رئيسي لتهدئة الأوضاع العسكرية في ليبيا، فضلًا عن محاولة حكومة الوفاق دفع الجيش الوطني الليبي من للقيام بخروقات من أجل تحميله عودة الأوضاع إلى نقطة الصفر.


وعلى جانب آخر، برزت خلافات عدة داخل حكومة الوفاق لدرجة أن عددًا من التظاهرات قد عقدت في الغرب الليبي ضد السراج، الأمر الذي دفعه للبحث عن تهدئة من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي، وهو ما تحقق بمبادرته التي أعلن عقيله صالح رئيس البرلمان الليبي في الشرق قبولها.


 المتحدث باسم الجيش
المتحدث باسم الجيش الليبي، المسماري

من جهة اخرى أعلن المتحدث باسم الجيش الليبي، المسماري، أن مبادرة السراج هدفها فقط التضليل الإعلامي. كما أعلن المسماري أن قوات الجيش الليبي قد رصدت فرقاطات تركية تتقدم نحو سرت في وضعية هجومية، وهو ما يؤكد أن المبادرة هدفها فقط التضليل والمناورة.


رود الفعل الدولية


رحب عدد من الدول، على رأسها مصر والإمارات، بوقف إطلاق النار في ليبيا معتبرة ذلك بداية حقيقية لتسوية الوضع سياسيًّا في ليبيا. وتأتي مبادرة وقف إطلاق النار اتساقا مع مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد مطلع العام الحالي، الأمر الذي يجعل من ألمانيا لاعبًا أساسيًّا في أي عملية تفاوضية مقبلة.


بالنسبة لمصر، التفاوض بين أطراف النزاع في ليبيا هو الوسيلة الأمثل لتحقيق طموحات الشعب الليبي لأن التسوية العسكرية غير واردة تمامًا في ضوء توازن القوى الموجود على الأرض. علاوة على ذلك، يتيح وقف العمليات العسكرية في ليبيا الفرصة للمنظمات والقوى الدولية ممارسة ضغط على حكومة الوفاق من أجل إخراج المرتزقة السوريين المتشددين، الذين نقلتهم تركيا من الشمال السوري إلى ليبيا من أجل دعم حكومة الوفاق.


وعلى صعيد آخر، ترى مصر أن وقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي الليبية على خطوط التماس الحالية وبدء التفاوض يمنح الجيش الوطني الليبي نفوذًا كبيرًا في العملية التفاوضية، خاصة أن منطقة الهلال النفطي لا تزال واقعة تحت سيطرته.


ورغم أن بيان السراج قد دعا إلى عقد انتخابات برلمانية ورئاسية في مارس المقبل، وفق قاعدة دستورية يتفق عليها الجميع، فإن البيان لم يحدد آليات واضحة حول كيفية الوصول إلى آلية توافقية، ما يعني أن حكومة الوفاق قد تستغل التفاوض كوسيلة لإطالة أمد الأزمة السياسية وتثبيت الوضع كما هو عليه لفترة أبعد من 2021. علاوة على ذلك، لم يحدد البيان دورًا واضحًا مطلقًا للأمم المتحدة في لعب دور تنسيقي ورقابي على عملية التفاوض بهدف ضبط إيقاع الطرفين وحثهما على التسوية في أسرع وقت ممكن. ولعل عدم وجود دستور ليبي موحد يمثل أزمة سياسية أخرى، خاصة أن التوافق على مواد دستورية حاكمة بشكل عام قد يستغرق وقتًا أبعد من مارس 2021، وهو الوقت الذي حدده بيان السراج من أجل إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية.


في النهاية، يجب على المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة أن تتقدم للعب دور أكبر في الحفاظ على وقف إطلاق النار الحالي من خلال القيام بفرض آليات رقابية على عملية التفاوض. 

 

 

-         Declan Walsh, Libyan Rivals call for peace talks,

https://www.nytimes.com/2020/08/21/world/middleeast/libya-ceasefire.html

-         BBC, Rival authorities announce ceasefire, https://www.bbc.com/news/world-africa-53863627

 

 

"