غض الطرف.. سياسة واشنطن حيال الملف الليبي تربك الجميع
اتسم الموقف الأمريكي تجاه ليبيا بالضبابية
طوال السنوات التي أعقبت سقوط العقيد معمر القذافي، إلا أن تسارع وتيرة الأحداث
بالمنطقة دفع بواشنطن مؤخرًا للدخول على خط الأزمة، ففي 4 أغسطس 2020 أصدر مستشار
الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين بيانًا رسميًّا أعرب من خلاله عن إدانة
الحكومة للتدخلات الخارجية في طرابلس، مؤكدًا أنها تمثل خطرًا داهمًا على أمن واستقرار
المنطقة.
وأضاف أوبراين أن أنشطة القوى الخارجية
التي تسعى لتوظيف الاضطراب الليبي لتحقيق مصالحها الخاصة هو تهديد مباشر للتجارة
الدولية، مطالبًا جميع الأطراف بإتاحة الفرصة لمؤسسة النفط الليبية لاستكمال
أعمالها دون تحريض عسكري، لافتًا إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار
برعاية الأمم المتحدة.
وبالنسبة لخط سرت الجفرة الذي يمثل بوابة الهلال النفطي الليبي، طالب المستشار الأمريكي بأهمية التوصل إلى حل سلمي، إلى جانب احترام القرار الأممي الصادر بشأن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، مشددًا على أن الأوضاع الخطيرة بالبلاد تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها بالمنطقة، وتضر بأمنهم.
الخط الأمريكي
يدفع التدخل المتأخر من واشنطن حيال القضية الليبية نحو التساؤل حول نتائج المبادرة الأمريكية، وإلى أي منحى ستتجه الأمور، ومن هو المعسكر الأكثر استفادة من الأوضاع؟، وهل ستظل فقط مجرد مطالبات سياسية خافتة أم ستنتهي إلى إجراء دولي يحدد مصير البلاد؟ وإن لم يكن ينصفها، فتاريخ التدخلات الأمريكية وحلفائها في بلاد المنطقة لم يحقن دماء أو يمهد لمستقبل آمن.
وبناء عليه فإن الوضع في ليبيا يبدو في غاية الصعوبة والتعقيد بالنسبة لواشنطن، فهي حليفة قوية لتركيا التي تشاركها في حلف الناتو، إلى جانب كونها البوابة الأمنية الأولى جغرافيًّا لمواجهة موسكو أو حتى لردعها، كما أن أنقرة حليف مهم للدوحة التي تجتهد من أجل مساعدة واشنطن لحل أزمة تورطها في أفغانستان عبر استضافتها لقيادات الحركة ورعايتها للاتفاق التاريخي بينهما.
وعلى هذا الصعيد فلا يجب إغفال النداء التركي الذي وجهته حليفتها بالداخل حكومة الوفاق على لسان وزير الداخلية، فتحي باشا أغا في فبراير 2020 إلى واشنطن، داعية إياها لبناء قواعد عسكرية لها في ليبيا، ومن هنا يبرز التساؤل المهم حول فحوى الاهتمام الأخير من الجانب الأمريكي حيال ليبيا، وهل نجحت جهود أنقرة في استقطاب الحليف القوي لجبهتها لتتمكن من السيطرة على موارد ليبيا تحت رعاية دولية، في استدعاء مباشر للسيناريو السوري، وما اشتمل عليه من صراعات دولية جرى توفيقها على أرض دمشق.
واشنطن ومصالح أوروبا
وبالنظر إلى الأوضاع الليبية من جانب آخر، فطرابلس مهمة للغاية لحلفاء واشنطن الأوروبيين، فهي تمثل الحدود الجنوبية لدول الاتحاد، وأن مساعي أنقرة بداخلها تفسد العلاقات بين واشنطن والقارة العجوز، فأردوغان يحرك بوارجه تجاه السواحل القبرصية التي يعتبر جزأها الشمالي تابعًا لسيادته، فضلًا عن الصراع الأخير المتنامي بين أنقرة وأثينا على خلفية مساعي الأولى للتنقيب غير المشروع عن الغاز في البحر المتوسط.
وما تفضي إليه هذه الأوضاع من إزعاج لباريس التي اعترضت على تنفيذ تركيا لعمل عدائي عبر الفرقاطة البحرية الخاصة بها ضد فرقاطة فرنسا، التي كانت تمارس عملها بتفتيش السفن لمنع تداول السلاح بصورة غير قانونية في المتوسط.
وبالتالي فإن تدخل واشنطن حيال القضية الليبية يفرض التساؤل بشأن هذا المتغير، وهل ستوازن الحكومة الأمريكية بين دول الاتحاد وأنقرة أم ستدخل لأيّ منهم على حساب الآخر، وبالأخص بعد تعطيل ماكرون لأنشطته البحرية في الناتو؛ اعتراضًا على عدم اتخاذه موقفًا صارمًا ضد التحرشات الدولية لأردوغان بمصالح جيرانه، واصفًا الناتو بالميت إكلينيكيًّا.
الموقف المتشابك
وما يزيد من تعقيدات المشهد الليبي بالنسبة للولايات المتحدة هو خوفها من شراكة روسية جديدة مع أنقرة التي تلعب لزيادة اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية بطرابلس، من خلال إمدادها بالميليشيات الإرهابية، ومجموعات المرتزقة الأجانب؛ ليحاربوا بجانب فائز السراج لتحقيق أهدافها، وبناء عليه فإن تسارع وتيرة الأحداث في البلاد يحفز على ضرورة وجود حل ليبي خالص للقضية التي يطمع بها الكثير.
وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن قد سبق وكررت نداءات خافتة للتهدئة حيال ليبيا، ظهرت في دعم المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية مرغان أورتاغوس في 21 يونيو 2020 للمطالبات المصرية تجاه حل القضية الليبية، والتي جاءت في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في المنطقة العسكرية، ولكن حتى الآن لم تبد واشنطن أي اعتراض رسمي على انتهاك أنقرة لحظر توريد الأسلحة لليبيا.
المزيد.. بمساعدة الإخوان.. تركيا تشكل «حرسها الثوري» في شمال أفريقيا





